الخرطوم «القدس العربي»: نشطت في السودان مبادرات تطوعية للتقليل من انتشار فيروس «كورونا» ومساعدة الدولة على احتوائه، في ظل ضعف في الإمكانيات، وظهور تجار يسعون لاستغلال الأزمة عبر رفع أسعار مستلزمات الوقاية.
ولعبت مبادرة «اللجنة المركزية الصيادلة» مع شباب «لجان المقاومة» في الأحياء دورا هاما في محاربة جشع التجار، وفعلت مبادرتها التي كانت قائمة قبل مدة طويلة، بتصنيع المعقمات محليا في المعامل والبيوت، بمواصفات الصحة العالمية وتوزيعها على السودانيين.
وتتعاون نقابة أطباء السودان مع المنظمات التطوعية والمتطوعين من شباب «لجان المقاومة».
النقابة أقرت أن نظام البائد في السودان ترك وضع البلاد الصحي منهاراً تماما. وقال رئيس اللجنة التسيرية للنقابة، محمد الفاتح لـ «القدس العربي»، إن «الشعب السوداني الآن هو الذي يملك زمام مبادرة مكافحة كورونا ويقود الحكومة الانتقالية التي رغم كل ما يقال عنها لكنها تختلف تماما عن الحكومة السابقة التي كانت تسترزق وتتكسب من أزمات وكوارث والآم وأحزان الشعب السوداني».
وقال: «نحن أمام نموذج يعتمد على الشعب، وعلى وعيه ومحاربة الذين ابتعدوا عن الروح الوطنية، وعمدوا إلى الاستثمار في هذا الوباء».
ودعا الى «عدم تهميش دور الشعب السوداني لأن هذا الشعب تحلى بالوعي و المسؤولية في الوقت المناسب، مثلما وقف وأزاح أسوأ نظام في المنطقة كلها».
وبين أن «الكثير من الأوبئة، قبل سقوط الإنقاذ، كنا لا نعرف عنها أي معلومة من قبل وزارة الصحة، لا يعرف الناس شيئا عنها ليقفوا في مجابهتها كالكوليرا، وحمى الشيكونغونيا التي ضربت شرقي البلاد، وتسببت بموت الكثيرين، دون علم الشعب والأطباء أنفسهم».
وذكر أنه «سبق وأن اعتقل في عهد نظام البشير من قبل الأمن بسبب تقديمه محاضرة توعوية لعدد من المواطنين في منطقة أمدرمان».
وأكد أن «الدولة السودانية لا تمتلك أمصالا لعلاج كورونا وأن المصل الأساسي هو الوعي واتباع الموجهات التي تأتي من اللجنة العليا لمكافحة كورونا، ووزير الصحة وأجهزة الإعلام التي انخرطت في السودان كشريك رئيسي لتقديم التوعية والارشادات بخطر الفيروس».
وبين أن «مبادرة الشعب مع الصيادلة، استطاعت أن توفر بصورة جيدة احتجاجات الوقاية من مرض كورونا للمحتاجين والذين يواجهون ظروفا صعبة في ظل انعدام الوقود والخبر».
لجان المقاومة تتعاون مع اللجنة المركزية للصيادلة… وحملة لمساعدة بائعات الشاي
ولفت إلى «مستغلي الوضع الحالي، وظهور تجار جشعين» أسماهم «مافيا الكمامات والمعقمات».
وأوضح أن «أعضاء هذه المافيا زادوا سعر الكمامة العادية من 2 جنيه لخمسين جنيها وأنواع أخرى تصل لـ600 جنيه، مع زيادة في سعر معقم اليدين من 30 إلى 300 جنيه وأكثر».
السلوك غير ثوري
واعتبر أن «هذا السلوك لا يشبه من شارك في بالثورة، الذين كانوا يقفون مع بعضهم البعض في الاعتصام، ويدعمون بعضهم البعض».
وشدد على أن: «المجتمع الواعي، يتبرأ من هؤلاء الذين استثمروا حتى في مصائب الشعب السوداني، مثلما استثمروا في الوقود والخبز والدقيق». وحسب الفاتح، فإن اللجنة المركزية للصيادلة السودانيين استطاعت أن توفر معقمات، وفق مواصفات الصحة العالمية نفسها.وتتمثل خطة اللجنة في مجابهة «كورونا» حسب العضو فيها محمد علي، بإنتاج المعقمات بصورة بسيطة، وتوزيعها مجانا، ودعوة، الصيادلة وكل من له الرغبة في المجتمع وعبر منصات مختلفة، للعمل والتعاون، وقد وجدت هذه الخطة استجابة واسعة».
وبين لـ «القدس العربي» أنه «في الأسبوع الماضي تم إنتاج أكثر من 800 ألف عبوة توزع مجانا. كما أن الفكرة هذه انتقلت لولايات السودان الأخرى، وانخرط فيها الصيادلة مع شباب لجان المقاومة».
وقال: «نحن لم نحارب كورونا فقط، بل استطعنا محاربة جشع التجار»، كاشفا أنهم «قاموا بتغيير الفورم، وهو دور كبير يحسب للصيادلة في الإنتاج لتركيبة المعقمات المعروفة بعدما تفاجأوا بزيادة مهولة في مادة (الكارفي بول) من 800 جنيه فقط لسعر الكيلو إلى 8 آلاف».
وأكد أنهم استطاعوا وفق موجهات منظمة الصحة العالمية أن ينتجوا معقمات بجودة دون الاحتياج لمادة (الكارفي فول) وتم الاستغناء عنها تماما». وزاد: «المادة كانت تعطي قوام الجيل في المعقم. التراكيب الأخيرة وفقا للصحة العالمية تعتمد في موادها للمعقمات على مركب الايثناول، وهذا المركب حصلنا على كميات كبيرة منه تبرعت بها إحدى الشركات».
واسندت نقابة الأطباء في السودان لشباب المقاومة، الذين شاركوا في الثورة ضد نظام البشير، في كل الأحياء، مهمة توزيع المعقمات والتوعية وتفقد الأسر الفقرة لتقديم معونات يومية يحتاجونها في حياتهم، من مواد غذائية وبعض الأدوية.
وانضم محمد سليمان، وهو خريج مختبرات طيبة، ويعمل في إحدى الجامعات إلى «لجان المقاومة في الحملة الأولى لحملة توزيع الخبز قبل ظهور كورونا في السودان، وكان يذهب لجلب الخبز لمنزله ومن ثم يذهب لعمله في الجامعة، ويعود منتصف النهار لتوزيع الخبز على الأسر، والآن يواصل عمله مع الشباب في حارته في أمدرمان بهدف تجنب اصطفاف الناس أمام المخابز.
ولأول مرة في السودان، فرضت المبادرات الشعبية التوعية بمرض «كورونا» في وسائل الإعلام وبلهجات محلية مختلفة.
كما كانت أكثر المبادرات لفتا للانتباه في شوارع الخرطوم (خليك ببيتك وقروشك تصلك لحد عندك) وهدفها تعويض بائعات الشاي، وهي مهنه تمارسها الفتيات المطلقات والنساء الأرامل، هذه المبادرة قام بها عدد من الموظفين والعاملين الذين يحتسون الشاي من البائعات بالقرب من أماكن عملهم. وكانت نقابة أطباء السودان عقدت بالتعاون مع مبادرات مجتمعية، مؤتمرا صحافيا الخميس الماضي، دعت فيه «المواطنين إلى أهمية الالتزام بإرشادات وزارة الصحة الاتحادية الوقائية، المتمثلة بالبقاء في المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة وغسل اليديين واستخدام المعقمات وتجنب الازدحام، إضافة للتقيد بالتدابير التي فرضتها السلطات من حظر تجوال وعدم السفر لتفادي خطر الإصابة وانتشار الفيروس القاتل».
وأكدت أنها «مع الشعب الآن في جبهة واحدة للتصدي لكورونا بالرغم من الإمكانيات الضعيفة والقليلة».
تعاون الأحزاب
وطالبت «جميع الأجسام المنظمة من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني، ومؤسسات حقوقية بأن يعلموا معها وضمن غرفة المعلومات اليومية في وزارة الصحة الاتحادية ودار اتحاد أطباء السودان»، مبينة أنها «مستعدة لتلقي أي مساعدة من أبناء السودان البررة من الأطباء والصيادلة الذين دفع بهم النظام السابق إلى المهجر فهؤلاء لم يقصروا أبدا في المساهمة والمساعدة بالتوعية والتبرعات لمكافحة كورونا في السودان كهدف قومي وطني».
رغم الصعوبات التي يواجهها السودان وضعف إمكانياته في مواجهة « كورونا» لكن الناشطين في الحملات المجتمعية يؤكدون أن باستطاعتهم معالجة خطر انتشار الوباء مع الدولة والقيام بدور فعال لعدم تفشي المرض، خصوصاً وأنهم تمكنوا حتى الآن من إيصال عدد كبير من المعقمات والاحتياجات الى كل ولايات السودان، حسب ما يقولون.