الذكاء الاصطناعي في خدمة جيش الاحتلال!

في عصر يعيد فيه التقدم التكنولوجي تعريف حدود الحرب، يمثل دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية نقلة نوعية كبيرة. ومن الأمثلة الحديثة لمثل هذا التوجه هو خطة الجيش الإسرائيلي التي تهدف إلى دمج نصف التقنيات العسكرية الإسرائيلية مع الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2028، كما أبرز تقرير لوكالة أنباء رويترز أوردته في حزيران/يونيو الماضي. وسنلقي في هذا المقال الضوء على بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستعملة حالياً في العمليات العسكرية الإسرائيلية، بدءاً من نظام «الإنجيل» المثير للجدل إلى المجموعة المتنوعة من الطائرات من دون طيار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.
وبالفعل خطا جيش الاحتلال الإسرائيلي خطوات كبيرة ومتسارعة في دمج الذكاء الاصطناعي عسكرياً واستخباراتياً وعملياتياً في نشاطاته، لاستغلال ما يقدمه من قدرات على أتمتة العمليات والمعدات التي يمكن أن تحل مكان الجندي في الميدان وتتلقى الخطر عنه، وكذلك بدلاً من المحلل العسكري في غرفة العمليات، الذي قد يدفعه الشعور بالتعب إلى إهمال أو نسيان بعض التفاصيل المهمة، وأيضاً لدعم ادعائه كجهة رائدة في صناعة التقنيات العسكرية الذكية.
وقد سلطت تقارير وتحقيقات عدة الضوء على كيفية استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب التطبيقات العسكرية، والمقال هنا يلقي الضوء، على وجه الخصوص، على تطبيقات الذكاء الاصطناعي العسكرية المستخدمة في الحرب على غزة. فمن الأنظمة المركزية المستخدمة في الحرب على قطاع غزة نظام «ذا غوسبِل (الإنجيل)» الذي يعالج كميات هائلة من البيانات الاستخباراتية لتوليد العديد من الأهداف المقترح قصفها. ويشبه الخبراء هذا النظام بمصنع إنتاج، لقدرته على إنتاج كميات كبيرة من الأهداف المقترحة حيث قام برفع عددها من 50 هدفاً سنوياً إلى 100 هدف يوميا. وبينما تتباهى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بكفاءة النظام ودقته، فإن الخسائر البشرية الناجمة عن ذلك في صفوف المدنيين في غزة، التي تجاوزت العشرين ألفاً ـ أغلبهم من الأطفال والنساء ـ تثير تساؤلات بالغة الأهمية. كما أن إطلاق اسم الإنجيل (كتاب رسول السلام) للدلالة على صحة الاقتراحات الواردة فيه كمرجعية لأعمال حربية لقتل البشر، يثير السخرية. ويكَّمِل «الإنجيلَ» نظام متطور آخر يدعى «فاير فاكتوري» (مصنع النار)، الذي يُقَيِّم الطبيعة المدنية أو العسكرية للأهداف وينظم الخدمات اللوجستية للغارات الجوية. ويقوم هذا النظام بحساب أحمال الذخيرة المطلوبة، ويحدد أولويات الأهداف، وجدولة التفجيرات، ويوزعها على أسطول من الطائرات والطائرات من دون طيار. يذكر أن ترسانة الجيش الإسرائيلي تحتوي على العديد من الطائرات من دون طيار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، ولكل منها قدرات فريدة: «لانوس» من شركة «البيت سستيمز»، وهي طائرة مناورة ماهرة في رسم الخرائط الداخلية وتحديد التهديدات. أما «سبيرز نينوكس 40» فتمتاز بسرعة الاستجابة للتطورات في ساحة المعركة. وهي مزودة بنظامي رؤية وتتبع يعتمدان على الذكاء الاصطناعي، ويمكن نشرها عبر أنابيب محمولة باليد. هناك أيضاً «اكستندز ولفرين» هي طائرة كوادكوبتر متعددة الاستخدامات مزودة بمخلب لإزالة العبوات الناسفة، وهي مناسبة للمهام داخل المباني وخارجها.

خطة الجيش الإسرائيلي تهدف إلى دمج نصف التقنيات العسكرية الإسرائيلية مع الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2028

هذه الأنواع المختلفة لم تكن كافية للجيش الإسرائيلي، حيث أوردت الكثير من التقارير أنه، رداً على معركة «طوفان الأقصى»، تواصلت السلطات الإسرائيلية مع شركات ناشئة في وادي السيليكون مثل «شيلد آيه آي» و»سكايدو» وتتخصص هذه الشركات في الطائرات من دون طيار القادرة على المراقبة الداخلية ورسم الخرائط ثلاثية الأبعاد خصوصاً داخل المباني، ما يسهل ملاحقة القوات البرية فيها. وقد استجابت شركة «سكايدو» لطلب الجيش الإسرائيلي وسلمته 100 طائرة من هذا النوع كشحنة أولية مع نيتها لتزويدها بشحنات لاحقة. ويشير الخبراء إلى أن موافقة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) على مثل هذه العقود تنبع من اهتمامها بتجربة فاعلية التقنيات العسكرية الجديدة على أرض الواقع وفي ميادين الحروب، بهدف تحسينها. بالإضافة للتطبيقات العسكرية الهجومية آنفة الذكر، فإن الجيش الإسرائيلي يوظف الذكاء الاصطناعي في أنظمته الدفاعية مثل «نولِدج وِلّ» (بئر المعرفة)، الذي يراقب مواقع إطلاق الصواريخ في غزة ويطبق التعلم الآلي للتنبؤ واستباق عمليات الإطلاق المستقبلية.
كذلك تستعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء نظام القبة الحديدية الدفاعي، التي تحدد الصواريخ المقبلة وتتبعها وتتنبأ بمسارها من أجل اعتراضها بصاروخ موجه ينفجر فيها لإسقاطها قبل وصولها إلى هدفها. غير أن ما يثير الدهشة هو أن كل هذه التقنيات التي تتيح دقة فريدة في تحديد مواقع العدو واستهدافها، وكذلك مواقع المدنيين المسالمين لتجنبها، كما تقضي قوانين الحرب التي يزعم جيش الاحتلال بالالتزام بها، لم تمنعه من إطلاق 13 ألف صاروخ، أي ما يعادل قوة تدميرية تفوق قوة قنبلتين نوويتين، على مواقع وأحياء سكنية مما أسفر عن استشهاد ما يقارب 20 ألف ضحية من المدنيين، الأمر الذي يدل على استهداف واعٍ ومقصود للمدنيين العزل من أجل تأليبهم على المقاومة من جهة، ودفعهم إلى الهجرة من جهة ثانية.
*كاتب مفلسطيني تخصص في مجال الذكاء الاصطناعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هيثم القعقاع:

    مجرمون قتلة يتبجحون بامتلاك واستخدام وسائل الذكاء الاصطناعي كذبا وادعاء تماما :كأفلام الخيال العلمي الشريرة البعيدة عن التصديق ويريدون ارساء لمسة تكنولوجيا متطورة على اجرامهم ويفضل أن لا نقع في شرك أكاذيبهم؟

اشترك في قائمتنا البريدية