تونس – “القدس العربي”:
ترجل اليوم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن حصانه مغادرا عالمنا الى عالم آخر تاركا وراءه إرثا كبيرا وتاريخا مهما من النضال السياسي والحقوقي، …فهو التسعيني الذي عايش أهم فترات بناء الدولة الحديثة في تونس وحتى ثورتها. في جعبته مسيرة حافلة من العطاء السياسي لبلاده وكان هاجسه الوحيد هو الإبقاء على مسيرة الزعيم الحبيب بورقيبة والاقتداء به في كل توجهاته السياسية والدبلوماسية.
ولد في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1926 وتوفي في 25 تموز / يوليو 2019 في يوم رمزي يحتفل فيه التونسيون بذكرى قيام جمهوريتهم ،هو سياسي ومحامي تونسي، وكان الرئيس الخامس في تاريخ الجمهورية في تونس منذ 31 ديسمبر 2014. ترأس حزب نداء تونس. تقلّد العديد من المناصب الوزارية في عهد الحبيب بورقيبة أهمها وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، وترأس مجلس النواب في بدايات عهد بن علي ثم عاد للساحة السياسية بعد الثورة التونسية. وترشح لانتخابات الرئاسية في 2014 أمام نظيره الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي رئيساً خامسا للبلاد منذ إلغاء النظام الملكي في تونس وإعلان الجمهورية في مثل هذا اليوم من سنة 1957.
في كتابه ” الحبيب بورقيبة …المهم والأهم” يقول:” أهدي هذا الكتاب إلى شباب بلدي الذين لم يعيشوا الأحداث التي قادت إلى انبعاث تونس المستقلة، على أمل أن يجدوا فيه بعضا من إجابة على الأسئلة التي يطرحونها ودوافع للإيمان بالمستقبل ” كتب هذه السطور آنذاك في بيته في / كانون الثاني ديسمبر من سنة 2008 حينما كان بعيدا عن العمل السياسي في عهد زين العابدين بن علي على خلفية خلافات سياسية بين الرجلين، فابتعد الباجي عن الساحة السياسية لسنوات متفرغا لمكتبه وعمله القانوني. وكان يود من خلال هذا الكتاب تقديم شهادة لجيل المستقبل عن حياة الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة باعتباره كان قريبا منه وعايش فترات مفصلية من تاريخ تونس. ولكنه لم يكن يدرك آنذاك انه سيعود إلى السياسة من الباب الكبير وسيتولى حكم تونس في فترة انتقالية حساسة بعد ثورتها وسيكون المؤتمن على نظامها الديمقراطي.
حمل قائد السبسي أمانة كبيرة في فترة مليئة بالتصدعات السياسية والأزمات والصراعات خاصة بين حركة النهضة الإسلامية والشق الحداثي المعارض لها، وكانت البلاد سائرة نحو التخبط في حين يتربص بها الإرهاب من كل جانب.
ويجمع كثيرون على أن سياسة التوافق التي انتهجها مع حركة النهضة ورئيسها الشيخ راشد الغنوشي انقذت البلاد من خطر التمزق والانقسام.
تلقى الباجي قائد السبسي دراسته بمعهد الصادقية العريق بتونس العاصمة، ثم أكمل الجزء الثاني من الباكالوريا بديجون بفرنسا سنة 1948 وفي 1949 تحول إلى باريس ليواصل الدراسات العليا في الحقوق.
أين التقى بالحبيب بورقيبة الابن وتوطدت بينهما علاقة سمحت له بالالتقاء بالحبيب بورقيبة الأب سنة 1950. ثم عاد إلى تونس يوم 15 تموز 1952 بعد إنهاء دراسته الجامعية ليمتهن المحاماة بمكتب المحامي الدستوري فتحي زهير.
” يقول الباجي في كتابه ” لقد غدا بورقيبة الآن في ذمة التاريخ وليس غير أن افعاله تشهد له او عليه “…واليوم نجد انفسنا نردد نفس العبارة أمام هول هذا المصاب وهذه الخسارة لتونس في فقدان رئيسها قبل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة وفي ظرف حساس في تاريخ البلاد، فالباجي كان شخصية استثنائية ولها حضورها الخاص وظل حتى آخر عهدته محافظا على سرعة بداهة قوية وذكاء استثنائي مكنه من إدارة مفاصل الحكم حتى أيامه الأخيرة ، قبل ان يصاب بوعكة صحية اكدت عائلته انها بسبب تسمم غذائي . لقد التقته ” القدس العربي ” 3 مرات في حوارات اجريت عبر مراحل متعددة، فكان اول حديث معه كرئيس لحزب نداء تونس ثم كرئيس للجمهورية حينما صرح يوم 11 اكتوبر/ تشرين الاول سنة 2016 بان الجامعة العربية انتهت والتغيير للأفضل يتطلب عشرات السنين… والربيع العربي اختراع أوروبي. مؤكدا بان تونس تمتلك تجربة فريدة من نوعها لكنها لا زالت مهددة إذا لم تتغلب على الإرهاب وتطور الاقتصاد. ورأى الرئيس التونسي الراحل ان الوضع في العالم العربي سيئ جداً ويحتاج عشرات السنين من أجل إعادة بناء ما تم تدميره. وقال: “ولولا التاريخ، ولولا المرأة التونسية لما نجحنا”.
وفي آخر حوار له مع “القدس العربي” نشر يوم 3 نيسان/ أبريل 2019 أكد خلاله المغفور له أنه ليس مقتنعا بأن من مصلحة تونس أن يعيد ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية قائلا “كل توجه يخدم مصلحة تونس أسير فيه وإلى الآن لست مقتنعا بأن من مصلحة تونس أن أعيد ترشحي. صحيح أن الدستور أعطاني الحق، ولكن ليس بالضرورة أن أستخدمه وهناك آجال لوضع الترشحات وانا سأترقب الآجال وأرى”. واكد خلاله الرئيس الراحل بانه ورغم مرور ثماني سنوات على الثورة الا أن التجربة الديمقراطية في تونس “تبقى هشة ما دمنا لم نحقق تقدما في المجال الاقتصادي”. كما كرر دعوته لإجراء تعديل على الدستور خاصة فيما يخص ما يسميه “السياحة البرلمانية” معتبرا أنه “لا يمكن لشعب ان يصوت لنائب بسبب اتجاه معين فيجده يذهب في اتجاه معاكس”.
وفي القضايا الإقليمية قال إنه “يجب تجنيب ليبيا مزالق التدخلات الكبرى”، كما اعتبر أن “لا خوف على الجزائر فشعبها على قدر كبير من الوعي وهو مدرك تماما لمخاطر الخلافات”. وقد أعرب عن رغبته الحقيقية بتحقيق مشروع بورقيبة حول المساواة في الإرث. اما عربيا فأكد الرئيس الراحل بان القدس وفلسطين تبقى الأساس بالنسبة للعرب بالرغم من كل الخلافات. وقد جمعته صداقة خاصة مع القادة الفلسطينيين خاصة الرئيس محمود عباس الذي كان يحرص على القيام بزيارة رئاسية سنوية لتونس منذ تولي السبسي مقاليد الحكم. وقد لعب الرجل دورا هاما أثناء توليه وزارة الخارجية في قرار إدانة مجلس الأمن للغارة الجوية الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط في تونس.
للباجي مسيرة سياسية حافلة فقد تولى منصب رئيس الوزراء التونسي منذ 27 فبراير / شباط 2011 إلى غاية ديسمبر 2011. وتولى عدة مسؤوليات هامة في الدولة التونسية بين 1963 و1991. ودرس في كلية الحقوق في باريس التي تخرج منها عام 1950 ليمتهن المحاماة ابتداءً من 1952. سياسيا، ناضل الباجي قائد السبسي في الحزب الحر الدستوري الجديد منذ شبابه وبعد الاستقلال عمل كمستشار للزعيم الحبيب بورقيبة ثم كمدير إدارة جهوية في وزارة الداخلية.
وفي 1963 عين على رأس إدارة الأمن الوطني بعد إقالة إدريس قيقة على خلفية المحاولة الانقلابية التي كشف عنها في ديسمبر 1962. عام 1965 عين وزيرا للداخلية بعد وفاة الطيب المهيري، وقد ساند من منصبه التجربة التعاضدية التي قادها الوزير أحمد بن صالح. تولى وزارة الدفاع بعد إقالة هذا الأخير في 7 نوفمبر 1969 وبقي في منصبه لغاية 12 يناير 1970 ليعين سفيرا لدى باريس. جمد نشاطه في الحزب الاشتراكي الدستوري عام 1971 على خلفية تأييده إصلاح النظام السياسي وعام 1974 وقع رفته من الحزب لينضم للمجموعة التي ستشكل عام 1978 حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة أحمد المستيري، وقد تولى في تلك الفترة إدارة مجلة ديموكراسي (الديمقراطية) المعارضة. رجع إلى الحكومة في 3 ديسمبر 1980 كوزير معتمد لدى الوزير الأول محمد مزالي الذي سعى إلى الانفتاح السياسي، وفي 15 أفريل 1981 عين وزيرا للخارجية خلفا لحسان بلخوجة.
اليوم تفتح وفاته الباب امام فرضيات عديدة وتساؤلات كبرى تتعلق بنظام تونس وانتقال الحكم في حالة الفراغ الدستوري …قانونيا يؤكد الفصل 84 من الدستور التونسي بانه” اذا تجاوز الشغور الوقتي مدة الـ60 يوما أو في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابة الى رئيس المحكمة الدستورية او في حالة الوفاة او العجز الدائم او لأي سبب آخر من أسباب الشغور النهائي . تجتمع المحكمة الدستورية فورا وتقر الشغور النهائي وتبلغ ذلك الى رئيس مجلس نواب الشعب الذي يتولى فورا مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة واربعون يوما واقصاه تسعون يوما. اما المادة 85 فجاء فيها ” في حالة الشغور النهائي يؤدي القائم بمهام رئيس الجمهورية اليمين الدستورية امام مجلس نواب الشعب وعند الاقتضاء امام مكتبه او امام المحكمة الدستورية في حالة حل المجلس “.
ولكن الاشكال هو عدم انتخاب محكمة دستورية ما يطرح جدلا قانونيا حول من يحكم الفترة الانتقالية. لكن مجلس نواب الشعب حسم الجدل بالإعلان عن ان رئيس البرلمان سيتولى الرئاسة المؤقتة لتونس بعد وفاة الرئيس قائد السبسي. اما على الصعيد السياسي فان تونس مقبلة على تحديات هامة في مسارها الديمقراطي، وهنا نردد ما صرح به السبسي في حواره الأخير لـ القدس العربي” قائلا “أن تقع الانتخابات في آجالها الدستورية هو مكسب كبير لتونس، ونحن نسير في هذا الاتجاه. وعلى المرشحين أن يتنافسوا بطريقة حضارية، فمن أهم شروط الديمقراطية القبول بالرأي المخالف. ولكن للأسف، قبول رأي الآخر ليس أمراً شائعاً في حضارتنا العربية. نأمل بأن نسير في هذا التوجه، وهذا امتحان، ويوم الامتحان يكرم المرء أو يهان”. لذلك فان اهم وصايا الرجل بشأن تونس ومفتاح خلاصها السياسي والامني هو إجراء الانتخابات في أجالها واحترام نتائجها، لأن الرابح الأكبر ستكون الديمقراطية التونسية التي لا تزال تمر بمصاعب جمة. واليوم بعد فقدان تونس لأبرز زعمائها ورجالاتها فان هناك دعوات من الاحزاب التونسية ومختلف الطيف السياسي تؤكد على أهمية التضامن والوحدة لمواجهة مختلف الصعوبات.
رحمه الله.
.
لكن، ماذا عن وفاة المناضل بسام الشكعه؟
الله يرحمه ويغفر له ، ارجو ان يكون مجهز اجابه مقنعه عندما يسأله ربنا الرحيم عن السبب في محاولته الموازاه في الميراث ؟
سيقول له انه أحترم الدستور التونسي ….
عند السؤال في القبر لا يوجد شئ اسمه دستور بشري أو دوله اسمها تونس .هناك فقط شريعه الهيه واحده ودستور واحد مستمد من القران الكريم والأحاديث الشريفة .