مات كريم مروة.
لا أدري لماذا هبط عليّ الخبر كالصاعقة. بدا هذا المناضل والمثقف كأنه جزء لا ينفصل عن حياتنا، فجاء موت ابن الثالثة والتسعين وكأنه مفاجأة لم نكن نتوقعها.
لم يمت قتلاً في أقبية المخابرات كرفيقه فرج الله الحلو، الذي أذابه جلاوزة المكتب الثاني السوري بالأسيد، ولم يمت اغتيالاً كرفيقه جورج حاوي لأنه تمرد على الوصاية السورية، بل مات ممسكاً بقلمه، كأنه كان دائم البحث عن الحقيقة.
عبر كريم مروة الحياة السياسية اللبنانية وهو يلبس عباءتين: عباءة المناضل والقائد وعباءة المثقف، وفي الوضعيتين كان مثال التواضع والكرم الأخلاقي.
ربطتني بأبي أحمد ومحمد دكروب ومهدي عامل صداقة ورفقة عمل أتت من حيث لا أدري، أنا القادم من صفوف اليسار الجديد والمقاومة الفلسطينية. كان ذلك بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. في ذلك الزمن كنا نتخبط بحثاً عن طريق، إلى أن دلني كريم مروة على مجلة «الطريق»، وانخرطت بعدها بشكل غير مباشر في عمل جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
فوجئت يومها بالعرض الذي قدمه لي ولصديقي روجيه نبعة، بالانضمام إلى هيئة تحرير مجلة «الطريق»، فنحن لم تكن تربطنا بالحزب الشيوعي أي علاقة، بل كنا من أشد المنتقدين له، لكننا لم نكن نملك سوى أن نوافق، فهمُّنا في تلك المرحلة كان العمل على طرد قوات الاحتلال من لبنان، فصارت المجلة مكرسة للمقاومة إلى جانب اهتماماتها الثقافية المتعددة.
تلك التجربة القصيرة التي كسرتها حرب الجبل بفظائعها الطائفية، كانت مدرسة كبرى بالنسبة لي. فيها تعلمت الكثير، ودخلت في مناخات لم أكن أعرفها. إلا أن خروجي من «الطريق» لم يؤثر على صداقتي بكريم مروة، فكنا نلتقي مع محمد دكروب ومهدي عامل (حسن حمدان) مرة في الأسبوع في منزله في شارع مار الياس حول كأس وعشاء طبقه الرئيسي هو اللبنة والزيت. وكانت هذه اللقاءات غنية بالمناقشات والأفكار، يقودها أبو أحمد وسط عواصف محاولاتنا فهم الواقع اللبناني وتجاوز الطائفية التي حولت لبنان إلى جرح مفتوح.
بدأت حكاية كريم مروة في النجف. أرسله والده لتلقي العلوم الدينية، لكنه كنسيبه حسين مروة تحول إلى الماركسية، غير أن انضمامه إلى الحزب الشيوعي كان إشكالياً؛ فأبو أحمد كان محباً لفرج الله الحلو الذي استبعد وأهين من قبل خالد بكداش الذي قاد الحزب الشيوعي السوري-اللبناني بقبضة ستالينية. أما سبب الاستبعاد فكان موقف فرج الله من قرار تقسيم فلسطين، ورفضه الموقف السوفياتي الذي أيد تقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية وعربية. كما كان معجباً بأدب رئيف خوري، فذهب إلى رئيف، الذي طرده بكداش من الحزب، يطلب النصح فنصحه بالانضمام إلى الحزب والنضال من داخله لتصحيح الوضع.
هذه النصيحة أثمرت حين قام تلامذة فرج الله بثورتهم الداخلية في الحزب في مؤتمره الثاني 1968 بدعم من أمينه العام نقولا الشاوي. أثمرت ثورة جورج حاوي وكريم مروة ورفاقهما استقلالية للحزب عن المركز السوفياتي، وأعطته حيوية جماهيرية وامتداداً شعبياً لا سابق له، غير أن الحرب الأهلية أتت لتقوم بتغيير كل المعطيات.
كان أبو أحمد واحداً من الفريق الذي صاغ قرارات المؤتمرالثاني، قبل أن يتحول إلى العنوان الثقافي لليسار اللبناني، ويستقطب المثقفين الللبنانيين بحيث بدا الحزب وكأنه اللاعب الثقافي شبه الوحيد في صفوف الجيل الجديد من الكتّاب والشعراء اللبنانيين.
من جانب آخر، برز اسمان سيطرا على الموسيقى والأغنية السياسية، هما مارسيل خليفة وزياد الرحباني، وكان تأثيرهما كبيراً، بحيث صارت أغانيهما على كل شفة ولسان.
وفجأة سقط كل شيء، وضاعت الإنجازات في ظل هيمنة المخابرات السورية على لبنان. أُخرج الحزب من حلبة التأثير السياسي، ووصلت الأمور إلى ذروتها بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فأغرق لبنان في الوحول الطائفية، وتم ضرب المقاومة الوطنية وإخراجها من الجنوب بالعنف من قبل حلفاء سورية، وانهار التحالف بين الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية، الذي كان حجر الزاوية في سياسة الشيوعيين خلال الحرب الأهلية.
وكان جورج حاوي السبّاق إلى اكتشاف الفشل، فقدم استقالته من الأمانة العامة للحزب، وأنكفأ جيله عن العمل السياسي، وبدأت رحلة كريم مروة في صحراء العطش والبحث عن المعنى من جديد.
كان السقوط المدوي للاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي الإعلان الصارخ بسقوط مرحلة كاملة من النضال اليساري في لبنان وبقية أنحاء العالم، وبدلاً من أن يجدد اليسار نفسه بعد سقوط الهيمنة السوفياتية، تفكك، ولم تنجُ الأحزاب الشيوعية من هذا المصير.
خلال هذه المرحلة الصعبة من حياته لم ييأس كريم مروة، بل ثابر على العطاء، كانت خطواته اللامعة أحياناً والمتعثرة في أحايين أخرى، دليلاً لاكتشاف عمق الأزمة التي نمرّ بها، ولكنه بقي أميناً لقوة الحياة التي دفعت كريم مروة للمشاركة في الانتفاضة-الثورة في لبنان، وكان واعياً للأخطار المحدقة بها التي نجحت في سحقها.
سيبقى أبو أحمد في وجداننا وذاكرتنا نموذجاً للمثقف الذي نذر حياته للتجديد والتغيير.
وداعاً أيها الرفيق والصديق والقائد.
خسرنا فلسطين بسبب اليسار والعلمانية والقومجية !
هؤلاء من ساندوا الطغاة بالوطن العربي !!
حماس , أعادت المجد للأمة !!!
ولا حول ولا قوة الا بالله
كل يغني على ليلاه.. راجع مستنداتك.. !!
أخي الكروي ياحبذا لو كانت كلامك صحيح تماماً! لكنا انتهينا وعرفنا طريقنا بسهولة. فهل الإستبداد الديني أفضل، حزب الله وإيران مثلاً يدعمون بشارون أسدوف …. إلخ … إلخ. باختصار هذا الجدال عقيم لانفع له، لأن الإستبداد والتسلط والفاشية .. لادين لها.
يا اخ الكروي داود
لو نظر كل حزب الى عيبة، ما عاب اي حزب حزب اخر.
سيد داود، إقصاء مكون اساسي من المجتمع على أسس دينية او طائفية هي أساس انهيار وضعف كل الدول العربية. فمتى ننضج ونتجاوز هذة القيود التي نكمل بها انفسنا باسم الدين او الطائفة.
فلسطين ضاعت لتخاذل انظمة مسلمة لبست ثوب الدين. لغاية اليوم، أصحاب العمائم لم يصدورا فتوى للجهاد في فلسطين، بينما أصحاب الضمائر الإنسانية من جميع الأجناس والاعراق عبروا عن دعمهم وتظاهروا ومنهم من تعرض للاذى وخسر عملة لتعبيرة عن مساندة فلسطين، بينما أصحاب العمائم يحابون الظالمين.
خلينا ساكتين افضل.
رحيل العلماء والأدباء والمفكرين نقصان لكنوز
الأمة مهما كانت بنوكها مليءة بالاموال رحم الله الرفيق ابو احمد وادامكم ذخرا.
“فكنا نلتقي مع محمد دكروب ومهدي عامل (حسن حمدان) مرة في الأسبوع في منزله في شارع مار الياس حول كأس وعشاء طبقه الرئيسي هو اللبنة والزيت” اهـ
حتى هذه اللحظة بالذات، ما زال طبقي المفضل هو اجتماع الزيتون والزيت والزعتر والبندورة، بينما صديقتي الإنكليزية ذات الشعر الأحمر النبيذي فما زالت تفضل اجتماع الجبنة والبيض والنقانق المفلفلة – مع الاعتذار الشديد هنا بالمناسبة لكل جياع العالم أنى ثُقفوا (على قولة دوستويفسكي) !!
شكراً أخي الياس خوري. أتفاجأ دوماً عندما ارى كم من المثقفين الكبار والمبدعين ينتمون إلى أو ناضلوا ضمن الأحزاب الشيوعية أو اليسارية عموماً! ليس لدي أي مشكلة في الحقيفة في ذلك، وأنا غالباً أميل إلى اليسار بطبيعتي وإن كان بقدر متوسط، لكن لم أتصور يوماً أن أنتمي لهذه للأحزاب. طبعاً الشيوعية واليسار عموماً ليست من شروط الإبداع والثقافة لكن أين يكمن اللغز في ارتفاع نسبة المثقفين أو المبدعين إلى اليسار فكرياً، ولكن طبعاً “يسار” بالمفهوم السياسي وربما هي تسميته غير مناسبة.
سيد اسامة،
نعم اليساريين هم أكثر الناس ثقافة لانهم اكثر الناس حرية وبدون قيود مغلفة بأسم الدين وعقول منفتحة على الآخرين.
الدين أصبح الكثيرون يتخذونة أداة للاسترزاق وليس عن قناعة. الدين هو مسألة شخصية بحتة وحبذا لو ان العربان يتوصلوا إلى هذا المنطق، لان اغلب أصحاب اللحى منافقون.
لغاية لا أعلم كيف يريد البعض اقناعنا بأن من عاشوا قبل مئات / آلاف السنوات يعلمون ما هو افضل لنا في وقتنا الحاضر ويجب التقيد بطريقة عيشهم وتفكيرهم؟! عقول مغلفة بالماضي السحيق.
{فأبو أحمد كان محباً لفرج الله الحلو الذي استبعد وأهين من قبل خالد بكداش الذي قاد الحزب الشيوعي السوري-اللبناني بقبضة ستالينية} انتهى
والأصح يا أخ إلياس خوري (وأنت سيد العارفين): “من قبل خالد بكداش الذي قاد الحزب الشيوعي السوري-اللبناني بقبضة أسدية (نسبة للسفاح حافظ الأسد)!؟.