السودان: مطالب بمحاكمة الجناة والمجرمين وإعادة هيكلة المؤسسات العدلية

نهلة مجذوب
حجم الخط
0

عام مضى على عزل الرئيس البشير وإنهاء حكمه عبر ثورة كانون الأول/ديسمبر التي فتحت تاريخا جديدا للسودانيين بالخروج من عنق زجاجة حكم اتسم بالظلم والفساد والانهيار الاقتصادي التام لمدة ثلاثين عاما.

وسقط البشير وأودع هو ورموز نظامه السجن وإلى الآن ما تزال مسألة العدالة تسير ببطء كبير كونها أحد أهم ما أتت به الثورة. وترتفع وتيرة المطالبات بمحاكمة رأس النظام وأتباعه، وإحقاق العدالة لضحايا الاحتجاجات، وينتظر الآن بترقب شديد محاكمة المتورطين في قتل النشطاء والثوار أثناء فض الاعتصام وخلال أحداث العنف والبطش منذ اندلاع الثورة.

كما لم يقف الأمر عند هذا الحد بل ارتفع سقف المطالبات للتحقيق في ما ارتكبه نظام البشير من جرائم كبرى كملف شهداء كانون الأول/ديسمبر، وانقلاب 1989 الذي أتى بحكم الانقاذ، إضافة إلى تسليم البشير ومن ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من الملفات التي وضعتها حكومة الفترة الانتقالية على منضدتها ومضى العام ولم يتحقق الكثير.

وتأتي هذه المطالب رغم إيمان الكثير من السودانيين بأن تقدما كبيرا قد حدث على مجمل الحياة السياسية بعد قيام ثورة كانون الأول/ديسمبر المجيدة، ومنها صدور حكم على البشير بتأييد محكمة الاستئناف العليا للأحكام التي أصدرتها المحكمة الخاصة الابتدائية في حق الرئيس المعزول وذلك بإيداعه مؤسسة الإصلاح الإداري والاجتماعي لمدة عامين إلى جانب مصادرة الأموال المضبوطة داخل مقر إقامته السابق في بيت الضيافة بالقيادة العامة للجيش، وشطب الاستئناف المقدم من هيئة دفاع البشير، ومحاكمته في كانون الأول/ديسمبر الماضي بتهم حيازة النقد الأجنبي والثراء الحرام.

تمدد مساحات الحرية

ويرى عضو الحرية والتغيير دكتور محمد عصمت، أن شعار الثورة السودانية الأساسي هو “الحرية والسلام والعدالة” وهي تشكل الأضلع الثلاثة وتمثل روح الثورة.

وقال إن الحرية تحققت ومساحاتها تمددت في كل أنحاء البلاد، بصورة غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث. وأوضح ان الحرية الموجودة الآن أصبحت من الاتساع بحيث أن النظام البائد بنفسه أصبح يجد في هذه المساحات، ما لم يجده حتى في عهده. لافتا إلى أن مواكبه تسير كما يريد، وأجهزة إعلامه ما زالت تعمل كما يريد ورموزه وكوادره ما زالت طليقة، وأن عددا قليلا منهم مجرد متهمين في قضايا تتعلق بجرائم.

وذكر أن الحرية التي سادت تجعل الجميع مطمئنا على مستقبل الحريات في بلادنا.

وأكد عصمت أن اختراقات كبيرة جدا حدثت في الضلع الثاني وهو السلام، وذكر أن الحوار الآن يتم في جوبا مع كل حركات الكفاح المسلح، وأن السودان أضحى يتحدث عن كل حركات الكفاح المسلح وودع كلمة “المتمردين” ذلك أن الحوار الآن يتم بين الأشقاء في البلد الواحد.

وقال إن هناك كثيرا جدا من القضايا حسمت رغم تحفظ البعض على الطريقة والمنهج الذي تدار به المفاوضات، وتوقع أن يتم توقيع اتفاقيات شاملة للسلام مع حركات الكفاح المسلح في غضون شهرين وفتح نافذة لسلام شامل ومستدام.

أما الضلع الثالث وهو العدالة فقال إن الكل يشهد أن هناك تقدما في هذا مجال مشيرا إلى تغيير كبير طال القوانين المقيدة للحريات والتي صيغت أيام النظام البائد، ألغيت بعضها وعدل الآخر بما يتناسب مع الحريات. كما لفت إلى أن هناك تقدما حدث في اختيار رئيس قضاء امرأة لأول مرة في تاريخ السودان وربما في المنطقة بأسرها. إضافة لوجود نائب عام مستقل يتقصى ويتحرى بل ويلام على البطء الذي تعمل به لجان التحقيق.

وأشار عصمت إلى انجازات تمت في مجال العدالة كالحكم على الرئيس المخلوع بالفساد وسرقة الأموال والآن هو في قيد الإقامة الجبرية في إصلاحية.

وأكد أن الكل في جانب العدالة يتطلع وبكل ثقة للقصاص للشهداء على امتداد حكم النظام البائد من 1989 وحتى كانون الأول/ديسمبر المجيدة.

وأضاف أن الثقة متوفرة لدى الجميع في أن العدالة ستتحقق في بلادنا من خلال منظومة عدلية محايدة نزيه شفافة.

تسليم المخلوع للجنائية

وأكدت الحكومة السودانية في وقت سابق على تسليم البشير للمحكمة الجنائية. وعلمت “القدس العربي” من مصادر رفيعة في الدولة أن مسألة تسليم البشير تناقش بجدية مع الجنائية وحكومة حمدوك، وهي في انتظار وفد منها لمناقشة أمر التسليم. وأضافت المصادر أيضا أن البشير الآن مطلوب للمحاكمة في انقلاب 89 بجانب قضايا أخرى تتعلق بالفساد والإفساد، موضحة أن النائب العام أكد قبل أيام أن التحقيق فيها قد انتهى وسيقدم المتهمون وعلى رأسهم البشير للمحاكمة في أقرب فرصة ممكنة.

ويؤيد عضو الحرية والتغيير د. عصمت تسليم البشير لمحكمة الجنايات الدولية، مبينا أن تسليمه فيه شفاء لكل ما يعتمل في صدور أبناء وبنات السودان في دارفور جراء ما ممارسه عليهم من قتل واغتصاب وتشريد وتهجير لأكثر من 15 عاما.

وقال إن كثيرا من الناس تتهيب محاكمة البشير في الداخل ولكن ثورة كانون الأول/ديسمبر وبإرادة أجهزتها العدلية، ضربت الضربة الأولى في محاكمته بقضايا السرقة والفساد وحكمت عليه بالسجن رغم أنها عقوبة مخففة إلا أنها منحت الشعب السوداني الثقة في أن الأجهزة العدلية في السودان بخير وأن محاكمته على الجرائم التي ارتكبها، يمكن أن تتم داخل السودان، ولكن هذا لا يستجيب لمطالب أهلنا في دارفور بتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

عجلة التحقيق

ويرى كثيرون أن عجلة التحقيق تسير ببطء كبير في ما يتعلق برموز النظام البائد والمتورطين في فض اعتصام الناشطين أمام القيادة العامة للجيش.  وقال رئيس لجنة فض الاعتصام المحامي نبيل أديب لـ”لقدس العربي” إن التحقيق مستمر حتى الآن وسيوجه اتهامات مسنودة بيانات لأشخاص. أما فيما ما يختص بالعدالة الانتقالية فقال إنها ليست عمله بل تقع على عاتق السياسيين والضحايا والجناة مع بعض، وإن مهمته متعلقة فقط باتهام جنائي، وفق قانون جنائي، وهو قانون الإجراءات الجنائية 1991 وهو غير متضمن أي شيء عن العدالة الانتقالية. وأضاف “إذا وصل الناس إلى آلية إحدى أدواتها العدالة الانتقالية، وأهمها الحقيقة والمصالحة، وتم تشكيل لجان حقيقة ومصالحة، فسوف تقدم اللجنة بياناتها، وتسمح للضحايا أن يتعافوا مع الجناة، وهنا لا تذهب إلى المحكمة سوى الجرائم التي لم يحصل فيها تعاف. وأنا ليست لدي سلطة تدخل في هذا الأمر”. وان كل ما يهمه هو إكمال عمله بأكمل وجه، “خلال الوقت المحدد لي في التفويض” واعتبر أن هذا هو الأساس، وإذا كان الأمر يتطلب زمنا إضافيا سيأخذه، وإذا تم اعتراضه بأن يكمله في مدة محددة فسوف يستقيل.

العدالة لم تطل رموز النظام البائد

الناطق الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين محمد الأسباط أوضح في حديثه لـ”القدس العربي” أن مرور عام على نظام المخلوع عمر البشير والذي أنجزته ثورة كانون الأول/ديسمبر المجيدة تحت شعار “حرية، سلام وعدالة” تحققت فيه الحرية تماما والآن يعيش السودانيون حرية التعبير والتنظيم والتنقل والتدين وغيرها، وكامل حرياتهم وحقوقهم الإنسانية انتزعوها وما زالوا يحافظون عليها.

وأكد أن يد العدالة حقا لم تطل رموز النظام السابق من الفاسدين والقتلة، وكل الذين ألحقوا ظلما بكل السودانيات والسودانيين، ولكن للعدالة شروطها، وهي التحري والتحقق ودور النيابة العامة وتقديم المتهمين للمحاكمة وتحديد المواد التي يحاكمون عليها وما إلى ذلك.

وأقر ببطء يشوب عملية تحقيق العدالة تجاه الفاسدين على وجه التحديد الذين أثروا من أموال الشعب 30 عاما وما زالوا طلقاء. وما زالوا يمارسون من الأموال التي نهبوها من الشعب، تخريبا في الاقتصاد والحياة السياسية.

ونبه الحكومة بضرورة أن تسرع في عملية محاسبة الفاسدين والمفسدين.

ويرى الأسباط أن رموز النظام السابق البشير حتى الآن لم يحاكم منهم سوى في جريمة واحدة وهي جريمة تعتبر بسيطة جدا مقارنة بما ارتكبه من جرائم كبيرة ضد الإنسانية وجرائم حرب وانتهاكات واسعة. ويرى أن الحل في ان يتم تسليم البشير إلى محكمة الجنايات الدولية وكل من ساهم في هذه الانتهاكات حتى تطاله يد العدالة الدولية.

الإفلات من العقاب

الأمين العام لمنظمة إنهاء الإفلات من العقاب عثمان جامع قال لـ “القدس العربي” إن البشير سقط حقا من الحكم، ولكن العدالة للأسف لم تتم، ودائما في الفترات الانتقالية الناس تبدأ في العدالة الانتقالية، وهي تهم الناس في مناطق الأزمات كالنازحين والمنتهكة حقوقهم في جبال النوبة والنيل الازرق ودارفور، وقال جامع إن الحكومة السودانية الجديدة أنشأت مفوضية للعدالة الانتقالية ولكنها للأسف معطلة تماما ولم تقم بأي عمل.

وذكر أن العدالة لم تطل الأجهزة الأمنية ورموز النظام البائد المتورطين في قتل الثوار، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية هي من قامت بقتل عدد كبير من الشباب منذ بداية الثورة في مواكب التظاهر حتى فض الاعتصام. وقال إن الحكومة لم تصل لنتيجة بعد انصافا للضحايا.

وأضاف أن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة وإلحاق الأذى الجسيم بالشباب السلميين، بما في ذلك الاحتجاز الجماعي التعسفي لآلاف الأشخاص والتعذيب، كما قاموا بمداهمة المستشفيات واعتقال أفراد من الطاقم الطبي، والتعدي بالضرب عليهم. إضافة لإقدام نظام البشير بانتهاكات واسعه للقانون الدولي في شتى أنحاء السودان طوال حكمه، في الهجوم على المدنيين العزل بشكل عشوائي في هجمات بريه وجوية بتعليمات مباشرة منه، وقال لا يمكن أن يحاكم بجريمة غسيل أموال فقط بعد الثورة، فإن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد بل قامت قوات الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني وقوات الدعم السريع بهجمات قاتلة ضد مواكب الشباب السلمية بأوامر مباشرة من البشير وعدد من قياداته في قمة السلطة من دون وجه حق، لأن الدستور يسمح في الحق بالتظاهر السلمي. يجب إجراء تحقيقات شاملة وفعالة ومستقلة في جميع عمليات القتل وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان وبصورة علنية وشفافة.

وقال جامع “نحن في منظمة إنهاء الإفلات من العقاب نحث الحكومة الانتقالية بعد مضي سنة من الثورة الشبابية السلمية تحقيق العدالة الانتقالية” وأضاف لابد من الإسراع في المحاكمات الجنائية لكل من ارتكبوا جرائم في حق الشعب، وإعادة هيكلية المؤسسات العدلية وتأسيسها لكي تقوم بالدور المنوط بها وتكوين لجان تحقيق.

وابان أن العدالة الانتقالية هي حزمة من الترتيبات القضائية والمالية والنفسية تجاه الضحايا وأهميتها تكمن في أي دولة خرجت من حروب طويلة لابد أن تمر بمرحلة العدالة الانتقالية.

وفيما يتعلق بالمصالحة فأشار إلى تجربتي جنوب افريقيا ورواندا وتحسب من التجارب الناجحة لأنها مرت بمرحلة العدالة الانتقالية، وأوضح هنا تأتي أهمية الإرادة السياسية للدولة المعنية في تنفيذ برنامج العدالة الانتقالية، وذكر أن التجارب الناجحة كانت بقيادة نيلسون مانديلا في جنوب افريقيا، وبول كوقامي في رواندا.

وفي السياق كشف مصدر عليم لـ”القدس العربي” أنه يجري التحقيق مع رموز النظام في قضايا الفساد والانتهاكات وينتظر أن يقدموا للمحاكمة في أسرع وقت.

وقال “هذا لا يكفي ونحن نرى الكثير جدا من رموز ومحاسيب النظام السابق ما زالوا طلقاء حتى الآن، ونلفت نظر حكومتنا الانتقالية وأجهزتها العدلية إلى ضرورة محاسبة ومحاكمة هؤلاء الرموز”.

وأضاف أن تكوين لجان التحقيق التي هي من مطالب الثورة السودانية والوثيقة الدستورية لم تحقق شيئا منذ سقوط البشير حتى الآن وأن عملها ما يزال ضعيفا وبطيئا. وينبغي على الحكومة أن تعمل بصورة جادة وحثيثة لتقديم متهمين خاصة من الأجهزة الأمنية سواء كانوا في جهاز الأمن أو الشرطة والجيش وقوات الدعم السريع.

وقال إن تورطهم مثبت وأقرته الحكومة نفسها وأكدته عدد من الجهات المعترف بها كمنظمة “هيومن رايتس ووتش” التي كتبت عن فض الاعتصام بأنه جريمة حرب، وذكرت أن القوات الأمنية هي من قامت بقتل واغتصاب وتعذيب مئات الشاب من الجنسين. وقال إن عائلات الشهداء ما يزالون في انتظار العدالة ويرفضون أي مساومات بدأت من بعض الجهات في الحكومة بحد علمه مثل التعويض المالي. وأشار إلى أن حكومة حمدوك لم تعط أولوية للعدالة لإنصاف الضحايا ولم تفعل شيئا، ويعتقد أن المدة كافية لان تظهر نتائج أي تحقيق، خاصة فيما يتعلق بالمسؤولين في النظام البائد المقبوض عليهم في قضية فض الاعتصام فلم تتم محاكمتهم، كما لم يتم انتزاع الأموال من الفاسدين، وقال كل ما حدث هو تكوين لجان وصفها بـ “المماطلة وعدم الجدية”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية