الذكاء الاصطناعي يكشف تأخرنا الحضاري ويدلنا على الطريق

حجم الخط
2

عندما أسأله باللغة العربية، يكون جوابه في كثير من الأحيان عبارة عن غباء اصطناعي، أقصد: تطبيق الذكاء الاصطناعي الجديد Chat GPT. سألته باللغة الفرنسية تحسن ذكاؤه على نحو كبير، وعندما سألته باللغة الإنكليزية كاد يقترب من العبقرية لكنه لن يصل إليها لأنه من صنع العبقري الأصلي وهو الإنسان.

مؤشر التقدم

أصبح مؤشر التأخر الحضاري في وقتنا الراهن لأي أمة من الأمم هو غيابها عن العالم الافتراضي الذي أصبح حاملا لكل أنواع العلاقات والتبادلات البشرية والمجتمعية والدولية.
وكما نعرف منذ أمد بعيد أن مؤشر التقدم هو مدى قدرة أي أمة من الأمم على الإضافة الى سلة الحضارة الإنسانية والتي تأخذ الآن شكلا افتراضيا رقميا بدلا من الكتب والأدوات الفيزيائية. مازالت أغلب مجتمعاتنا العربية مستهلكة للتكنولوجيا وغير منتجة لها، لذلك لا توجد بيانات كافية باللغة العربية كي تساعد التطبيق على الأجوبة الدقيقة والذكية.
هل تذكرون برنامج الترجمة على غوغل في بدايته؟ كان غبيا جدا بالترجمة بشكل عام، وترجمته إلى اللغة العربية بشكل خاص إذ كان يعمل كالقاموس أو مثل بعض المترجمين العرب الذين شوهوا ثقافتنا لزمن طويل بترجماتهم الركيكة، لأن الكلمات تأخذ معناها من السياق ومن الحياة وليس من القواميس فقط. ولكن خبرة غوغل بالترجمة تطورت مع الزمن مع ازدياد كمية البيانات التي يستخدمها، وكذلك بفضل تطور الذكاء الاصطناعي (AI) وقدرة تطبيقاته على التعلم الدائم وتطور معالجة البيانات الهائلة (Big Data).

معالجة البيانات

قبل أن نتكلم عن الذكاء الاصطناعي ينبغي أن نتكلم عن البيانات الكبيرة الهائلة، لأن معالجة البيانات هي أساس تطور كل علم وكل بحث وكل مجتمع. فعالم الاجتماع مثلا يحتاج لتحليل مجموعة كبيرة من المعلومات عن حياة البشر والمجتمعات المختلفة كي يصيغ فرضياته ونظرياته وخطط تطوير المجتمعات والإنسان. وتطبيقات معالجة البيانات ظهرت منذ بداية ظهور علوم الكمبيوتر، الفارق الآن هو برامج معالجة البيانات الهائلة والتي لم تكن موجودة من قبل. والذكاء الاصطناعي ظهر منذ زمن بعيد ولكن لم يكن يتوفر له البيانات الهائلة وطرقة معالجتها. إذن اجتماع هذين التطورين الكبيرين هو الذي صنع القفزة النوعية الراهنة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي بدأت بالانتشار في عام 2018.
الذكاء الاصطناعي مثله مثل الإنسان تماما، كلما زاد مخزونه الثقافي والمعرفي والعلمي والأدبي، وكلما زادت معلوماته وقراءاته ازداد ذكاؤه. وكذلك الشعوب كلما زادت مساهماتها الجماعية والفردية وإضافاتها إلى سلة المعرفة الإنسانية وكلما ازداد حضور لغتها على الشبكة العنكبوتية و في مواقع مكتبات الجامعات العالمية ومراكز الأبحاث تصبح شعوبا ذكية.
اليوم يستطيع الشباب السوري في الداخل بالشراكة مع السوريين في كل أنحاء العالم أن يبدأوا طريقا للتقدم أصبح ممكنا بغض النظر عن الأنظمة السائدة المستبدة.
هذه الظاهرة الجديدة لم تبدأ اليوم بل بدأت منذ تعممت شبكة الإنترنت في منطقتنا ولم تكن الثورات فيها إلا نتاجا طبيعيا لها، فقد توفر للشباب السوري منذ بداية الألفية الثالثة مصادر جديدة للمعرفة غير محصورة بالنظام وكتبه المدرسية التي تمجد القائد وتسنى له أن يتعرف على طرق حياة أفراد وشعوب لم تكن متاحة لنا نحن الأجيال القديمة.

سلة الحضارة الإنسانية

أن تشكل شبكة ذكية في أي بلد في منطقتنا ومساهمتها باسمه في سلة الحضارة الإنسانية تستطيع أن تثبت حضورا لبلد ما أكثر من حضور نظامه. كما تستطيع أن تشكل كتلة تعبر عن البلد مقنعة ومؤثرة داخليا وخارجيا، تستطيع أن تضغط على العالم، وعلى الأنظمة الحالية في سبيل تطور هذا البلد وتعزيز تطوره الفيزيائي الذي يلبي طموح شعبه عبر هؤلاء الشباب الأذكياء.
هؤلاء الشابات والشباب الذين يمتلكون أدوات ذكية ويعرفون كيفية التعامل مع البيانات الهائلة حول أي جانب من جوانب المجتمع.
تلك الأدوات التي تجمع بين المهارات المستمدة من مجالات مثل الإحصاء وعلوم الكومبيوتر مع المعرفة العلمية لتحليل البيانات التي يتم جمعها من مصادر متعددة لا يستطيع أي مستبد هزيمتهم.
هذا الاقتراح ليس أضغاث أحلام وتفاؤلا بلا رصيد، كما اعتدنا أن نفعل نحن السوريين حتى نستطيع أن نتنفس في ظل الكارثة التي حلت بنا، بل هي حقيقة أننا في مرحلة فريدة وغير مسبوقة في تاريخ البشرية، فنحن أمام حقبة جديدة تعرف باسم الثورة الصناعية الرابعة، هذه الثورة خلقت لنا فرصة كبيرة لإعادة تشكيل الطريقة التي ندير بها حياتنا ومجتمعاتنا وعالمنا وفضاءنا اليوم، حيث يتم تسخير قدرات المعلوماتية والتحولات المجتمعية من أجل حل مشاكلنا على كافة الأصعدة.
وإذا كانت المعلوماتية والشبكة العنكبوتية سببا كبيرا من أسباب اندلاع ثورات الربيع العربي في منطقتنا واستطاعت الأنظمة القضاء عليها عبر هذه الوسائل ذاتها، ولكن مع قدرات دول، فإن الطاقات الشابة الذكية الآن والتي تدرس في أحسن جامعات العالم تستطيع أن تكون لها إنجازات، لم نكن نقدر عليها من قبل.
هزمني حفيدي علي ذو 13 عاما منذ أيام في الشطرنج على الإنترنت من على بعد آلاف الكيلومترات، وكنت سعيدة جدا بذلك وازداد تفاؤلي المبني على الأجيال الجديدة هذه.
لم نعد في هذا العصر بحاجة للعظماء والفلتات الفردية فقد أصبح الإنسان كوجود بشري وعلمه هو الفلتة التي تدهشنا في كل مرة عن سرعة تطور علومه وأدواته، ويبهرنا باكتشافاته عن أسرار الكون، بدءا من أسرار الجينات وليس انتهاء بأسرار الفضاء.
لم نعد في سوريا في حاجة إلى شخصيات عظيمة مثل خالد العظم أو فارس الخوري أو شكري القوتلي كي نبني سوريتنا الجديدة، لأن تشكل شبكة ذكية من الطاقات السورية الذكية تكفي لتغيير مصيرنا في اتجاه الأفضل.

كاتبة سورية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    كلام في الصميم ممتاز جدا والله 🤓✋

  2. يقول Marwan Al Esh:

    نعم استخدام الذكاء والادوات المرتبطة ومنصات ، يمكن لها تعويض جزء من فقد السوريين لفضاء الحرية والابداع ، وهناك انتشار أفقي سيهزم كل محاولات مصادرة وعزيمة #الربيع_العربي القادم .

اشترك في قائمتنا البريدية