عمّان: في بيت بإحدى ضواحي جنوب العاصمة الأردنية عمان، جلس زيد الفقيه (28 عاما) على أريكة يتحدث مع والديه، ليخبرهما قراره بتأجيل مشروع زواجه للعام المقبل.
وزيد، الذي نشأ في أسرة متوسطة الحال، يعمل مساعد مصور في شركة صغيرة رغم حصوله على درجة البكالوريس في التسويق من جامعة الزيتونة، لكنه لا يستطيع المغامرة وتحمل تكاليف أكبر لمهر العروس.
يقول زيد: “مثلي كمثل باقي الشباب الأردني، بدأت أفكر جديا بالزواج وتكوين أسرة منذ نحو عامين، وأصبحت أدخر مبلغا لتوفير متطلبات مشروع الزوجية”.
ولكن حلم زيد هذا يواجه عائقا كبيرا اليوم، لا يستطيع تجاوزه، لا يتعلق بتوفير السكن أو حتى تجهيزه بالأثاث، وليس له علاقة بتكاليف حجز القاعة لإقامة حفل الزفاف، وإنما هو ارتفاع أسعار الذهب بشكل غير مسبوق.
ففي الأردن، كما في العديد من البلدان العربية، يشكل الذهب جزءا أساسيا من تقاليد الزواج، وهو يمثل المهر والهدايا الأساسية للعروس، ولكن مع ارتفاع أسعاره لمستويات قياسية، أصبح شراؤه حلما بعيد المنال بالنسبة لكثير من الشبان.
ويبيّن زيد أن توفير مهر الفتاة التي يريد الارتباط بها والذي يبدأ من خمسة آلاف دينار (سبعة آلاف دولار) كحد أدنى، لم يعد كافيا لأن العروس تقسمه ما بين شراء ملابس جديدة وحجز صالون لتصفيف الشعر والزينة وفستان الزفاف، إلى جانب أن جزءا كبيرا منه يذهب لشراء الحلي الذهبية.
وبعد تسجيل الذهب في الأسواق العالمية رقما قياسيا تجاوز 2700 دولار للأونصة هذا الشهر، انعكس ذلك على الأسعار المحلية بالأردن.
وسجل سعر غرام الذهب عيار 24 في الأردن اليوم الخميس: 63.7 دينار، والغرام عيار 21 نحو 55.6 دينار، والغرام عيار 18 بلغ 49 دينارا.
لذلك يقول زيد إن الأمر أصبح شبه مستحيل رغم نية والده مساعدته في تأمين مسكن له ولزوجته، كما أنه سيقوم بتأثيث المنزل من محل يقدم خدمة التقسيط الشهري، إلى جانب أن صديقه في العمل بمجال التصوير سيساعده في الحصول على خصم كبير من إحدى قاعات الاحتفالات لإقامة حفل الزفاف.
اتفقت وفاء الردايدة (34 عاما) مع خطيبها خالد على تأجيل عقد القران لحين تراجع أسعار الذهب قليلا حتى تستطيع أن تشتري كمية أكبر من الحلي لتتزين بها أمام الأهل والأقارب بحفل الزفاف.
وتبين وفاء، وهي مهندسة مدنية، أن مهرها البالغ ستة الآف دينار كان من المفترض أن تشتري بألفي دينار منه مصوغات ذهبية، لكن هذا المبلغ لن يكفي لشراء قطعتين في الوقت الراهن.
وتقول إن سعر غرام الذهب عيار 21 وصل إلى “مستوى جنوني لم نشهده طول حياتنا”.
وتضيف: “الشاب الأردني أو الشاب العربي بشكل عام مسكين جدا، وللأسف إذا أراد الزواج فهو محكوم بتقاليد اجتماعية عمرها مئات السنين”.
من جانبه، يقول ربحي علان نقيب تجار الحلي والمجوهرات، إن الطلب على المصوغات الذهبية خلال هذا العام أقل بنحو 50 بالمئة من الأعوام 2023 و2022.
ويُرجع السبب في تراجع الطلب إلى ارتفاع الأسعار، إضافة للأوضاع السياسية السائدة التي انعكست على المنطقة والعالم.
ويقول: “أسعار المعدن النفيس ارتفعت بنسبة 40 بالمئة منذ السابع من أكتوبر 2023 (عندما اندلعت حرب غزة) لليوم، ولم يكن أحد يتكهن بارتفاع الذهب إلى هذا الحد وهو مرشح لمزيد من الارتفاعات”.
ويوضح علان أن المهور بالأردن بقيت كما هي، ولكن وزن الذهب هو الذي قل، إذ أنه في السابق “كانت العروس تشتري من مهرها ما بين 120 و130 غراما من الذهب، لكن اليوم للأسف بنفس المبلغ تشتري فقط 70 غراما”.
لذلك برأي علان، أصبح العروسان يتفقان إما على تقليل كمية الحلي الذهبية أو الاحتفاظ بالمبلغ وانتظار نزول الأسعار لإتمام الشراء فيما بعد.
وأكد مأمون المناصير، نقيب أصحاب صالات الأفراح في الأردن، عزوف الشباب الأردني عن الزواج بسبب الحالة المادية.
وقال: “منذ الصيف وحتى الآن، تراجعت حجوزات القاعات للأفراح بنحو 50 إلى 60 بالمئة مقارنة بالمواسم التي كانت قبل كورونا”.
وقال إن “ضعف الرواتب وغلاء أسعار الذهب، والبطالة المرتفعة وبحث الشباب عن الهجرة كلها أسباب لضعف الإقبال على الزواج”.
ورأى أن معدل الرواتب المنخفضة للشباب بالأردن والتي تتراوح بين 300 و400 دينار “تجبر الشبان على عدم التورط بمسؤوليات لا يستطيعون تحملها”.
من جانبه، قال الشيخ عبد الحافظ الربطه، قاضي القضاة في الأردن، إن هناك انخفاضا في حالات الزواج بالأردن في 2023 بنسبة سبعة بالمئة وهو انخفاض للسنة الثانية على التوالي.
وأوضح الربطه أن عقود الزواج بلغت العام الماضي 59772 عقدا، مقارنة مع 63972 عام 2022.
وقال إن مؤسسة قاضي القضاة التي توفر إحصاءات سنوية عن معدلات الزواج بالأردن، لا تستطيع توضيح الأسباب أو شرح العوامل التي أدت لذلك الانخفاض.
(رويترز)