السريانية كانت لغة للصلاة وللتعبير اليومي إلى جانب العربية العامية في بلاد الشام

وديع عواودة
حجم الخط
4

الناصرة ـ «القدس العربي»: أصدر مكرم مشرقي، وهو باحث متخصص في الخلفيات الحضارية والنصوص اليهودية، المسيحية والإسلامية، كتابا بعنوان «لغتك تظهرك… آثار السريانية في اللهجة الفلسطينية». ومشرقي حاصل على الدكتوراه في جامعة حيفا داخل أراضي 48 وموضوع أطروحتها «يسوع في الفكر الإسلامي المبكر»، وقد كتب أكثر من عشرين كتابا ونحو مئة مقالة بالعربية، العبرية، والإنكليزية في مواضيع دينية وتاريخية ولغوية متنوعة.
عن تسمية الكتاب يقول مكرم مشرقي ابن بلدة الرامة في الجليل إنه «رغم محاولاته المستميتة لإنكاره صلة بمعلمه، واجه الحاضرون بطرس قبل ألفي عام بكلمة اخترتها عنوانا لهذا الكتاب لغتك تظهرك». ويمضي في إشارة لاستلهام التسمية: «كان جليليا بامتياز، فكان من الطبيعي أن تكشف لغته (أو لهجته) عن موطنه الأصلي. عبر آخرون عن ذلك بكلمات أخرى: «حقا أنت منهم، لأنك جليلي أيضا ولغتك تشبه لغتهم»(إنجيل مرقس)» هكذا تظهر هذه المجموعة من الكلمات العامية الفلسطينية مدى تأثير اللغة السريانية التي سادت منطقتنا لمئات السنين». ويوضح أنه رغم أن بصمة السريانية ظاهرة على العاميتين السورية واللبنانية، لكن العامية الفلسطينية (خاصة الجليلية) لا تزال تحمل خواص السريانية حتى في نطق الكلمات، ومنها: قلب الميم إلى نون في ضمير المخاطبين وضمير الغائبين كقولنا «بيتكن، حاكورتهن» أو تسكين المتحرك في أول الكلمة: «ضعيف»، «بعيد»، أو تسكين آخر الكلمة مثل «أكلت»، «شربت»، أو تسكين أواخر الفعل الماضي في ضمير المتكلم والمخاطب: رحت، كتبت». ويقول الكاتب إنه اختار هنا ما يتم استخدامه بكثرة في العامية الفلسطينية، لتكون مادة شيقة للمشاركة بين الأجيال المختلفة، خاصة الأجيال الجديدة التي تنسى بعض الكلمات العادية بفعل دخول كلمات أجنبية بديلة.
ويتابع «تجنبت أحيانا تكرار الكلمة فوضعت إما الاسم أو الفعل لكن في بند «اشتقاقات الكلمة واستخداماتها»، أوردت الكلمات المشابهة والتعابير العامية الدارجة للفائدة، أضفت أيضا مئات الأقوال والأمثال ذات الصلة بالكلمات، وصغتها باللهجة العامية لتسهيل تفاعل القراء باختلاف أعمارهم وثقافاتهم معها. من ناحية أخرى أضفت علامة التعجب في نهاية المثل إن كان مستهجنا. في الغالب استخدمت لهجة الجليل الأعلى، وواضح أن الكلمات العامية تختلف في أنحاء بلادنا في صورتها وكذلك طريقة لفظها وحركاتها. قد يتنبه القارئ إلى أن هناك أحيانا كلمات عربية فصحى أو عبرية مشابهة أو موازية لكن طريقة اللفظ العامية الفلسطينية، ترجح أكثر التأثير السرياني».

السطل والقسطل
كما يقول مشرقي إن ذلك يظهر أيضا في كلمات ذات أصول أخرى كالسطل والقسطل وغيرهما، ثم دخلت السريانية ومن خلالها وصلت إلى العربية». ويوضح الكاتب أن حرف «جومكل (الجيم) بـ السرياني، يقابل جيمل (الجيم) بالعبرية ويلفظ كما الجيم المصرية المعطشة. ويقول إن هذه الدراسة البسيطة هدفها إنعاش ذاكرة العامة باللغة السريانية وتأثيرها على كلماتنا، ولذلك اكتفى بالنقحرة، أي بنقل حروف اللفظة السريانية حرفيا بالعربية. هكذا تكون كل الدراسة بالعربية لفائدة القارئ العادي، لافتا إلى أن معظم شهور السنة باللفظ المحلي (كانون، شباط…) مأخوذة من اللغة الأكادية، لكنها اقتبست في السريانية (كنونا، شبط) التي كانت كما يظهر واسطة دخولها إلى العربية ويضيف: «على كل حال، لم أورد شهور السنة في الكتاب الحالي. أخيرا لا بد من إيضاح، أن هذه المجموعة من الكلمات هي مجرد جمع بتصرف لما قدمه الأساتذة الأفاضل إيليا عيسى، أنيس فريحة، يوسف حبيقة وغيرهم. لقد أثرى كل منهم المكتبة العربية بكتب ومقالات أكاديمية، بسطتها- في ضعفي لتناسب الكثيرين ممن ليست لهم الطاقة للدراسات الأكاديمية بما تحويه من لغات أخرى وتعابير علمية عميقة».

الكلمة بالعامية واللفظة بالسريانية
والكتاب عبارة عن سجل غني من الكلمات بالعامية الفلسطينية وباللفظة السريانية الأصلية ومعها ترد المعاني المحتملة، واشتقاقات الكلمة واستخداماتها، وإلى جانبها أقوال وأمثال ذات صلة، وكل ذلك وفق مفتاح الحروف طبقا للأبجدية. في خانة حرف الـ»أ» ترد كلمات كثيرة منها: «أبهات» ولفظها السرياني الأصلي «أباهاتا» والمعنى (آب) ومن الأمثال ذات الصلة: «يا ما أحلى البنات بوجود الأبهات». و»أبونا» وبالسريانية «أبون» وتعني «أبانا» ومن اشتقاقاتها «أبونا الخوري» ومن الأمثال المرتبطة بها: «الدار دار ألونا، وأجو الغرب يطحونا». و»أتاون» وبالسريانية «أتونا» ومعناها أتون، مدخلة، ومن الأقوال والأمثال ذات الصلة: «ومن لا يخر ويسجد فإنه يلقى في وسط أتون نار متقدة (نبوءة دانيال). وأزعر، وبالسريانية «زعورا» وتعني «صغير» وأزعر ومن الأمثال «قصر الذيل يا أزعر». و»إسا» (لهجة أهل الجليل وتقال هسا بلهجة أهل منطقة المثلث) وبالسريانية «هشا»، وتعني الآن ومن اشتقاقاتها «هسا»، أسا وقته؟ ومن الأمثال «هسا بعمرها إبليس». و»ايمتا» وبالسريانية «إيمات» وتعني متى ومن الأقوال ذات الصلة: «الكبير إيمتا ما كبر برعوه جحاش»!

زارتنا البركة
في حرف «الباء» يقال بالعامية بارك وباللفظ السرياني «برخ»، سبخ ومن اشتقاقاتها «بركة من الله» أو «زارتنا البركة» ومن الأمثال فيها :»كثير الحركة قليل البركة، أو الله بارك بالبياع والمشتري، أو «في الحركة بركة». أو بحش وبالأصل السرياني «بحش» وتعني حفر أو نقب وفي الأمثال يقال «يبحش قبره بسنه». أو بردعة وبالأصل السرياني «بردعتا» ومن الأمثال فيها: «ما قدرش ع البغل ركب ع البردعة»، أو «اللي بضيع الجمل، ما بدور على البردعة». وبرق وبالسريانية برق (مع تسكين الباء) وتعني لمع أو أضاء، ومن الأمثال فيها: «إن أبرقت ع الصليب ما بتغيب، إن برقت غرقت»، أو بصل وأصلها السرياني «بصلا» ومن الأمثال فيها: بايعها بقشرة بصل، بصلتو محروقة، قبل ما توصلها كل بصلها، يوم عسل ويوم بصل». أو بطحة وباللفظ السرياني «باطيتا» وتعني وعاء الخمر ومن الأمثال: «اللي ع راسو بطحة بحسس عليها».

غندرة مشي العرايس غندرة
وفي حرف التاء يقال «تغندر» وباللفظ السرياني «إتجندر»، أي تمايل في مشيته، مشى متباهيا، ومن الأمثال ذات الصلة: «غندرة مشي العرايس غندرة». و «توتة» وبالسريانية «توتا» وتعني شجرة التوت والثمرة وفي الأمثال يقال :»أيار توت ومشمش وخيار وقمح جديد، اللي ما برضى بشرابو». وفي حرف الجيم جدل وبالسريانية جدل (مع كسر الدال) أي ضفر وفي الأمثال :»البنت تبنتت وأرخت جدايلها والفار في الزيت ما بعمل عمايلها». و»جرة» وبالسريانية «جرتا» وتعني جرة الماء طبعا، وفي الأمثال يقال: «شربة من برة ، بتوفر اللي في الجرة، «كل ما دق الكوز بالجرة، مش كل مرة بتسلم الجرة». و جنز وبالسريانية جنز (تسكين الجيم) وتعني صلى قبل الدفن وفي الأمثال :»بقتل القتيل وبمشي بجنازتو، والجنازة حامية والميت كلب». وفي حرف الحاء حارة وبالسريانية «حرتا (كسر الحاء) وفي الأمثال: «حارتنا ضيقة بنعرف بعضنا». أو حبر وبالسريانية «حبرا» وتعني «المداد» وفي الأمثال يقال :»ما أكذب من الحبر إلا الورق». وحبل بالسريانية «حبلا» وتعني الحمل وفي الأمثال يقال: «حبل الكذب قصير أو لولا الغيرة ما حبلت الأميرة. كما يقال في الحاء حردون وبالسريانية «حردانا» وتعني ضب، حرذون وفي الأمثال :»سألوا الحرذون إيش شغلتك قال :زيات، قالوا: زيتك مبين عليك، حراذين بتحارب سلاطين؟
وفي الدال يقال دكة وباللفظة السريانية «تقتا» وتعني تكة، حزام يربط به السروال وفي الأمثال يقال: «البرطيل حل دكة القاضي». في حرف الراء يقال بالعامية رش وبالسريانية رس وفي الأمثال يقال «لو عبالها مطر رشرشت»، «بيرش ع الموت سكر». في حرف الزين يقال بالعامية زامور وبالسريانية زامورا وتعني قصبة للنفخ، مزمار، وفي الأقوال يقال «لا تقول للمغني غني ولا للمزمر زمر» و»الزمار بعرف دار الطبال». في السين يقال ست بالعامية وهي بالآرامية «سبتا» وتعني جدة وفي الأمثال يقال: «ستي بطبرية وقلبها علي»، ويقال سراج وهي بالسريانية شراجا وتعمي المصباح وفي الأمثال يقال «بيدور عليه بسراج وفتيلة». في الشين يقال شط وبالسريانية شطا وتعني شاطئ وفي الأقوال «بوخدك ع الشط وبرجعك عطشان»، وشرش وبالسريانية شرشا وتعني أصل أو جذر وفي الأمثال يقال «شرش الإم جرار»، «ع الشروش بتنبت الأشجار» و»شرش الإم بلم وشرش الأب بخم». في حرف الفاء يقال بالعامية فتح وبالسريانية فقح، وتعني أفاد أو علم آداب، وفي الأمثال يقال «الأعور بين العميان مفتح»، «فتح عين وغمض عين» و»قلبو مفتح».
وفي الكتاب عدة ملاحق منها ملحق خاص بتأثير السريانية على المفردات الزراعية (مع كلمات رديفة بالعبرية والإنكليزية) مع أمثلة: موقدة بالعامية هي موقدا بالسريانية، أو فرن وهي فورنا، أتون وهي أتونا، تنور وهي تنورا وقنديل وهي في الأصل قنديلا إلخ. وهناك ملحق خاص بآثار السريانية في الأسماء، أسماء عائلات ومواقع في فلسطين كالأزعر، أبوعقصة، أبوركن، بدرة، بعيرة، بهلول، جبرا، جرجورة، جعار، جهجاه، حاج، حبش، حردان، حنحن، خوري، دبور، رشرش، روحانا، زرقا إلخ.
في أسماء المواقع يرد ضمن الملحق: أريحا، أسكاكا، إكتابا، برقة، بريكا، بلعا، بزاريا، برقين، بقعاتا، بقيعة، بلاطة، بيتا، بيت إجزا، بيت جالات، بيت حنينا، بيت صفافا، بيت عوا إلخ. وهناك أيضا ملحق للكلمات الكنسية ذات الأصول السريانية: مار وتعني سيد، لقب القديسين، أقنوم وتعني كيان أو شخص، إشبين وتعني كفيل الطفل في العماد وعراب وتعني كفيل الطفل في العماد، اصحاح وتعني فصل من الكتاب المقدس، هيكل، وتعني معبد وقربان وتعني تقدمة، ذبيحة إلخ.

بين السريانية والآرامية
ويوضح مكرم مشرقي لـ»القدس العربي»، أن الآرامية لغة سامية من الفرع الشمالي، نشأت في الألف الثاني قبل الميلاد مع قيام الحضارة الآرامية في وسط سوريا، تعود بدايات كتابتها للقرن العاشر قبل الميلاد وقد أصبحت لغة التخاطب الرئيسية (لينجوا فرانكا) في الهلال الخصيب وما حوله من القرن السادس قبل الميلاد، تعلمها واستخدمها اليهود خلال السبي البابلي وبعده، فكتبت بالآرامية الدولية أجزاء من سفري عزرا ودانيال في العهد القديم. ويقول إن وجودها وانتشارها استمرا إلى ما بعد الميلاد فكانت لغة السيد المسيح ورسله، ونلاحظ في العهد الجديد كلمات آرامية مثل: جباثا، طليثا قومي، إفثا وغيرها. ويضيف: «تطورت الآرامية تدريجيا واكتسبت اسمها الجديد «السريانية» في القرون المسيحية الأولى، خاصة بعد انتشار المسيحية وترجمة الفشيطتا (البسيطة) للكتاب المقدس. استمرت سائدة بين معظم شعوب الشرق حتى أواخر القرن السابع للميلاد إذ أخذت اللغة العربية تحل محل السريانية تدريجيا، إلا أنها استمرت كلغة للتفاهم والتعبير اليومي في بلاد الشام، متجاورة مع اللغة العربية العامية في اللهجات السائدة في بلاد الشام. لهجاتها ما زالت قيد التداول حتى اليوم في بعض المناطق كتركيا، العراق وسوريا، وهي لغة الصلاة في الكنائس المارونية والسريانية. تسرب الكثير من مفردات وقواعد اللغة الآرامية/السريانية إلى اللغة العربية المحكية. بصمتها الأعمق هي على العاميتين السورية واللبنانية، لكن العامية الفلسطينية (خاصةً الجليلية) لا تزال تَحمل أيضا خواص السريانية حتى في نُطق الكلمات».

كاتب‭ ‬فلسطيني‭ ‬

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أبو تاج الحكمة الأول:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    لله درك يا “وديع عواودةْ”
    أتحفتنا من طيبات الفائدةْ
    شكرا جزيلا على هذا المقال الفريد ولمؤلف الكتاب مكرم مشرفي فقد أنصف اللغة السريانية والتي هي جيل من الآرامية المنتشرة منذ القرن العاشر قبل الميلاد في الهلال الخصيب فاحتضنت الآرامية الدولية أجزاء من العهد القديم وكانت لاحقا لغة السيد المسيح عليه السلام ورسله واللغة السريانية هي لغة الملائكة والجن حاليا كما أنها لغة الحساب يوم القيامه واللغة في سؤال القبر بالنسبة للمسلمين والمعنى الأعم أنها اللغه لما وراء الطبيعة.
    [email protected]

  2. يقول الدكتور جمال البدري:

    موضوع جدير بالقراءة؛ شكرًا أخي وديع؛ وللكاتب السّيد مكرم مشرقيّ كتاب آخر بعنوان:(( يسوع في الفكر اليهوديّ ))
    فكيف الحصول عليهما : (( يسوع في الفكر الإسلاميّ ويسوع في الفكر اليهوديّ ))؟ وهما كتابان ضمن اختصاصي.

    1. يقول مكرم مشرقي:

      أشكرك، د. جمال، كتاب يسوع في الفكر الاسلامي صدر بالعبرية وأنتظر من يترجمه للعربية. يسوع في الفكر اليهودي سيصدر قريبًا. يمكن أن نتواصل ّإذا رغبت، مع تقديري، مكرم

  3. يقول فصل الخطاب:

    اللهم انصر فلسطين ياااااارب العزة و أحرار غزة ✌️🇵🇸😎☝️🔥🐒🚀

اشترك في قائمتنا البريدية