في عام 1988 كانت سعاد حسني لا تزال نجمة شباك يُقام عليها رهان المُنتجين والموزعين فهي الفنانة ذات التأثير والحضور وصاحبة الخبرة الواسعة في التمثيل والرصيد الأوفر من الأفلام الكُبرى.
لهذا لم يساور أحد شك في نجاح فيلم «الدرجة التالتة» فآخر ما يُمكن تصوره هو الفشل لأي تجربة سينمائية جديدة تقوم ببطولتها سندريلا الشاشة الحاصلة على اللقب باستحقاق، خاصة إذا كان أمامها أحمد زكي، الذي شاركته البطولة في أفلام سابقة مثل «شفيقة ومتولي» و»موعد على العشاء» وهما فيلمان نجحا نجاحاً مُرضياً بمقاييس المرحلة التي أنتجا خلالها.
كان فيلم «الدرجة التالتة» هو باكورة تعاون الكاتب ماهر عواد مع سُعاد حسني وهو التعاون الذي أسفر عن زواج الاثنين، لكنه لم يُكلل بالنجاح على المستوى الفني، وهو الأمر المُحير لأن موضوع الفيلم وإن بدا في ظاهرة مُتصلاً بالنشاط الكروي والولع الجماهيري الشديد بكرة القدم، لكنه على مستوى آخر لم يكن كذلك بالضبط، حيث تجاوزت فكرته هذا المفهوم بالنفاذ إلى العمق والتطرق إلى القضية الأكبر، وهي العلاقة بين الجمهور والسُلطة على خلفية الشغف باللعبة الشعبية ذات الاهتمام الأكبر.
لقد حاول الكاتب ماهر عواد استخدم لعبة كرة القدم كرمز للعبة السياسية التي تُمارس على الشعب، وتُمثل فيها الجماهير دور الكومبارس، أو المُشجعين في أحسن الأحوال، فهم حسب السيناريو المكتوب مجرد أدوات يتم توظيفها من جانب الهيئة الإدارية داخل النوادي لتشجيع اللاعبين وملء المُدرجات لتبدو المباريات المُباعة والمُتفق مُسبقا على نتائجها منطقية وواقعية ومُقنعة، في حين أنها لا تمت للحقيقة بصلة، وأنها لا تعدو كونها تمثيليات يتم خداع الجمهور بها لزوم الحبكة الكروية أو السياسية، إن شئنا الدقة.
وتعود الإشارة إلى جمهور «الدرجة التالتة» تحديداً في لعبة كرة القدم كرمز لموضوع الفيلم، باعتباره يُمثل القاعدة الشعبية العريضة من المُشجعين، وهو الإسقاط المُناسب على الشعب الذي يرى كل من ماهر عواد ككاتب وشريف عرفة كمخرج أنه مجرد مُشجع فقط، يُستغل تأثيره كعنصر رئيسي في الضغط على الهيئة الإدارية في النوادي عند الضرورة، وللحاجة المُلحة في عملية ترتيب الأوراق، وتوزيع المناصب والمُكتسبات، وفق تصورهما الخاص عن طبيعة المرحلة في أواخر فترة الثمانينيات من القرن العشرين.
لقد استطاع ماهر عواد أن ينسج على منوال التشجيع الجماهيري القوي لكرة القدم العديد من الخيوط الاجتماعية والسياسية ذات الصلة، لكن لسوء حظ الفيلم والأبطال لم يتم استيعاب اللغة الرمزية بالقدر المطلوب نتيجة تداخل بعض المعاني وصعوبة تفسير بعض المشاهد كقيام البطل أحمد زكي أو «سرور» بائع «الكزوزة» والمشجع المتعصب لنادية بسرقة الكأس ورغبته في الاحتفاظ به لبعض الوقت كتذكار مهم بالنسبة له. كذلك اشتراك سُعاد حسني أو «مناعة « في عملية التشجيع وتحديها المُستمر لكابتن عوف جميل راتب، الذي يُمثل السُلطة المُطلقة في النادي الرياضي الكبير، ويترأس جوقة المُنظمين، أو بالأحرى المتاجرين باللعبة والمهيمنين على مُقدرات اللاعبين، والمُتحكمين من جهة أخرى، في قيادة جمهور الدرجة التالتة!
لقد أشار الفيلم في بعض المشاهد المهمة عن تواطؤ أعضاء مجلس إدارة النادي مع الرئيس المُنتخب والمُكلف بالإدارة جميل راتب، ولم يُستثنَ من ذلك العنصر النسائي الوحيد سناء يونس، فقد تورطت هي أيضاً في المخالفات الجسيمة مالياً وإدارياً، غير أنها عملت مع رئيس مجلس الإدارة على استقطاب سرور المُشجع المثالي والمخلص لناديه، للانضمام لمجلس الإدارة في صفقة مشبوهة لضمان القوة التشجيعية المؤثرة المُتمثلة في جمهور الدرجة التالتة، بأبرز شخصياته الشهيرة في الملاعب كأحمد عقل ومحمد فريد وعبد السلام محمد وعبد العظيم عبد الحق وآخرين. وقد تم التركيز نسبياً على الشخصية التي جسدها عبد العظيم عبد الحق بوصفه رجل الحكمة والشيخ الضالع في أمور التشجيع، والعالم ببواطن الأمور داخل النوادي وما يُحاك في الكواليس من مؤامرات ودسائس ضد الجماهير التي لا تعلم شيئاً عن خبايا القادة ومكر ودهاء المُدربين، وهو الدرس الذي حاول مراراً وتكراراً أن يلقنه لابنه سرور (أحمد زكي) المندفع في اتجاه التشجيع والتعصب الأعمى بلا دراية.
وبعد الاستعراض الكامل لمُعطيات الأزمة الكروية والشعبية، تخلص النتيجة إلى أن الحل يجب أن يأتي من الجماهير، وقد عمل المخرج شريف عرفه على تأكيد ذلك، مُعولاً على تمرد وثورية شخصية رفاعي «كمال سليمان» الذي قاد المظاهرات ضد أعضاء مجلس الإدارة وطالب بتطهير النادي من المُرتزقة والمرتشين، فتضامن معه بقية المُشجعين وانضمت إليهم مناعة (سعاد حسني) ليتم التخلص من العصابة بعد إظهار براءة سرور من تهمة التدليس والتواطؤ.
انتهت أحداث الفيلم مع اندلاع الانتفاضة الشعبية التي نجحت في خلع كابتن عوف (جميل راتب) من منصبه مع الحاشية الفاسدة وعندئذ نزلت التترات مع تصاعد صوت الموسيقى التصويرية الدال على الانتصار وفرحة الجماهير بالفوز النهائي في معركة المصير.
كاتب مصري