السلاح المهرب من سورية والموجود خارج المخيمات اكثر خطورة علي استقرار المنطقة
تل ابيب وبيروت وحزب الله يرغبون أن لا يوجه الفلسطينيون في لبنان سلاحهم نحو اسرائيل.. وللأسد خطط مغايرةالسلاح المهرب من سورية والموجود خارج المخيمات اكثر خطورة علي استقرار المنطقة نص بيان الشجب الذي أصدره رئيس الوزراء اللبناني، فؤاد سنيورة، ضد عملية اطلاق صواريخ الكاتيوشا نحو اسرائيل، كان جديدا ومثيرا. لم يكن تنديدا فارغا وانما حديثا عن عنوان دقيق. من الضروري أن يبادر الأشقاء الفلسطينيون لشجب واضح لمثل هذه العمليات ، قال سنيورة في بيانه، عليهم ايضا أن يعملوا بالتعاون النزيه مع حكومة لبنان لتطبيق قرار الحكومة الصادر في شهر تشرين الاول (اكتوبر) 2005، والذي يتضمن تشكيل جهاز محدد لوقف انتشار السلاح الفلسطيني خارج مخيمات اللاجئين. من أين عرف سنيورة أن الاتهام يجب أن يُوجه للفلسطينيين مباشرة وليس لحزب الله؟ ولماذا تبني نفي حزب الله بأنه لم يكن وراء اطلاق الكاتيوشا، وانما رفض نفي الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة بقيادة احمد جبريل لمسؤوليتها عن العملية؟ وهل توجد لذلك صلة بحقيقة أن اسرائيل قد تبنت رواية سنيورة واختارت مهاجمة موقع لاحمد جبريل وليس مواقع حزب الله؟.مصطلح السلاح الفلسطيني هو اسم سري غير دقيق بصورة خاصة، ذلك لأن السلاح الفلسطيني ينقسم الي اثنين: سلاح داخل مخيمات اللاجئين وآخر خارجها. الجزء الأكثر صعوبة هو طبعا، السلاح الموجود خارج المخيمات، سواء من حيث كميته ونوعيته، أو من حيث الصراع السياسي الذي يثيره بين سورية ولبنان، ذلك لأنه حسب المعلومات المتوفرة للبنان (واسرائيل)، هناك سلاح كثير قد هُرّب الي لبنان من سورية في السنة الأخيرة وهو يُستخدم، حسب الشكوك، كوسيلة ردعية بأوامر من دمشق.الاشتباه الآخر الذي تحقق منه المحقق الدولي ديتلف ميليس، وسيبقي موضوعا للتحقيق من قبل المحقق الجديد، هو أن الفلسطينيين كانوا ضالعين بقتل شخصيات لبنانية ومن بينها رئيس الوزراء رفيق الحريري والصحافي جبران تويني. ولكن، لهذا السلاح الآن ايضا مترتبات هامة علي الازمة السياسية في لبنان، والتي بدأت في منتصف شهر كانون الاول (ديسمبر) عندما انسحب وزراء حزب الله وحركة أمل من الحكومة بعد أن اتخذت قرارا بالمطالبة بتشكيل محكمة دولية لمحاكمة المتهمين بقتل الحريري. هذا القرار يوسع تأثير القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن والذي يدعو في السياق الي نزع سلاح المليشيات في لبنان ومن بينها حزب الله والفلسطينيون.السلاح الفلسطيني موجود في لبنان منذ الستينيات. واتفاق القاهرة الذي وُقع بين مصر بزعامة جمال عبد الناصر والحكومة اللبنانية وياسر عرفات، ينص علي أن من حق الفلسطينيين أن يحملوا السلاح ضمن شروط محددة لخوض حربهم ضد اسرائيل. كميات هائلة من السلاح أضيفت للفلسطينيين في لبنان في السبعينيات، وبعد أحداث ايلول الأسود في الاردن. ولكن إثر انسحابهم من لبنان في عام 1983، قاموا بنقل اغلبية السلاح الثقيل الموجود بحوزتهم للحكومة اللبنانية وواصلوا حيازة الاسلحة الخفيفة داخل مخيمات اللاجئين التي تحولت الي جيوب مغلقة. هذا السلاح تمتع لدي الحكومات اللبنانية السابقة بتوجيهات من سورية بمكانة سلاح الدفاع عن النفس . كان لهذا التعريف هدف مزدوج: التقرير بأنه ما زال هناك خطر علي حياة الفلسطينيين في لبنان وخاصة من قبل المسيحيين الذين قاموا بذبحهم في صبرا وشاتيلا، والتقرير كذلك بأن هذا السلاح لم يعد موجها لتحرير فلسطين، أو لحماية لبنان، ذلك لأن هذه المكانة تعود بصورة حصرية للسلاح اللبناني الرسمي ولحزب الله.هذا التعريف يمتلك الآن أهمية كبيرة علي خلفية المناورات السياسية التي تسعي سورية الي القيام بها في لبنان بعد إخراج قواتها من هناك. في شهر ايلول (سبتمبر)، عندما التقي الأسد مع قادة الفصائل الفلسطينية، وفي وقت لاحق في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عندما التقوا مع وزير الخارجية الايراني منوشهر موتكي حظي السلاح الفلسطيني بمكانة سلاح المقاومة المعتبرة، أي سلاح يمكن أن يُستخدم في الكفاح ضد اسرائيل من داخل الاراضي اللبنانية. بذلك يكون الأسد قد وضع الفصائل الفلسطينية علي مسار التصادم مع الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة سنيورة. وليس معها فقط. في الوقت الذي طلب فيه أبو مازن خلال زيارته الي لبنان، منح اللاجئين الفلسطينيين مكانة المواطنين المتمتعين بالحقوق، حتي وإن لم يكونوا حائزين علي الجنسية، يأتي الأسد ويقوم في الواقع بعرقلة جهوده هذه من خلال رفع مكانة السلاح الفلسطيني. صحيح أن لبنان قد ألغي بعض المحظورات المفروضة علي الفلسطينيين في المخيمات، ولكن السفارة الفلسطينية في لبنان لم تظهر، كما أن العلاقات الرسمية بين لبنان وفلسطين ما زالت باردة. تصريح هام واحد رغم ذلك، صدر عن أبو مازن وقال فيه السلاح الفلسطيني في لبنان خاضع للقانون اللبناني . لهذا التصريح أهمية رسمية، ولكنه لم يُحدث تغييرا في وضع السلاح علي الارض. الآن تواجه الحكومة اللبنانية معضلة صعبة: بامكانها، كما يبدو للوهلة الاولي، أن تطبق القرار 1559 بالكامل بعد خروج القوات السورية، ولكنها غير قادرة واقعيا علي تنفيذ ذلك بنفسها. ذلك لأن نزع سلاح مخيمات اللاجئين سيستوجب السيطرة عليها علي ما يبدو، وخوض صراع عنيف بين الجيش اللبناني والفلسطينيين والخشية من التدهور نحو الحرب الأهلية الشاملة من خلال ذلك. ومثل هذا القرار اللبناني الحازم يعني ايضا توجيه تحذير لحزب الله بأنه هو التالي في الدور بعد الفلسطينيين، وليس فقط في قضية نزع السلاح وانما في سيطرة الجيش اللبناني علي كل أجزاء الدولة بما فيها الجنوب الذي يؤدي دور دولة حزب الله منذ صيف 2000. وهذه ليست معضلة للحكومة اللبنانية وحدها. فحزب الله ايضا مقيد في اطارها: اذا عارض نزع السلاح الفلسطيني فسيجد نفسه خارج الاجماع اللبناني. ولكنه لا يستطيع أن يدعي ايضا أن هناك فرقا بين سلاحه وبين سلاح الفلسطينيين ذلك لأنه اذا كان سلاحهم موجها للدفاع ضد اسرائيل فلن تعود لديه وحدانية حصرية بهذه المهمة بحيث يبدو فجأة أن الفلسطينيين ايضا مسؤولون عن أمن لبنان. وهذا ادعاء لا يمكن لأي لبناني أن يقبله. من هنا يقترح حزب الله التوصل الي اتفاق حول هذا السلاح عبر المفاوضات الداخلية السرية بين الحكومة وكل المنظمات التي تحمل السلاح. الحكومة اللبنانية مستعدة لمثل هذا الحوار شريطة أن يحدد الجدول الزمني والمكانة النهائية للسلاح. علي هذه الخلفية، حيث تبدو لجنة تحقيق ميليس كذريعة، قرر حزب الله وحركة أمل التسبب بالازمة الجديدة. بعد أن دعت الحكومة اللبنانية لتشكيل محكمة دولية قامت قيادة حزب الله بالمطالبة لمعرفة اذا كانت الحكومة تنوي تلبية كافة بنود القرار 1559. هذا كان مطلبا وقحا بالنسبة لرئيس الوزراء سنيورة الذي يري نفسه مسؤولا عن تركة الحريري التي تشمل ايضا تطبيق القرار 1559. الآن يطرح حزب الله وحركة أمل شروطا مشددة لعودتهما الي الحكومة، عودة ترغب فيها الحكومة حتي تُبرز وحدتها الوطنية وتتمكن من تحقيق سياستها في القضايا الداخلية والاقتصادية. حسب شروط حزب الله وأمل، يتوجب علي الحكومة اللبنانية أن تكتب للأمين العام للامم المتحدة بأن كل شروط القرار 1559 المتعلقة بالوضع اللبناني قد طُبقت بالكامل، وأن سلاح حزب الله يهدف لتحرير اراضي مزارع شبعا المحتلة، وأن التنظيمات ستوافق لاحقا علي التفاوض مع الحكومة حول نزع السلاح. الحكومة اللبنانية رفضت هذا الشرط في الوقت الحالي والذي يبدو غير مقبول منطقيا. والأكثر من ذلك، أن المسيحيين في الحكومة يطالبون قبل كل شيء باعادة ترسيم الحدود بين سورية ولبنان قبل التداول في قضية نزع سلاح حزب الله. ترسيم هذه الحدود يعني، ربما، تضمين مزارع شبعا ضمن الاراضي اللبنانية، ومن هنا تزداد فرصة انسحاب اسرائيل منها وشل ذريعة حزب الله بمواصلة حيازة السلاح.هذا الوضع السياسي الحساس الذي قد يُفجر الاتفاقات السياسية التي قُدّمت حتي الآن وأتاحت اقامة الحكومة الموسعة، يفرض ايضا علي اسرائيل ضبط سياستها وردود أفعالها. ذلك لأن كل عمل لا داعي له ضد هدف غير دقيق بصورة كافية، سيصب في مصلحة حزب الله فورا. من هنا ايضا، كان قرار مهاجمة مواقع احمد جبريل فقط وليس مواقع حزب الله، صحيحا. بذلك تكون اسرائيل قد تحولت الآن الي جزء لا يتجزأ من السياسة اللبنانية الامر الذي يمكنها أن تتخلص منه، ربما، اذا قررت بمبادرة منها الانسحاب من مزارع شبعا ونزع الادعاء الذي يشكل ذريعة دائمة لهجمات حزب الله، من أياديه.تسفي برئيلمحلل في الصحيفة(هآرتس) 4/1/2006