الرياضة والرسم والموسيقى والرقص وزيارة المتاحف تساهم في التوازن النفسي وتحفيز الوعي د. رمزي هلال: الفن التشكيلي علاج يُخرج الطاقة السلبية من الدماغ ويُدخلنا إلى مجاهله

زهرة مرعي
حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»:  هل فعلاً للفنون والثقافة قدرة على إصلاح ما أفسدته الموروثات والواقع المعاش؟ هي أمنية يتشارك بها كثيرون من الذين يقرأون بأن اختبارات الدم قبل وبعد ممارسة الرسم والتلوين لساعة، تُعطي نتائج مذهلة في إفراز هورمونات السعادة، وغيرها من الهورمونات الإيجابية.

إذاً هو الدماغ البشري الذي يتأثر إيجاباً بالفن ويتفاعل معه. وصفه المختص بأمراض الدماغ والجهاز العصبي وإعادة التأهيل الدكتور رمزي هلال، بأنه «يمتلك خلايا تمتاز بالأخلاق والتعاضد الاجتماعي فيما بينها». لهذا فإن الجمال يشكّل بالنسبة لهذا الدماغ عاملاً محفزاً لمزيد من التعبير عن ما يُقلقنا، وما نقوله باللون ولا نقوله كلاماً. كما أنه يُشكّل أحد عوامل تخفيف التوتر وتحقيق الاسترخاء، ويساهم في تعزيز الوعي الذاتي.
هنا حوار مع الدكتور رمزي هلال:
○ الفنانون بمختلف أنواعهم قلقون دائماً. فكيف للفن بالألوان أن يكون علاجاً؟
• كما أي إنسان عندما يستعمل الفنان مخيلته ثمة قضايا يعجز عن ترجمتها عبر الرسم. كل منّا في صغره، ومن ثم شبابه تُقلقه الأسئلة الوجودية والتي نطرحها على الذات وعلى الآخرين، وقليلاً ما نجد جواباً. أسئلة كما نحن من؟ ومن أين أتينا؟ وإلى أين سنذهب؟ وما هي مهمتنا في هذه الحياة؟ وماذا عن قيمة وهدف الحياة؟ وأين الصواب وأين الخطأ؟ أسئلة متناقضة ستولّد صراعاً داخلياً بين قناعاتنا والواقع. جميعنا نولد فنانين موهوبين، إنما الظروف والتربية، ومن ثم النظام المدرسي التربوي، جميعها لا تُشجّع باتجاه هذا المسار. حتى خلال زيارة لمعرض فن تشكيلي، فأحد لم يرشدنا إلى كيفية النظر إلى لوحة ما؟ وكيف نكتشف رمزيتها وأبعادها. في أعماقه يستمر الإنسان باحثاً عن الحقيقة فيما هو ملموس. لم يعتد النظر إلى الداخل. ولو فعل لوجد العمق والجمال منتشراً أينما كان، لأن الجمال هو جزء من الحق والحقيقة، والجمال سلام، ومن خلال الجمال يمكن الدخول إلى مجاهل الدماغ البشري من دون أن نتلقن درساً من أحد. إنها إذاً الطاقة المُشغّلة للدماغ البشري، وهي جزء من الطاقة الكونية، وجزء من الخالق. في تعريفٍ للفن التشكيلي فهو يعيد تشكيل بعضاً من الجماد إلى الجمال.
○ متى بدأت التجارب على العلاج بالفن التشكيلي؟
• منذ عشرات السنوات بدأت تجارب بسيطة في هذا الميدان. ومنذ زمن ليس ببعيد بدأ التوجه لتحقيق هدف يؤدي لأن يُصبح العلاج بالفن التشكيلي مسألة ثقافية وعلاجية بامتياز. أبواب الفن التشكيلي رائعة جداً، وإن علّمنا الأطفال الرسم والتلوين وكافة أنواع الفنون وخاصة الموسيقى، فذلك يُساهم بإخراج الطاقة السلبية من الدماغ البشري، ويساهم في تفعيل قدراته. التلامذة الصغار من ذوي الحركة المفرطة والنقص في التركيز، يتوجهون فيما بعد نحو الجريمة، والإدمان، وانعدام الصلات الاجتماعية. في حين أن التشخيص والعلاج المبكّر يؤدي لنتائج إيجابية. وأذكر أيضاً حالات التوتر وأعراض ما بعد الصدمات. علاجات هذه المشاكل جميعها عبر الفن أكثر سهولة من العلاج بالأدوية، ومن شأنها أن تنقذ من يعانون منها من مضاعفات قد تلازمهم طوال العمر. على سبيل المثال من يعانون التوتر، أو بدايات نسيان أو خرف، يتأثرون إيجاباً بالفن التشكيلي. فالفن يُنمّي قدرات الدماغ، ويُشكّل جزأً من ثقافته. تماماً كما يُشكّل المجتمع ومختلف أنواع الفنون معاً الدماغ البشري. فعلّ الفنون والثقافة تكون لها قدرة إصلاح ما أفسدته الموروثات والسياسة.
○ كم يشكلّ العلاج بالفن بديلاً عن العلاج بالدواء؟ وكم هو مساند له؟
• يعود ذلك لكل حالة بمفردها، أحياناً يكون بديلا، وأخرى مسانداً. نتائج العلاج بالفن لمجموعة من خمسة أفراد معاً، تؤدي لنتائج أفضل. أن يرسم خمسة أفراد معاً حيث يُجرى لهم اختبار دم قبل الرسم وبعده، وفي المقابل مجموعة أخرى من خمسة أفراد منشغلة بأمور مختلفة، اختبار الدم قبل وبعد اللقاء بينهم يعطي نتائج متباينة.
فهومونات الدماغ المسؤولة عن السعادة ترتفع لدى من يرسمون بشكل ملحوظ، كما تتراجع نسبة الهرمونات المسؤولة عن التوتر والإنفعال. ويُظهر تخطيط للدماغ قبل وبعد اختلافاً إيجابياً في موجاته.
○ وما هو الزمن المفترض لتحقيق الفرق في موجات الدماغ؟
• فقط في خلال 20 دقيقة.
○ هل يقرأ المختص بعلم النفس شخصية الفنان المحترف من خلال ألوانه وخطوطه تماماً كما يقرأ الخطوط والألوان التي يخطّها مريضه؟
• صحيح. الرسم نوع من التعبير. بالتأكيد الأمور نسبية لأنها في أحيان تترافق مع الكلام رغم أنّ بعضهم لا يبوح بكل ما يقلقه. لست طبيباً نفسياً، لكني أعالج المريض بما يساعده على فهم مشكلته، وفهم كيفة عمل دماغه. ففي المقررات الجامعية مادة تعليمية تُسمّى السلوك الدماغي، وكيفية السيطرة على تناقضات الدماغ، بحيث لا يقودنا إلى التهلُكة.
○ كمختص في أمراض الدماغ هل تتعاون مع معالج نفسي بخصوص بعض الحالات؟
• أكيد. ثمة مرضى يحتاجون لجلسات علاج نفسي. وبعض الحالات الأكثر تعقيداً يصار لتحويلها إلى طبيب نفسي، وأحياناً إلى المستشفى.
○ بأي هدف نعطي مريضاً نفسياً أو عصبياً أوراقاً وألواناً؟
• لإستخراج مكنوناته. كثير من الأطفال يعانون من مشكلات واضحة أو كامنة، ولا يتحدثون عنها بل يترجمونها من خلال الرسم والألوان. كل نشاط يستخرج الطاقة السلبية من داخل الإنسان يعيد إليه التوازن، وللرياضة في هذا الجانب دورها الكبير. تعيش مجتمعاتنا وخاصة من خلال النظام التربوي المعتمد تابو تجاه الرسم والموسقى والرياضة والرقص، وزيارة المتاحف وغيرها. والحقيقة أن الرسم والألوان يؤديان إلى توازن في سلوك الفرد، وفي صحته النفسية، وهذا يؤدي إلى نوع من القناعة النفسية. وفي حال اعتماد برنامج مدروس من رسم وموسيقى ورقص مع المساجين، فهذا يؤدي لأن يكونوا في غالبيتهم صالحين في مجتمعاتهم لاحقاً. وهذا ما يُفترض اعتماده في نشاطات إعادة التأهيل في السجون. وكذلك في دور العجزة، ومقرات الأمراض النفسية وأمراض المسنين. للفنون جميعها وخاصة الفن التشكيلي أثرها على الوعي الإنساني، وهنا الهدف الأهم. حيث بات علم أعصاب الوعي مقرراً خاصاً يُدرّس في بعض كليات الطب. ففي الدماغ حقول من الطاقة. يرى أحدنا أمراً يشعر به وتالياً يستنتجه، ومن ثمّ يُدركه. والسؤال من هو المُدْرِك؟ فالإدراك هو مدخل الوعي. الوعي إذاً أعمق وأقوى من الدماغ البشري. فكيف الحال إن توجهنا من خلال وزارة التربية للإحاطة بكافة تلك الأمور في محاولة لتحسين السلوك البشري؟ وتحسين الوعي باتجاه مزيد من الإيجابية؟ الفن بحد ذاته يشكّل عاملاً مساعداً في تهذيب الذوق العام، وكذلك الخاص، ويُفعّل القيم الإيجابية. ويساعد على الخروج من السجون الفكرية العويصة التي نعيشها، كونه يدغدغ الأنا الجوهرية لكل منا.
○ هل من مشاكل عصبية محددة تستدعي تدخلاً عبر الفن والألوان؟
• التجارب العالمية حول هذا الموضوع باتت غنية. ولكل حالة مرضية علاجها المُحدد، وخصوصيتها. بمجرد توجيه المريض باتجاه محدد يُشْغِل دماغه عن التفكير، عندها نبدأ بحصد النتائج. عندما ننجح بتحويل تفكير المريض نحو الشغف بالفن مهما كان نوعه، ونكون على الطريق الصحيح للوصول إلى حالة توازن، بعد سيطرة المشكلة على الدماغ.
○ وماذا بخصوص كبار السن وتنشيط خلايا الدماغ بالكلمات المتقاطعة، وتركيب البازيل، واللغات وووو؟ ومتى نصبح كباراً في السن؟
• ليست السنوات هي المسألة. يُعتبر الخرف والألزهايمر مُشكلة عالمية كبرى. على سبيل المثال يبدأ الخرف دماغياً قبل 20 سنة من الأعراض الأولى، حيث تبدأ بعض الخلايا بالتلف. مع العلم أن الدراسات أثبتت أن خلايا الدماغ تمتلك قدرة التجدد. يمتلك الدماغ البشري 100 مليار خلية، جميعها متآخية. وهي خلايا تمتاز بالأخلاق وبالتعاضد الاجتماعي فيما بينها. وأي تمرين يقوم به كبار السن كمثل الكتابة باليد اليسرى، أو المشي نحو الخلف، يمنح خلايا دماغهم قوة. وممارسة التلوين تُشغّل مناطق دماغية مختلفة في الوقت عينه، وتزيد من مستوى التناغم والتناسق بين مختلف أقسام الدماغ البشري. ومزيد من تشغيل خلايا الدماغ يؤدي لنمو خلايا جديدة، فالدماغ يعمل وفق مقولة «اطلبوا تجدوا.. اقرعوا يُفتح لكم».
○ هل التدخل مطلوب في رسم كبار السن؟
• حسب ثقافة وقدرات كل منهم. وحسب تجربته في الحياة.
○ بشكل عام ماذا عن دور الفن التشكيلي في حياة البشر كزياراتهم للمعارض والمتاحف الفنية؟
• أثبتت التجارب أنه مجرد التواجد في معرض أو متحف لنصف ساعة، كفيل بتبديل الطاقة المُشغّلة للجسم جميعها نحو الإيجابية. كذلك يُحسّن الهرمونات وموجات الدماغ، تماماً كما وكأن الإنسان يرسم. مهم جداً أن تندرج المتاحف والمعارض ضمن قائمة الثقافة التي يسعى إليها الفرد، وخاصة في عمر الطفولة. فالفنون تساهم في تعزيز الخيال، الذي يُعتبر من أهم قدرات الدماغ البشري، والتي تفضي إلى التأمل، الذي يُدغدغ الأنا الجوهرية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية