الرباط ـ «القدس العربي»: فيما اعتبره النقاد وعموم المشهد الثقافي المغربي إنصافا لمسيرة إبداعية غنية، و»خير تكريم لشاعر مجد ومتجدد» توّجت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، الشاعر أحمد لمسيح، بجائزة المغرب للكتاب، عن ديوانه «جزيرة ف السما».
الحفاوة التي نالها تتويج لمسيح بهذه الجائزة الرفيعة كانت كبيرة، التهاني تقاطرت على صفحته في فيسبوك، وعبر تطبيق التراسل الفوري «واتساب» وحتى عبر المكالمات، الرجل محبوب وموهوب كشاعر، وسيرته نقية في الوسط الثقافي، لا أحد يجادل في كونه واحدا من أيقونات الشعر العامي المغربي، أو كما يصطلح عليه محليا بـ»الزجل».
لم تكن الجائزة كافية لتوفي أحمد لمسيح حقه من العرفان، كرجل يحب الظل، وأحب القصيدة وأحبته أيضا، فكان أن جرى تكريمه في الدورة الأخيرة من المعرض الدولي للنشر والكتاب، كما نال التكريم نفسه في ملتقيات مغربية وعربية أخرى، وأحدها في تونس وغيرها من البلاد العربية.
هذا القادم من منطقة «سيدي إسماعيل» في مدينة الجديدة، أهلّ على الدنيا عام 1950، وحصل على الإجازة (البكالوريوس) في اللغة العربية وآدابها 1977، وشق طريقه في الشعر والإبداع ممتطيا صهوة العامّية التي حولها إلى بهاء لغوي وصور شعرية وحِكم صارت مرجعا اليوم. العديد من أعماله ترجمت إلى الفرنسية والهولندية والإنكليزية والإسبانية، وفي رصيده مكتبة كاملة من بنات أفكاره الشعرية، نذكر منها: «الرياح التي ستأتي» و«شكون طرز الما» و«ظل الروح» و«توحشت راسي» و«احريفات» و«حال وأحوال» و«خيال الما» و«ريحت الكلام» و«نجمة» و«بلادي» و«كلام ضاوي» و«كلام آخر».. ون شك، يعتبر أحمد لمسيح واحدا من مراجع القصيدة العامية المغربية «الزجل» وراكم تجربة مهمة منذ أوساط السبعينيات، وبصم على حضور مميز، منتصرا للعامية المغربية، وأخرج منها كنوزا يتغنّى بها المشهد الشعري المغربي وسيظلّ.
في هذا الحوار، وكعادته قليل الكلام، يبوح ويقول بإيجاز ما يفكر فيه دون مواربة أو تردد، ولا ينأى بنفسه عن الخوض في الصغائر.
□ في البداية، لا بد أن أسأل عن حال القصيدة معك، وهل تم الصلح مع الورقة المتمنعة كما تشير في تدوينات عدة؟
■ القصيدة متمكنة وذات سطوة على مبدعيها أكثر من متلقيها، تغوي وتتمنع وتهجر وتعود لتوتير الكتابة، فيسقط في حبالها الغاوون وهم أصناف: من يجعلونها أقنعة لهم فيبالغون في تزيينها ليروا بها غاوين آخرين وهم المتلقون. كتابة الشعر تتأسس على الهواية، وتنحو بالمعرفة المتنوعة إلى الاحتراف، ورغم تسرب الطفيليات إلى جسدها فهي تبتكر مضاداتها الحيوية، لتقاوم وتحيا محافظة على جيناتها الإيجابية الموروثة، وخالقة ذاتيا جديدها لتساير منطق الحياة، الذي لا يقبل الجمود والتكلس والتنميط والتكرار. وللعلم، فهناك شعراء ونقاد لم يعودوا يوظفون مصطلح القصيدة، لأنهم يعتبرونه كان لائقاً في تداول ثقافي أصبح متجاوزا، لأنه يحيل على تقليد مفاهيمي لم يعد يساير المقاربات الحديثة، وهكذا يدعون إلى توظيف الكتابة أو النص، وإن كان النص «حاتميا» فهو يلغي الحدود الأجناسية كما يرى البعض. وبالنسبة لي، لا أتعصب إلى أي اقتراح، لأني أعتبر القصيدة أنثاي التي أتخيلها وأحلم بها، ففي سنة 2000 صدر لي كتابي الشعري «حريفات» وفي سنة 2014 صدر لي كتاب شعري بالعامية «قتلتني القصيدة» وفي سنة 2011 طبعة أولى لبيت الشعر في المغرب وفي 2015 طبعة ثانية لمؤسسة مرسم صدر ديوان «كلام آخر» وفيه اشتغال على الموت والكتابة، مستعينا بحكمة رولان بارت «موت المؤلف». وعودة إلى سؤالك، فالورقة امتحان الكاتب، وهي التحدي الوجودي لمن يشرع في الكتابة، ومشروعي الذي أشتغل عليه، وربما قد أنهيته وسيصدر في السنة المقبلة هو «في محراب ورقة» وهو سيناريو تخيلت فيه أن أمجد فتاة جميلة مبدعة سميتها ورقة لتحاورني لكنها متمنعة، تخاصمني، تراودني، أحاورها، أتوسل إليها، لا تصدني ولا ترحب بي.. لكنها تستفزني لأكتب لها عشقاً وربما صمتها ما لا ينقال، وهكذا هو الشعر يوجد في المنفلت.
□ هل تعتبر أن رحلتك مع القصيدة الزجلية، أو المكتوبة بالعامية، هي في حالة وصال مع لغة ثالثة تماما، لأنها تطرق باب القارئ المغربي العادي والنخبوي أيضا، كما تطرق باب القارئ العربي بحكم امتدادها بين اليومي والحلم المطلق؟
■ أفتح قوساً هنا، فليست المصطلحات مشاعة وموحدة، نحن في المغرب نحتفظ بالمصطلح الذي ظهر في الأندلس ويعنى به الشعر الذي يقال، أو يكتب بالعامية، بينما في أقطار أخرى هناك تسميات مثل الشعر الشعبي وشعر المحكية، وفي مصر إذا قلت لفؤاد أحمد نجم، أو عبد الرحمن الأبنودي ـ لروحهما السلام والسكينة والرحمة – إنه زجال سيغضب منك لأنهما يعتبران الزجل هو للفطريين والأميين ويفضلون مصطلح الشعر العامي. في المغرب الزجل بيت منفتح على طبقات مختلفة لأصناف متنوعة، فيه الأمّي الفطري الذي يقول «العيطة» وفيه عبقرية المغرب المتجلي في «الملحون» – الذي حاز اعتراف اليونيسكو ـ بتصنيفه تراثا لا ماديا. أعترف أني في بدايات خربشاتي كنت خريج مدرسة التفعيلة، ومن الشعر المكتوب بالفصحى أتيت للكتابة بالعامية، ولستُ خريج تراث محلي، رغم عشقي وتعلّقي به، لكن الميل الجمالي جرفني لأفق آخر رحب بي ووفر لخيالي ارتكاب حماقاتي في الكتابة.
□ كنت من أوائل، بل من أبرز من انتصروا للقصيدة «الزاجلة أو العامية» وهو تصنيف أعتبره ظالما، لأن القصيدة واحدة لا فرق في لغة الخطاب، كيف ترى سنوات العطاء والحفر في صخرة الإبداع وطرز وجه الشعر على الماء بعد كل هذه السنوات؟
■ لم يكن الأمر سهلاً، الانخراط كان عفوياً والخلط بين الكتابة والنضال وفخ الجماهيرية وتصفيق القاعات في مدرجات الكليات واليقظة المتأخرة من مخدر القاعات، سعت مجموعة من الشعراء إلى الانعتاق من الأيديولوجية، بما فيها تقديس الفصحى، وقد عملت على أن أكون ضمن شعراء ونقاد للدفاع ـ بالإبداع والكتابات النقدية – للاعتراف بأن ما نكتبه شعر، وقد توج ذلك بأطروحة الدكتور الشاعر ورئيس بيت الشعر في المغرب مراد القادري.
□ بعد هذا التراكم الكمي والنوعي في كتاباتك وإصداراتك، هل تستطيع القول إنك حققت ولو جزءا يسيرا من أحلام المبدع داخلك؟
■ إنسانيا أعترف وأفخر بما حققت، لكني أرى في إضافاتي وسعيي لأكتب هو سعي لأن أحيا.
□ كثيرون يقولون إن المشهد الثقافي في المغرب ليس بخير، وبعضهم يؤكد أنه تعلق بالوجود في أتم عافيته وتألقه، أين أنت كواحد من أيقونات الشعر في المغرب، من هذه المواقف المتضاربة؟
■ في كل الأقطار صراعات ونرجسيات واختلافات، لكن عندنا «الحسيفة» (الحقد والضغينة) وليس الصراع الفكري وتنافس المشاريع.
□ بصراحة، هل نستطيع القول إننا سنترك للأجيال القادمة ما ستذكرنا به، نحن الجيل المخضرم الذي كانت بداياته في قرن وها هو اليوم يمشي في قرن مختلف تماما؟
■ ظروف أخرى قد لا نكون فيها حاضرين، سنكون رحمنا الله، لا علينا أن نتوهم أننا خالدون… لن نكون غير عابرين.
□ أحس دائما بالألم عندما أتحدث عن الكتاب بخوف من انقراضه، لكن الحقيقة أننا على مشارف ذلك، فهل سيصبح الورق والطباعة مجرد لحظة من ذاكرة تاريخية يسترجعها جيل العوالم الرقمية بكثير من الحنين، وماذا عنا نحن، جيل الورقي إن صح التعبير، أين مكاننا في هذه الأرض الرقمية الجديدة؟
■ ألمك حقيقي وواع، أنت من جيل الورقي إبداعاً وصحافةً تنتبه لزحف «النت» لكنه في أمة لا تقرأ، بينما في دول يحتلها «النت» تقرأ. قد تمنحه كتاباً ولا يقرأه، لا أعمم لكني أتابع.
لابأس ادا سمحتم أضع بعض الحروف تحت ظل هد ا الحوار الفني الشاعري التقافي شكرا لكم ولا أنسى الشاعر المحترم كدالك نحن دائما نقول بأن الشعر عقلية متفتحة غبر متحجرة متواضع بل على درجة عالية من التواضع أنحنى فتعلم كثير من اللغات واللهجات فمن بين هده الأخيرة الدارجة المغربية وبها كتب الكثير من الشعراء المغاربة وغالبية الأشعاركانت عن الحب عن لاخلاق العالية عن الطبيعة عن الشمعة وبالمناسبة أدكر الطيب العلج فقد كان شاعرا وممثلا كدالك وغيره نعم الزجل له بدوره قواعده تختلف عن الشعر بما لهده الكلمة من معنى فاتحية لكل شاعر يكتب بهده اللهجة المغربية وبلغة الحب والجمال