السعودية تُرتّب أوراقها بعد “سنة صعبة” فاقمتها خسارة ترامب

رلى موفق
حجم الخط
0

طَـوَتْ الرياض في العام 2020 ملف جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي بصدور أحكام قضائية بحق المتهمين، لكن هذه الجريمة لا تزال سيفاً مسلطاً على ولي العهد.

ليست المملكة العربية السعودية استثناءً. فتداعيات فيروس كورونا انعكست على حركتها الاقتصادية كما على أسعار النفط التي تتأثر بها كدولة مُنتجة. انخفاض سعر برميل النفط الذي وصل في نيسان/أبريل الماضي إلى دون الـ25 دولاراً ساهم بقوّة في انخفاض حجم العائدات المالية، وإلى ارتفاع عجز الموازنة العامة المفتوح على اتّساع رقعته لتصل تقديرات وصول الدين العام للسعودية في 2021 إلى 33 في المئة من الناتج المحلي، رغم الإجراءات الجدّية والقوية التي تُـتّخذُ لضبط المالية العامة. ويطرح الانكماش المالي بتأثيراته تساؤلات عن مستقبل رؤية 2030 التي يُعوّل عليها ولي العهد محمد بن سلمان لتحقيق اقتصاد مزدهر يقوم على تَنوُّع مصادر الدخل المتحررة من الاتكاء على النفط، وإلى احتلال مكانة متقدمة أكثر في اقتصاديات العالم.

حتى إن قمة العشرين، التي استضافتها دولة عربية للمرة الأولى، حالَ تفشي الوباء دون انعقادها واقعاً على أرض المملكة لتتحوّل افتراضية بحضور قادة الدول الغنية في العالم، ولتُخيّم على أعمالها كيفية مواجهة جائحة كورونا وتأمين اللقاحات للدول النامية، وكيفية التعامل مع الاحتمالات الكبرى لتلك الدول النامية من التخلف عن سداد ديونها، في وقت وصلت الأرقام التي ضخّتها دول مجموعة العشرين لحماية الاقتصاد العالمي من تبعات الفيروس إلى 11 تريليون دولار.

وإلى الصعاب الاقتصادية، شكّلت سنة الانتخابات الأمريكية مزيداً من الضغوطات على المملكة من بوابة اليمن، في ظل احتدام الصراع الأمريكي – الإيراني، بحيث صَعَّد الحوثيون من استهداف المنشآت النفطية بالصواريخ الباليستية والمسيّرات المفخخة، وضرب الأحياء المدنية. ولم تشهد الحرب في اليمن استراحة فعلية على الرغم من الدعوات الأممية لوقف القتال بعد ظهور الوباء، فتواصلت المعارك على غير جبهة بين الحوثيين والشرعية المدعومة من التحالف العربي. وبقي مُعلّقاً “اتفاق الرياض” الذي وُقّع في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 بين الشرعية و”المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم من الإمارات بعد إقدام قوات الانتقالي في آب/أغسطس على السيطرة على “قصر معاشيق” الرئاسي في عدن العاصمة المؤقتة للشرعية اليمنية. ولم يشهد بداية تنفيذ فعليّة إلا في الأسابيع الماضية، بعدما بدأ كل من الأطراف في المنطقة ترتيب أوراقه على ضوء التطورات الأمريكية.

فقد تركت نتائج الانتخابات الأمريكية انعكاساتها على الحلفاء العرب الذين تماهوا مع سياسة دونالد ترامب في ولايته الأولى، وبُني الكثير من الحسابات على توقّع فوزه في ولاية ثانية. أربكتْ خسارةُ الرجل الرياض وغيرها من الحلفاء. لا وَهْـمَ بأن العلاقات الاستراتيجية بين السعودية وأمريكا ثابتة وقوية بمعزل عن هوية الرئيس، سواء أكان جمهورياً أم ديموقراطياً، لكنّ انخراطَ الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تسوية مع إيران حول اتفاقها النووي بمعزل عن السعودية ودول الخليج الأخرى، ورَفْع العقوبات الدولية عن طهران، ساهما في تمدّد النفوذ الإيراني بشكل أوسع، فكان أن أفضى انسحاب ترامب من الاتفاق النووي واستخدام سياسة الضغوط القصوى بالعقوبات على إيران إلى إعادة خلط الأوراق من جديد. وأَرخَتْ العلاقة القوية بين الرئيس الأمريكي وبن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد بظلالها على المشهد في الإقليم.

كان ترامب يضغط في اتجاه أن تقود المملكة عملية التطبيع الخليجي مع إسرائيل. تولّت أبوظبي المهمة ولحقتها البحرين، وكرّت السبحة مع دول عربية أخرى من السودان إلى المغرب. لكن الرياض دفعت في اتجاه تفعيل خطة مبادرة السلام العربية التي أقرّتها قمة بيروت عام 2002، والتي نصّت على دولة فلسطينية بحدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل السلام وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.

في رأي متابعين أن الرياض، بما تمثّله من موقع سياسي في العالم العربي والإسلامي، ومن موقع ديني ووجود الحرمين الشريفين على أرضها لا يمكنها أن تُقدمَ على خطوة ناقصة بالتطبيع مع إسرائيل ومنحها صك براءة على حساب القضية الفلسطينية، ومن دون أن تبدي إسرائيل نيّة حقيقية عبر الالتزام بشروط السلام والقرارات الدولية. ويرى متابعون أن الرياض لا تحتاج إلى اتفاقات تطبيع عسكرية مع إسرائيل في وجه إيران، فالسعودية لديها قدرات عسكرية، ولديها معاهدات واتفاقات عسكرية مع واشنطن، لا يمكن أن يُضيفَ عليها الاتفاق مع تل أبيب شيئاً.

قد يكون حصل لقاء بين وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي في مدينة نيوم السعودية، إنما هذا اللقاء المُفترض، لم يحصل من أجل الدفع قدماً في اتجاه تطبيع سعودي مع إسرائيل، بل أتى في سياق “ترتيب الأوراق” بعد خسارة ترامب، وإمكان خلق وقائع من شأنها أن تُعقّد التسوية مع إيران أمام بايدن. ورغم أن أياماً عشرين تفصل الرئيس الأمريكي المنتخب عن تسلّم مقاليد الحكم، غير أن العالم يلتقط أنفاسه في هذه الفترة المتبقية من ولاية ترامب خوفاً من تؤدي أي شرارة في المنطقة إلى حرب.

ثمة ترتيب أوراق عسكرية – أمنية وأخرى سياسية تقوم به المملكة، منها اليمن، ولا سيما حيال تعزيز موقف الجبهة اليمنية الشرعية في مقابل الحوثي، ومنها تعزيز العلاقات مع العراق التي شهدت خطوة متقدمة مع فتح معبر عرعر الحدودي بين البلدين أمام التجارة للمرة الأولى منذ غزو صدام حسين للكويت عام 1990.

ومن الأوراق التي يتمّ ترتيبها، على وقع التحوّلات في المنطقة، ورقة إنهاء الأزمة الخليجية التي تُنهي الحصار المفروض على قطر براً وجواً وبحراً من قبل دول الخليج الثلاث السعودية والإمارات والبحرين. وهي أزمة يُفترض أن تُسجّل القمة الخليجية في الخامس من كانون الثاني/يناير المقبل نهايتها، وتفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الرياض والدوحة يمكن من خلالها رسم الخطوط في العلاقة المتوترة على خلفية اتهامات دعم الإرهاب ومشروع الإسلام السياسي والعلاقة مع إيران.

 طَـوَتْ الرياض في العام 2020 ملف جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي بصدور أحكام قضائية بحق المتهمين وتنازل عائلة الضحية عن الحق الخاص، لكن هذه الجريمة لا تزال سيفاً مسلطاً على ولي العهد، خصوصاً أن الرئيس الأمريكي المنتخب لوَّح خلال حملته الانتخابية بأنه سيُعيد هذه القضية إلى الواجهة، وسيضغط في ملف حقوق الإنسان!.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية