الخرطوم ـ «القدس العربي»: تصاعدت حدة الخلافات السياسية في المشهد السوداني على نحو متسارع، بالتزامن مع احتدام العمليات العسكرية، واستعادة الجيش ولايات استراتيجية، كانت تمثل مركز ثقل وانتشار لقوات الدعم السريع.
وفي وقت أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الشروع في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، لا مكان للإسلاميين فيها بالتزامن مع تسلمه خريطة طريق من أحزاب سياسية ومجموعات مجتمعية لمرحلة ما بعد الحرب، وصلت الخلافات داخل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» إلى ذروتها في 10 نيسان/ابريل الماضي، لتكتب نهاية التحالف الذي كان يهدف إلى بناء أكبر جبهة مدنية رافضة للحرب.
تشكلت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» في تشرين الأول/اكتوبر من العام قبل الماضي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، برئاسة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك. وضمت أحزابا سياسية وحركات مسلحة ومجموعات مجتمعية ونقابات، أعلنت رفض الحرب ودعت الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى التفاوض من أجل الاتفاق على صيغة لحماية المدنيين ووقف إطلاق النار وصولا إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب.
إلا أن بعض مكوناتها أبدت ميلا واضحا إلى قوات الدعم السريع، فيما بدا أنه تحالف مضمر منذ البداية، ودعت إلى تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرتها، الأمر الذي اصطدم بالهدف المعلن لتشكيل التنسيقية.
وبعد احتدام الخلافات داخلها، انعقد الاثنين الماضي، اجتماع الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» برئاسة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، حيث ناقش قضية شرعية التحالف والموقف من تصور بعض مكونات «تقدم» لإقامة حكومة موازية لحكومة بورتسودان في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.
وقال التحالف بعد اجتماعه الأخير، أنه أجاز التقرير الذي أعدته الآلية السياسية والذي خلص لوجود موقفين متباينين حول قضية تشكيل الحكومة الموازية، مشيرا إلى إن الخيار الأوفق هو فك الارتباط بين أصحاب الموقفين ليعمل كل منهما تحت منصة منفصلة سياسياً وتنظيمياً بإسمين جديدين مختلفين. ووفقا لهذا القرار سيعمل كل طرف على حدة، حسب ما يراه مناسباً ومتوافقاً مع رؤيته حول الحرب.
وبعد إعلان إنقسام تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، سرعان ما شرعت في تكوين تحالف جديد؛ المكونات الرافضة لتشكيل حكومة موازية، والتي حذرت من أنها قد تكون بداية تقسيم وتفكيك البلاد.
تحالف جديد
وفي 11 شباط/فبراير الجاري أعلنت الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني الرافضة لمقترح تشكيل الحكومة الموازية، عن تحالف جديد، باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة «صمود» برئاسة عبدالله حمدوك، وذلك بعد يوم واحد من إعلان مكونات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» فك الارتباط بين مكوناتها الرافضة والداعمة لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
ويتكون التحالف الجديد من 35 تنظيما حزبيا ونقابيا بالإضافة للجان المقاومة والقوى المدنية، بينها حزب الأمة القومي، المؤتمر السوداني، التجمع الاتحادي فضلا عن حزب البعث القومي والتحالف الوطني السوداني.
ويضم التحالف كذلك الحزب الوطني الاتحادي الموحد، حزب التواصل، الحزب الناصري، حركة حق، بالإضافة إلى مكونات نقابية تضم المحامين والأطباء والصحافيين والمصرفيين وأساتذة الجامعات وضباط الصحة، ضمن آخرين.
وحذر في بيان من «أن البلاد تواجه حربا إجرامية خلفت أكبر كارثة إنسانية في العالم وما زالت رحاها تدور بشكل وحشي يتزايد يوماً بعد يوم، ودفع ثمنها ملايين السودانيين».
وأشار إلى أن الشهور الأخيرة شهدت تبايناً في الرؤى بين مكونات «تقدم» حول قضية الشرعية وكيفية التعاطي معها، وخلص هذا التباين لوجود موقفين استعصى الجمع بينهما فتم إقرار فك الارتباط السياسي والتنظيمي بين موقفين أولهما يرى مواصلة «النضال بوسائل العمل المدني الديمقراطي بدون تشكيل حكومة»، وبين موقف يرى «أن تشكيل حكومة هو أحد أدوات عمل التنسيقية».
وقال التحالف أن مكوناته رفضت تشكيل حكومة كأحد أدوات نزع الشرعية عن سلطة بورتسودان معلنة للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي انتظامها اعتباراً من الثلاثاء، تحت اسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة «صمود».
وأكدت على ضرورة التزام القوى المدنية الديمقراطية طريقاً مستقلاً لا ينحاز لأي من أطراف الحرب ولا ينخرط فيها بأي شكل من الأشكال، وأن تتصدى لكل فعل أو قول يهدد وحدة البلاد ويمزق نسيجها الاجتماعي.
ودعت لحماية المدنيين والتصدي لأي انتهاكات يتعرضون لها ومعالجة الأزمة الإنسانية ووقف الحرب عاجلاً عبر حل سياسي سلمي يخاطب جذور الأزمة بما يقود لتأسيس الدولة السودانية وإحلال سلام مستدام وعادل.
وفي اليوم التالي قام التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة «صمود» بتوجيه رسالة لمجلس السلم والأمن الأفريقي حول الأزمة السودانية، من رئيس التحالف، عبد الله حمدوك، إلى رئيس المجلس في دورته الحالية، الرئيس تيودورو أوبيانغ نغويما، رئيس غينيا الاستوائية، مع إرسال نسخة إلى أعضاء المجلس ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي.
وجاءت هذه الرسالة قبيل جلسة مجلس السلم والأمن الأفريقي التي انعقدت الجمعة على مستوى الرؤساء، والتي ناقشت الأوضاع في السودان.
تصاعد الانتهاكات ضد المدنيين
وقال تحالف «صمود» إن الرسالة استعرضت بالتفصيل الوضع الإنساني الكارثي في السودان، مسلطة الضوء على تصاعد الانتهاكات ضد المدنيين، وتفاقم أزمات النزوح واللجوء والجوع، وانهيار البنية التحتية. كما دعت المجلس إلى اتخاذ قرارات جادة بالخصوص.
وطالب بتسليط الضوء على مأساة الحرب في السودان عالمياً، وجعلها أولوية ضمن الأجندة الدولية، نظراً لما تشكله من تهديد خطير للسلم والأمن الإقليمي والدولي، داعيا إلى اتخاذ إجراءات فورية لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، وضمان حماية المدنيين من خلال إجراءات فعالة وآليات رقابة صارمة، والتوصل لوقف إطلاق نار فوري.
وأكد على ضرورة إطلاق عملية حوار سوداني مدني يوفر إطاراً لإقرار سلام شامل وعادل ومنصف، يعالج جذور الأزمة في السودان.
ورأى أن الشرعية غائبة في السودان منذ انقلاب 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021، مشددا على أن رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي يجب أن يكون مشروطًا بتحقيق تقدم فعلي في وقف الحرب وإحلال السلام، عبر عملية شرعية تؤدي إلى تحول مدني ديمقراطي.
بعدها توجه حمدوك ضمن مجموعة من قادة التحالف إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا حيث عقد مجموعة من الاجتماعات مع القادة الأفارقة على هامش الدورة السادسة والأربعون للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي.
وشدد حمدوك خلال اجتماعاته مع القادة الأفارقة في الفترة من الخميس إلى السبت، على أهمية أن تخرج القمة بمقررات تساهم في تخفيف معاناة السودانيين وتضع حداً للاقتتال في البلاد.
بالمقابل بدأت المجموعة الأخرى من مكونات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» والتي أعلنت بشكل صريح مساندتها لقوات الدعم السريع، الشروع في تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة القوات التي يتزعمها محمد حمدان دقلو «حميدتي».
وقالت أنها ستوقع ميثاقا سياسيا، يوم الثلاثاء القادم الموافق 18 شباط/فبراير الجاري، لتشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع، مشيرة إلى أن ذلك يأتي في إطار ترتيب أوضاع المدنيين في تلك المناطق عبر دولة مؤسسات تقدم لهم الخدمات اللازمة، فضلا عن نزع الشرعية عن الحكومة في بورتسودان.
ويقود تلك التحركات العضوان السابقان في المجلس السيادي السوداني الهادي ادريس والطاهر حجر وهما يتزعمان حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي وتجمع قوى تحرير السودان بالإضافة إلى سليمان صندل الذي يقود مجموعة منشقة من حركة العدل والمساواة التي تقاتل إلى جانب الجيش، فضلا عن قادة سياسيين آخرين.
وأكد رئيس الجبهة الثورية، زعيم حركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي الهادي إدريس، تمسكهم بتشكيل حكومة مدنية في السودان، بهدف انتزاع الشرعية من حكومة بورتسودان.
وقال إدريس الذي كان يشغل منصب نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» أن الغرض من تشكيل الحكومة هو قطع الطريق أمام خطط «أنصار النظام السابق» الرامية لتقسيم البلاد، وإجبار الجيش على القبول بمفاوضات لوقف الحرب.
وأشار إلى نقاشات جارية مع قوى سياسية بهدف تشكيل حكومة خلال شباط/فبراير الجاري، موازية للحكومة الحالية التي يترأسها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان.
الجيش يقترب من القصر الرئاسي
يأتي ذلك في وقت يستعيد الجيش السوداني نطاقا واسعا من المناطق التي استحوذت عليها قوات الدعم السريع خلال العام الأول من الحرب، وتقترب قواته من القصر الرئاسي وسط العاصمة الخرطوم.
والأسبوع الماضي، سلمت قوى سياسية ومجتمعية رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان خريطة طريق لمرحلة ما بعد الحرب بعد مشاورات استمرت لأيام في العاصمة الإدارية بورتسودان، فيما أعلن البرهان إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية واعتزام تكوين حكومة كفاءات مستقلة. وكشفت مصادر مطلعة تحدثت لـ«القدس العربي» عن تفاصيل خريطة الطريق التي قدمتها قوى سياسية ومجتمعية إلى رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، مشيرة إلى أنها تضمنت مرحلتين لما بعد الحرب، أولى تأسيسية لاستكمال المهام العسكرية واستعادة الاستقرار والسلام، وأخرى انتقالية للتحضير للانتخابات وتبلغ مدتها نحو 4 سنوات على أن يكون البرهان حاكماً طوال هذه الفترة.
واقترحت الخريطة الإبقاء على مجلس السيادة على أن يسمي البرهان رئيس وزراء مدنيا مكلفا بتشكيل حكومة من كفاءات مستقلة لا تشارك فيها القوى السياسية، بالإضافة إلى تكوين مجلس تشريعي يتكون من 250 عضواً، يضم ممثلي القوى السياسية والمجتمعية والمرأة والنقابات.
وقال القيادي في تحالف الكتلة الديمقراطية، مبارك أردول، إنهم عقدوا لقاء مثمراً مع البرهان، ضمن مجموعة من القوى الوطنية السياسية والمجتمعية على ضوء المشاورات حول رسم خريطة طريق للحوار السوداني-السوداني والمشروع الوطني.
وأضاف: «سلمناه مجتمعين مسودة خريطة طريق بعنوان الطريق إلى السلام والاستقرار – نحو الوحدة وتحقيق السلام والتحول الديمقراطي، هذه الوثيقة مفتوحة وقابلة للحذف والإضافة ومضمنة فيها مرحلتان الأولى تأسيسية والثانية انتقالية وصولا للانتخابات».
وبينما يجري التحضير لحكومة الكفاءات المستقلة في بورتسودان، وجهت الحركة الإسلامية انتقادات للبرهان بعد خطاب أكد خلاله عدم عودة الإسلاميين إلى المشهد، بينما منح تنسيقية القوى الديمقراطية فرصة «حال تبرؤها من الدعم السريع».
ورأت أنه ساوى بين الإسلاميين الذين قاتلوا إلى جانبه وبين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» التي ترى أنها ساندت الدعم السريع.
وقال القطاع السياسي للمؤتمر الوطني – الحزب الحاكم في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير- في بيان: «نربأ بالبرهان من مهاجمة المؤتمر الوطني في كل سانحة تسنح له تقرباً وتزلفاً لقوى متهالكة هشة». في إشارة إلى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم».
وأشار إلى أنه من المبكر الالتفات إلى الخلاف والشقاق والبحث عن المكاسب السياسية التي ستضر حتماً بالمعركة، محذرا من مصادرة إرادتها.
وأضاف: «بعد الحرب لن يصادر إرادتنا أحد، مرحبا بصناديق الاقتراع».
وفي نيسان/ابريل 2019، أطاحت الثورة الشعبية بنظام الإسلاميين بقيادة البشير وحزب المؤتمر الوطني، بعد نحو ثلاثة عقود من الحكم، الذي وصف بـ«الشمولي».