الشباب فئة اجتماعية تشغل المساحة الأكبر من مجتمعنا، ركيزة أساسية، في ظلها يقوم صرح التنمية ، ويتقوى في كل المجالات، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية..
كما نعرف أن كل ركيزة لا يُعول عليها إلا إذا كانت في مستوى ما تُلقى على عاتقها من مسـؤوليات..
الشباب يعني المستقبل، يعني البناء، يعني التطور والتجديد، هي آفاق نلمسها إنجازات يتوقف نجاحها على مقومات ذاتية، وأخرى موضوعية، فالأولى تتطلب الاتزان والنضج، والثانية تستوجب خلق التربة الملائمة والظروف المحفزة على البذل والعطاء..
طبيعة الجيل الجديد
يقول فيودور دوستويفسكي « إنني أفهم طبيعة الشباب في هذا الزمان، نعم إن أدمغتها قد شاخت قبل أن تنضج» دون بذل جهد في التأمل، سنلاحظ أن ما ورد في القول ينسحب على واقع نعيشه تحاول فئة الشباب – خاصة – التعايش مع تداعياته..
ليس الأمر غريبا بما أن الإنسان – كما نعرف – ابن بيئته وانعكاس لواقع أنجبه، واقع تشابكت فيه العوامل الاجتماعية الاقتصادية، والسياسية..لتفرز لنا ثقافة على مقاس أفكار وسلوكات الأفراد تُنسج..لينقسم هؤلاء في استثمارها إلى اتجاهين، اتجاه يسعى على متنها جسرا نحو البناء، والآخر يستعملها ذات حد واحد، لا يقصد بها إلا الهدم والتخريب..
لكن تبقى الثقافة وتظل – ورغم كل التحديات – بر الأمان والفنار الذي ينير طريق المراكب، ويرشدها إلى مرافئ التطور والتقدم.
مفهوم سوسيولوجي
وقوفا وتوقفا عند مصطلح ثقافة، يمكننا القول أنها بأبعادها الأدبية والتراثية والفنية، هي مفهوم سوسيولوجي، جسر يقودنا إلى ضفاف التنمية والتطور، جسر تحكمه عوامل موضوعية كالبيئة الجغرافية، طبيعة العلاقات والتعاون، والقيم السائدة في المجتمع، والتي تلعب دورا أساسيا في خلق التنوع والتعدد.
الثقافة مكان وزمان شاسعان وعميقان، تفي بوعدها رقيا، عطاء وتفوقا إذا أُحسن تمثيلُها واستثمارُها.
يقول المفكر المغربي المهدي المنجرة في وصية للشباب:
لا يمكن أن أقول للشباب أن يتبعوا نصيحة أي أحد، لكن الشيء الطبيعي والذي لا يحتاج لنصيحة، أن يهتموا بالمعرفة، البحث، الدفاع عن المبادى الأساسية مثل كرامة الإنسان، أن يحاربوا الإهانة، أن يحرصوا على التواصل الثقافي الحضاري، مع سكان البلاد وغيرها، وأكثر من كل شيء المعرفة، المعرفة، المعرفة..
وتأكيد المفكر والعالم الاقتصادي المهدي المنجرة على عنصر المعرفة، له دلالته وأبعاده التي تنبأ من خلالها أن العولمة سيكون لها الأثر الكبير والعميق على واقع فئة الشباب..
إذ تعالت الأصوات بعصرنة الثقافة ودمجها بالثقافة الغربية ومواكبة تقدمها التقني خاصة، فتحقق الانفتاح، انفتاح حملت رياحه اتجاهات في أوساط الشباب، فهناك من هب به الانبهار إلى حد الاستلاب، وهناك من لوح بعدم قبوله لكل ما هو غربي، والدعوة إلى التمسك بالتراث واعتباره المنبع والمصب ، مما أدى إلى تحجر في المواقف أظهر العجزَ في استيعاب إيجابيات الجديد، وعدم الاعتراف بسلبيات القديم « التراث» مما أجهض الإبداع في مهده، ويشير محمد عابد الجابري إلى أن ذلك النوع من الثقافة يسعى إلى تسطيح الوعي وجعله مرتبطا بالصور والمشاهد الإعلامية التي يغلب عليها طابع الانفعال وتحريك المشاعر وحجب العقل، مما يؤدي إلى امتلاك الذوق وقولبة الفكر وجعل السلوك استهلاكيا، يعطل التنمية، ويعرقل عجلتها..
في ظل هذا التوضيح..
وبما أن الشباب هم قادة الغد ، فلا بد من تهييئهم لاعتناق قيم العصر، على أساس تغيير واع ومحدد يقوم على خلق التوازن بين الثوابت والمتغيرات، دون الاندفاع إلى الحكم على ثقافة بالجملة على أنها سلبية أو إيجابية، فكل ثقافة تشتمل الجانبين السلبي والإيجابي، والمسؤولية الملقاة على عاتق الشباب هنا هو تقبل العولمة كمصدر لتطوير المجتمع دون السماح لها بإلحاق الضرر بالقيم والتقاليد بدعوى العالمية.
قوانين التاريخ
عبد الله العروي، يقول : « إن سَيْر التاريخ لا يتوقف على المثقف، لكن المثقف مطالب بالخضوع إلى قوانين التاريخ إن أراد أن يكون له وجود وتأثير»
بصيغة أخرى يمكن الإشارة إلى أن هذا القول يتماشى ولا يتنافى مع التأكيد أن التاريخ امتداد وخط متواز مع خط الثقافة، يعكسها ويشغل مساحة منها..
فهذا التاريخ هنا ماض، حاضر أثرُه في مجرى الأحداث المحدِّدة لمسار الأشخاص، والشباب منهم على رأس اللائحة، تبِعات تاريخية تشمل جميع المجالات خاصة منها المجال السياسي، إذ يجد الشبابُ نفسه فيه غريبا ومُبْعَدا عن طموحاته، فيجعل ذلك حماسه وإقباله على الخوض في غمار المشهد السياسي يخبو ويتقاعس.
رد فعل جعل السيل يبلغ مداه والطين يزداد بلة، لتتعالى أصوات، محذِّرَة من هذا الغياب والتَّغييب، وتحاول جاهدة إخراج الشباب من قفص الإحباطات واليأس من التغيير، فكانت الـتوعية بتعبئة الجانب الثقافي لديهم ضرورية، باعتبـار أن الثقافة هي المجذاف، الشراع والوقود اللازم للدفع بعجلة التنمية في اتجاه التغيير الصحيـح والــسليم.
فهي ضوء الوعي الذي سيُسَلَّط على مساحات الحقوق والواجبات بعيدا عن العتمة والتعتيم، ويجعله أكثر إدراكا، واستعدادا للتعبير عن رأيه والإقناع بالحجة سلاحا، وبالتالي تعبيد الطريق نحو حصد التأييد والمساندة من أنصار الحق ومحبي هذا الوطن.
كاتبة من المغرب