دمشق ـ «القدس العربي»: انتهت المرحلة الأولى من الحملة العسكرية التي شنتها قوات الأمن العام ووزارة الدفاع على مراكز مدن اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس على الساحل السوري، بمقتل أكثر من 300 عنصر منهم، وسط أعمال انتقامية على خلفية طائفية، أسفرت عن قتل مدنيين، تضاربت الأرقام بشأن أعدادهم، مع حركة نزوح سيما مع انقطاع شبكة المياه والتيار الكهربائي، وإغلاق المحال التجارية وما يترتب على ذلك من نقص في المؤنة والمواد الأساسية.
وانتشرت أمس الأحد قوات الأمن العام في مراكز المدن الساحلية للحفاظ على الهدوء والاستقرار فيها، في حين انتقلت قوات وزارة الدفاع، حسب مصادر عسكرية لـ «القدس العربي» إلى تمشيط القرى والبلدات في الأرياف المحيطة على رأسها بانياس والقدموس في ريف طرطوس، ومتابعة الاتفاق مع وجهاء وأعيان مصياف في ريف حماة، وذلك خلال المرحلة الثانية، في خطوة أمنية لملاحقة قيادات وعناصر قوات الأسد التي تتوارى في جبال اللاذقية، بينما أعلنت مصادر رسمية عن العثور على مقبرة جماعية تضم عددا من قوات الأمن العام وعناصر الشرطة، في أحد الوديان قرب مدينة القرداحة.
توثيق الانتهاكات
مدير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» فضل عبد الغني قال في تصريح خاص لـ «القدس العربي» إنهم وثقوا ضمن إحصائية دقيقة مقتل 642 شخصا منذ تاريخ 6 آذار/مارس 2025 حتى يوم الأحد، يتوزعون على النحو التالي: أولا: عصابات خارج إطار الدولة (فلول نظام الأسد) قتلوا 315 منهم 167 شخصا من قوات الأمن العام، و148 من المدنيين.
في الطرف المقابل، قوات الأمن العام والقوات الرديفة معها (فصائل وأفراد مسلحون) قتلوا ما لا يقل عن 328 شخصا بين مدني ومسلح منزوع السلاح، مشيرا إلى أن الحصيلة لا تشمل من قتل من العصابات المسلحة أثناء الاشتباكات لأن هذا القتل لا يعتبر انتهاكات للقانون.
وأضاف: تكشّف لنا وجود كم كبير من المدنيين الذين قتلوا على يد عصابات قوات الأسد، عبر كمائن على خلفية طائفية حيث قتلت هذه العصابات نساء محجبات ونفذت عمليات قتل بحق مدنيين وعسكريين على خلفية طائفية، وهذا يعني أن عدد المدنيين الذي قتلوا قد ارتفع بشكل كبير جدا على يد عصابات الأسد.
وزاد: لقد أحصينا مقتل 148 مدنيا وهو رقم كبير، على يد عصابات الأسد، حيث وصلنا كم كبير من المعلومات التي تدل على ارتكاب عمليات قتل أغلبها نفذ ضد سيارات على الطرقات، وتصفية للموجودين بشكل كامل وعبر كمائن، وأيضا وقع عدد كبير من قوات الأمن والقوى المرادفة لهم في سلسلة كبيرة من الكمائن، وهو ما يفسر الحصيلة المرتفعة لعدد الضحايا من قوات الأمن والمدنيين.
وبالنسبة للضحايا المدنيين في الطرف الأخر، من غير المسلحين، وصلتنا معلومات عن انتهاكات لا تزال ترتكب، رغم أنها تراجعت بشكل ملحوظ خلال يومي السبت والأحد.
وأكد المتحدث عزل قسم كبير من العناصر غير المنضبطة من قوات وزارة الدفاع، وهو ما ساعد في تراجع الانتهاكات ولكنها ما زالت تحصل إلى الآن.
فيما تحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن قتل أكثر من 800 مدني من الطائفة العلوية.
وقال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ): «لقد وثقنا مقتل ما لا يقل عن 830 مدنيا من الطائفة العلوية، ولا تزال الجثث ملقاة في بعض المناطق».
وأضاف أن آلاف المنازل تعرضت للنهب والحرق في المنطقة منذ اندلاع أعمال العنف في وقت سابق من هذا الأسبوع.
واتهم قوات الأمن والمقاتلين المتحالفين معها بتنفيذ «مجازر طائفية».
وذكر أن المناطق الواقعة في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين تعرضت لقصف عنيف بالدبابات والطائرات المسيرة أمس الأحد. كما استهدفت القوات الحكومية المناطق الريفية في مدينة بانياس بقذائف المدفعية والطائرات المسيرة، مما أثار حالة من الذعر بين السكان.
المحامي ميشال شماس أدان «التحريض والتجييش الطائفي الذي ساهم في تأجيج الأمور» معتبر أنه «مرفوض رفضا قاطعا».
حركة نزوح… وانقطاع المياه والكهرباء… وإغلاق المحال التجارية
وقال: إن العصابات الخارجة عن القانون التي تحلم بإعادة نظام الإجرام الأسدي، قد ارتكبت حماقة كبيرة بهجومها على عناصر الأمن العام وقتل المئات منهم وهي جريمة مدانة بشدة، ولا مفر أمامهم من تسليم أسلحتهم، وعليها أن تقتنع أن نظام الأسد انتهى إلى غير رجعة.
وحول الانتهاكات التي ارتكبت بحق المدنيين قال: عمليات الإعدام الميداني والتمثيل بالجثث وارتكاب مجازر بحق المدنيين هي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، ويحب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في تلك الجرائم والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وإعلان النتائج على الملأ وإحالة المرتكبين الى محاكمة علنية وشفافة.
ووصلت الأحد أرتال وتعزيزات ضخمة إلى مدينة بانياس، بعدما شنت بقايا قوات الأسد هجوما استهدف إدارة المنشآت النفطية في اللاذقية وأنابيب الغاز في بانياس، وذلك ضمن المرحلة الثانية لملاحقة قيادات وعناصر الأسد.
كما تواصلت تعزيزات ضخمة إلى مدينة القدموس في ريف طرطوس، حيث اقتحمت قوات الأمن المدينة وسط مواجهات عنيفة حتى مساء الأحد، في محيط قرية تعنيتا التي تحتمي فيها قيادات وعناصر من قوات الأسد، وذلك بعد تمشيط القرى والبلدات على طريق بانياس طرطوس.
المتحدث باسم وزارة الدفاع العقيد حسن عبد الغني قال في تصريح رسمي: إن القوى العسكرية والأجهزة الأمنية بدأت تنفيذ المرحلة الثانية من العملية العسكرية التي تهدف إلى ملاحقة فلول وضباط النظام البائد في الأرياف والجبال.
وقال مصدر عسكري مطلع لـ «القدس العربي» إن المرحلة الأولى انتهت بالسيطرة على مراكز المدن المأهولة، لفصل السكان وحمايتهم من المجموعات المتمردة والخارجة عن القانون، حيث انتشرت قواتنا العسكرية الأحد في السلاسل الجبيلة، لملاحقة العصابات في منطقة الساحل، وسط مواجهات عنيفة متواصلة في ريفي طرطوس واللاذقية.
وحسب المصدر العسكري، فإن قوات الأمن العام فرصت حظرا أمنيا على مدينة بانياس، حيث يجري تفتيش المنطقة، وسط مواصلة المعارك في محيط المدينة حيث تنتشر قيادات وعناصر نظام الأسد، وسط حملة أمنية وعمليات تمشيط وتفتيش واسعة.
وفي حمص، قالت وزارة الداخلية إن قوّات الأمن العام، في منطقة كفر عبد في ريف حمص الشمالي، تمكنت من ضبط مستودع يحتوي على أسلحة وذخائر هاون بمختلف العيارات، فقامت بمصادرة الذخائر واتّخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة.
وفي اللاذقية، نفذت قوات الأمن العام ووازرة الدفاع حملة تمشيط واسعة، شملت معظم القرى على طريق جبلة والقرداحة في ريف اللاذقية، وذلك في أعقاب مواجهات عنيفة اندلعت بين قوات الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية، وبقايا قوات نظام الأسد في منطقة الشير في ريف اللاذقية.
مصدر أمني في اللاذقية قال لوكالة «سانا» إن قوات الأمن العام تمكنت الأحد، من إفشال هجوم لفلول النظام البائد على شركة سادكوب اللاذقية، بينما أرسلت إدارة الأمن العام تعزيزات إضافية إلى منطقة القدموس في ريف طرطوس، بهدف ضبط الأمن وتعزيز الاستقرار وإعادة الهدوء إلى المنطقة. يجري ذلك بينما سلّم وجهاء وأعيان بلدة مصياف في ريف حماة أسلحة وذخائر لقوات الأمن العام، وذلك تنفيذا للاتفاق الذي تم التوصل إليه السبت، في وادي العيون في منطقة مصياف في ريف حماة.
وقالت إدارة الأمن العام إنها تسلمت السلاح من الوجهاء، وتُرسل تعزيزات إضافية إلى المنطقة بهدف ضبط الأمن وإعادة الاستقرار.
وقال محافظ طرطوس أحمد الشامي في تصريح لـ «سانا» إن المحافظة «تشهد عودة تدريجية للحياة العامة بعد دحر فلول النظام البائد، ونطمئن أهلنا أننا سنسعى دوماً لحمايتهم وبسط الأمن في ربوع المحافظة، كما نؤكد أننا نعمل على إعادة عجلة الحياة الطبيعية وتوفير الخدمات الأساسية».
عودة الحياة إلى جبلة
نشرت وكالة الأنباء «سانا» صورا تظهر «عودة الأجواء الرمضانية وحركة الأسواق إلى طبيعتها في محافظة اللاذقية بعد تطهير جميع أحيائها من فلول النظام البائد».
كما نشرت صورا لحركة الأسواق و«الحياة الطبيعية إلى مدينة جبلة في بريف اللاذقية بعد تمشيطها من فلول النظام البائد وبسط الأمان في جميع أحيائها». كما أكدت على عودة بعض الخدمات منها «مشفى اللاذقية الوطني حيث يواصل تقديم الخدمات الطبية والإسعافية للمواطنين، بعد عودة الأمان إلى المدينة، ومنع اعتداءات فلول النظام».
كما رصدت عودة «الأفران في مدينة جبلة للعمل لتأمين احتياجات الأهالي من مادة الخبز بعد توقفها نتيجة هجمات فلول النظام».
تشييع 8 قتلى في حماة
وشيع المئات من أبناء حماة بعد ظهر الأحد 8 قتلى، قضوا خلال مواجهة فلول النظام البائد في الساحل، وذلك من جامع عمر بن الخطاب إلى مثواهم الأخير في مقبرتي الخضراء والصفا.
وحسب وكالة الانباء الرسمية «سانا» فقد «حيا المشاركون في التشييع أرواح الشهداء ، الذين ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل صون إنجازات الثورة المباركة، وإرساء دعائم أمن واستقرار الوطن».