لم يكن للأردن أن تبقى طويلا من غير مقاربة مع الحكم في دمشق، لتأتي زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي، وكانت الزيارة إيجابية إلى حد بعيد، خاصة أن الصفدي كان يتحدث بصيغة تظهر أن الأردن يحمل رسالة عربية، لا تقتصر على رؤيته الخاصة، وفحواها التوافق على دعم سوريا دون أي تدخل خارجي، وداخلها الرسالة الأردنية الخاصة، التي تحرص على الحيلولة دون وقوع سوريا في الفوضى، التي يمكن أن تتمدد لتصبح تهديدا لدول الجوار في حال حدوثها.
اللقاء كان دبلوماسيا، يجمع بين الوزير الأردني صاحب الخبرة الواسعة واللغة الذكية والواثقة، مع الجولاني الذي يظهر أنه دبلوماسي بالفطرة، بلغته الانتقائية والحريصة على تجنب الأزمات في مرحلة حساسة، ولكنه في المقابل، كان بعيدا عن اللقاء الذي يمكن أن ينتج آثارا سياسية يمكن التعويل عليها، فالأردن يمتلك حساباته التي تحتمها طبيعة علاقاته مع سوريا، المرتكنة أساسا إلى الجوار الجغرافي والتداخل المجتمعي، ويبدو أن الأردن ينتظر مواقف أكثر وضوحا من مجموعة من حلفائه، الذين يتحدث معهم بكثير من الانفتاح وعلى أرضية متباينة من الشراكة الاستراتيجية، وتحديدا السعودية والإمارات ومصر، والأخيرة تبدو الأكثر تحفظا حول ما يجري في سوريا، خاصة مع الحملات الإعلامية الواسعة التي تشنها مدينة الإعلام المصرية تجاه الحكم الجديد في سوريا.
الأردن لا يخفي قلقه من تفاعلات الأحداث في سوريا، ويبدو أنه وضع تصورات أساسية يجب على الحكم الجديد في دمشق أن يقدمها في الجنوب، الذي لا تسلط عليه الأضواء
الأردن لا يخفي قلقه من تفاعلات الأحداث في سوريا، ويبدو أنه وضع تصورات أساسية يجب على الحكم الجديد في دمشق أن يقدمها في الجنوب، الذي لا تسلط عليه الأضواء كما حدث في الطريق الذهبي، الذي اندفع فيه الثوار من إدلب إلى دمشق مرورا بحلب وحماة وحمص، مع أن مشاركة الجيوب الثورية من الجنوب لعبت دورا حاسما في السيطرة على العاصمة، وأتت قائمة المسموح لهم بدخول سوريا لتنحصر على بعض الفئات التي اشتمل عليها بيان من وزارة الداخلية الأردنية، بما يبدي حرصا على عدم دخول أعداد كبيرة من الأردنيين، تجنبا لأي مخاطر أمنية يمكن أن تحدث في حالة تصاعد التوتر والوصول إلى حالات من الاقتتال الأهلي. ما يدركه الأردن ربما بصورة مغايرة عن كثير من الدول العربية أنه لا يمكن استعادة الماضي في سوريا، وأن أي مخاطر جديدة ستكون منتمية لواقع جديد، فاستعادة النظام السابق، أو إعادة إنتاجه أصبحت غير ممكنة عمليا، والسوريون كانوا يعلنون ذلك بوضوح مع حالة الانعتاق، التي عبرت عن نفسها في مظاهر سعادة غامرة خيمت على المدن الرئيسية في سوريا، واستقطبت الكثيرين ممن أعلنوا أن علاقتهم كانت قائمة على الخوف والمواراة، لا القناعة بالنظام وسياساته، وهذه الخطوة كانت عاملا حاسما في الخطوة الأردنية لتدشين أحد خطوط التواصل الرئيسية مع البلدان العربية، التي تترقب كثيرا مسارات الأحداث وتتمهل في اتخاذ خطوات جدية للتقارب مع «هيئة تحرير الشام» التي تعتبر سلطة الأمر الواقع في دمشق. الخطوة الأردنية، والإحالة إلى الدول العربية المتوافقة على دعم سوريا وعدم التدخل الخارجي، وضمن مفهوم التواصل الأردني تعني مصر والإمارات والسعودية، والأردن نتيجة مشاركته في الحرب على الإرهاب والواقع الحدودي، ووجود قطاع واسع من أزمة اللجوء السوري على أراضيه، يمكن أن يشكل بابا لتأسيس القناعات بخصوص النظام الجديد في دمشق، إلا أن ذلك، لا يمنع أن يقوم الأردن بأداء أدوار لتقريب، وجهات النظر بين السوريين والعراقيين، أو توظيف مكانته لدى الكثير من الأطراف العراقية التي كانت تعتبر عمان عصبا أساسيا للحياة في العراق خلال العقود الأخيرة، خاصة أن الإشارات التي رشحت عن لقاء رئيس المخابرات العراقي بقائد الهيئة، أحمد الشرع، وفي اختيار العراقيين لوفدهم رسائل مبطنة، لم يتوقف الجولاني عندها طويلا، ولكن الإعلاميين بحثوا في تفاصيل يمكن أن تستخرج التوتر المكبوت في صورة المسدس الذي علقه الجولاني في حزامه.
المهمة الأردنية يجب أن تترافق بخطوات فعلية يبقى السؤال بخصوصها منقسما إلى عالمين، الأول، ما الذي يريده السوريون، وما هي تصوراتهم للعمق العربي، وهل يشكل بديلا أو رديفا لدور تركي أخذ يتوسع مع الواقع الجديد في دمشق، والعالم الثاني، ما الذي يستطيع الحكم الجديد أن يحققه من قائمة المتطلبات الأردنية الطويلة والمرحلة منذ النظام القديم، ومنها تأمين الجنوب السوري واقتلاع تجارة المخدرات، والقضاء على وجود الميليشيات الخارجة عن القانون، واستئناف علاقات اقتصادية طبيعية كانت تشكل جزءا من خريطة الإنتاج والاستهلاك في الأردن.
يمكن للأردنيين أن يصبروا لفترة من الوقت مقابل ما يحصلون عليه من النوايا الحسنة، خاصة أنهم تعاملوا لسنوات مع المماطلة السورية السابقة، ولكن استثمارهم للعلاقات البينية مع الدول العربية يتطلب أن يكون على أرضية واضحة، وإذا كان الصفدي يصرح بأن الدول العربية متوافقة على دعم سوريا، فالتوقعات في المقابل، أن يكون السوريون متطلعين لدعم قائم على أرضية علاقات صحية في المستقبل، وهو الأمر الذي وإن كان يقوله الجولاني في معظم المناسبات، إلا أن أمامه ملفات كثيرة يجب معالجتها أولا، ولكن هل ستتخذ الدول العربية، التي تحدثت عن الدعم أدوارا أوسع يمكن أن تتطلبها المرحلة المقبلة، أم سيتواصل الانتظار إلى حين تمكن الهيئة من الوفاء بقائمة التزامات مبدئية، وهل يعتبر التأخر في الدعم والاشتباك الموضوعي مع الحاجات السورية الملحة، فرصة من أجل مزيد من التدخل التركي لتصبح سوريا حديقة خلفية للدولة التركية، أم أنه يمكن الوصول إلى علاقة متوازنة؟
السؤال الجوهري، هل يمكن للجولاني، الذي يظهر مع الوقت، أن فريقه يمكن أن يشكل عبئا على شخصيته البراغماتية والمرنة، أن يدير هذه اللعبة بالطريقة الصحيحة، أم يُستنزف تحت الإضاءة الساطعة للإعلام ونوبة الاهتمام التي يمكن أن تدير الرؤوس، سواء كانت من خارج سوريا أو داخلها، خاصة في بلد أخذت بالنشوة رجلا مثل جمال عبد الناصر لم يكن تنقصه الأضواء في بلاده، ولكنها دفعت هيكل في سوريا لأن يهمس في أذنيه ليتذكر أنه من البشر!
كاتب أردني
لغة المقال ايضا ديبلوماسية وهذا يدعم مسار العقلنة المستوجب مرحليا في العلاقات الاردنية السورية تحديدا.. المرحلة القادمة او المفترضة ستودي بالغاء قانون “قيصر” على الدولة السورية وعليه وجب الخطاب الديبلوماسي الاردني بالتعاطي مع المشهد السوري / قانون “قيصر” فوّت على الاقتصاد الاردني طيلة 12 عاما مئات الملايين، ناهيك عن جبهة ومجابهة الاردن لقضية تهريب المخدرات من الجانب السوري فيما مضى وما رافق ذلك من اعباء وكلفة أمنية واقتصادية ، الى جانب كلفة ما دفعه تجاه ملف اللاجئين السوريين على اراضيه مع الاشارة لضآلة ما دفعته الدول المانحة – ملف اللاجئين فاقم الاعباء الامنية للاردن- .. ننتظر الجميل القادم للدولة السورية بطبيعة الحال