جمع بين اللاعبين الإقليميين الكبار من غير العرب في الشرق الأوسط، وهم تركيا وإيران وإسرائيل، جمع بينهم بين 2011 و2023، وعلى الرغم من تفاوت أهدافهم وسياساتهم، التوظيف الممنهج للأداة العسكرية بصور مباشرة وغير مباشرة والسعي المستمر إلى توسيع ساحات الفعل والتأثير.
فتركيا، كانت حكومتها قبل 2011، وتحت تأثير رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية ذي التوجه السياسي الإسلامي المنتمي إليه، تحتفظ بعلاقات جيدة مع جوارها الإقليمي المباشر، بدرجة عالية مع سوريا (التي ربطت الصداقة ومقولات «الممانعة» الخطابية تجاه إسرائيل بين رئيسها السابق بشار الأسد وبين أردوغان) وبدرجات أقل مع العراق وإيران. كانت تركيا أيضا تطور علاقاتها التجارية والاقتصادية والسياسية مع حكومات الخليج ومع مصر ومع البلدان العربية في شمال إفريقيا. وتفعل ذلك وهي تبتعد عن تحالفها الأسبق مع إسرائيل الذي كان قد تبلور برعاية أمريكية في خمسينيات القرن العشرين لمنع الاتحاد السوفييتي السابق من النفاذ إلى الشرق الأوسط بموارده البترولية ولمواجهة المد القومي العربي، علما بكون ذلك التحالف الثنائي بين تركيا عضو حلف الناتو وإسرائيل القريبة للغاية من الولايات المتحدة استمر إلى أن صعد أردوغان والإسلاميون الأتراك عبر سلسلة نجاحات انتخابية محلية وبرلمانية إلى سدة الحكم مع بدايات الألفية الجديدة وإلى أن عارضت أنقرة غزو واشنطن لبغداد في 2003 بينما ساندته تل أبيب.
غير أن حكومة أردوغان وإسلاميي العدالة والتنمية، وبعد سنوات الاقتراب من الحكومات في بلاد العرب، وجدت في انتفاضات 2011 وفي الأدوار التي لعبتها في سياقاتها حركات الإسلام السياسي فرصة استراتيجية كبرى لكي تصبح تركيا الراعي الإقليمي للإسلاميين وداعمهم للوصول إلى مواقع الحكم وقبلة الوساطة بينهم وبين الغرب الأمريكي والأوروبي المتوجس خيفة من نواياهم.
هكذا اندفعت أنقرة إلى دعم أحادي لجماعات الإخوان في تونس ومصر بعد سقوط رئيسي البلدين وعلى الرغم من غياب التوافق الشعبي وخوف قطاعات واسعة بين التونسيين والمصريين من الإسلاميين، وذهبت بعيدا في دعمهم في ليبيا وسوريا واليمن على الرغم من كون الانتفاضات الشعبية هناك استحالت حروبا أهلية. ونتيجة لذلك تبدلت العلاقات الدبلوماسية والسياسية الجيدة وروابط التجارة والاستثمار التي كانت تجمع تركيا مع جل بلدان الخليج ومع دولتي العراق وإيران المتخوفتين من صعود الإسلام السياسي السني، وتبدل أيضا إلى توترات ومواجهات وصراعات القبول العام لتركيا كنموذج شرق أوسطي للتقدم الديمقراطي والدولة المدنية بين عموم القوى العلمانية العربية وبين مؤسسات الدول الوطنية في بلدان الانتفاضات التي كانت تفضل دورا تركيا يغيب عنه الاندفاع الإيديولوجي والإسلاموية.
هكذا راحت تركيا بين 2011 و2020 تسلح المعارضة الإسلامية لنظام بشار الأسد في سوريا وتسلح الإسلاميين في ليبيا وتتدخل عسكريا في البلدين بصور مختلفة، وتتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتعادي الإطاحة بهم في 2013 وتتحول إلى موطن للمعارضة الإخوانية وتهدد المصالح المصرية الحيوية والأمنية في ليبيا، وتصادق وتدعم جماعات الإسلاميين في عموم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما فيها الجماعات المسلحة والعنيفة والإرهابية ضاربة عرض الحائط بتحفظات عديد حكومات المنطقة والقوى الدولية.
التحالف الثنائي بين تركيا عضو حلف الناتو وإسرائيل القريبة للغاية من الولايات المتحدة استمر إلى أن صعد أردوغان والإسلاميون الأتراك عبر سلسلة نجاحات انتخابية محلية وبرلمانية إلى سدة الحكم
بين 2011 و2020، تورطت أنقرة بقوة في الحرب الأهلية السورية وفي الحرب الأهلية الليبية، وصار الصراع هو جوهر علاقتها مع القاهرة، وابتعدت عنها الرياض وأبو ظبي والكويت والمنامة رفضا لسياساتها العدائية وتدخلاتها في الشؤون العربية، وتوترت علاقاتها مع طهران مع تهديداتها المستمرة لنظام بشار الأسد المدعوم إيرانيا وساءت علاقاتها مع بغداد خاصة مع تواصل العمليات العسكرية التركية في شمال العراق، ورتب دعمها لجماعات الإسلام السياسي ما يشبه الحرب البادرة بينها وبين كافة القوى الإقليمية الأخرى.
وفي المجمل، كانت أنقرة بين 2011 و2020 طرفا في العدد الأكبر من الصراعات الدائرة رحاها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومتورطة فيها بأشكال عسكرية مباشرة وغير مباشرة عديدة.
غير أن هذه السياسة التوسعية ذات الجذور التاريخية العثمانية وذات الخلفية الإيديولوجية الإسلاموية التي مارستها الحكومات المتعاقبة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية بين 2011 و2020 استنزفت الكثير من موارد تركيا العسكرية والمالية والسياسية والدبلوماسية، وفرضت عليها توترات ومواجهات وصراعات مع الجوار الإقليمي ورفضا عاما لها عوضا عما كان قبل 2011 علاقات جيدة وتبادلات تجارية واستثمارية متنامية كان الاقتصاد التركي في أمس الحاجة إليها. وضعت هذه السياسة التوسعية والعنيفة تركيا على طرف النقيض مع اللاعبين العرب الكبار مصر والسعودية والإمارات، وأسفرت عن توترات إقليمية ودولية عديدة أحاطت بها.
ودفعت فداحة الثمن الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي فضلا عن الفشل الاستراتيجي العام الذي ارتبط بإخفاقات الإسلاميين المتتالية إن في الوصول إلى مواقع الحكم أو البقاء فيها على وقع خليط القلق والرفض الشعبي لهم، دفعت نخبة الحكم التركية إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه الشرق الأوسط وأدواتها وإعادة ترتيب أوراقها بهدف خفض مناسيب التورط في الحروب الأهلية ومناسيب التوتر والصراع مع دول الجوار، وبهدف إحياء روابط التجارة والاستثمار والسياسة والدبلوماسية مع الحكومات العربية ومع إيران.
بين 2020 و2023، إذا، تراجعت تركيا نسبيا عن الدعم الأحادي للجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا وإن لم تتخل بالكامل عنها، وتحولت إلى طرف فعال في عملية «الأستانة» التفاوضية مع روسيا وإيران التي هدفت إلى اعتماد تسويات سياسية تعيد استقرار دمشق. بل أن تركيا رغبت في الانفتاح الدبلوماسي على نظام بشار الأسد بعد أن أعادته البلدان العربية إلى جامعتهم، وقدم أردوغان عرضا للحوار بين الرجلين رفضه الأسد بسبب استمرار التسليح التركي للإسلاميين ووجود القوات التركية في شمال سوريا. تراجعت تركيا عن العداء المفتوح للحكومة المصرية وانفتحت على ترتيبات أمنية مشتركة في ليبيا نتج عنها شيء من الهدوء النسبي وبدأت حوارا أمنيا ودبلوماسيا معها أسفر عن تقييد دعاية المعارضة الإخوانية الموجهة ضد مصر. خفت وتيرة العمليات العسكرية التركية في العراق وتراجع دعمها العسكري والمالي لجماعات الإسلاميين المنتشرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومن ثم تحسنت علاقاتها مع بلدان الخليج وهدأت علاقاتها مع العراق وإيران. بدت التبادلات التجارية والاستثمارية مع عموم الجوار الإقليمي عائدة لمنحنى صاعد. بل أن أردوغان، وهو كان قد صار رئيسا بعد سلسلة من التعديلات الدستورية التي جعلت النظام السياسي التركي نظاما رئاسيا، انفتح قبل 7 أكتوبر 2023 جزئيا على حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو ونادى «بطبعنة» العلاقات بين البلدين.
بين 2020 و2023، كانت تركيا تغادر مواقع التوتر والصراع بالانسحاب من السياسة التوسعية ذات الخلفيات العثمانية والإسلاموية وتسعى إلى إعادة التأسيس لعلاقات طبيعية وبناءة مع جوارها الشرق أوسطي.
وبعيدا عن الحروب الكلامية بين أردوغان وحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، تماسكت المغادرة التركية لمواقع التوتر والصراع في أعقاب حدوث «طوفان الأقصى» ونشوب حرب إسرائيل الوحشية على غزة ثم على لبنان. فقط في الجوار المباشر وفي السياق السوري، وبه لم تتضح بعد حدود الدور التركي في إسقاط الجماعات الإسلامية المسلحة لنظام بشار الأسد وتفاصيل صفقات الأيام الأخيرة بشأن سوريا بين عديد الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، عادت أنقرة إلى سابق سياساتها التوسعية وإلى توظيف الأدوات العسكرية.
كاتب من مصر
هل يستطيع أردوغان قبول هذا التحدي الذي ورط نفسه به أمام كل المسلمين؟ هل يريد فعلا تحرير فلسطين أم فقط صفقات نفط وغاز؟ كيف اذا رفع الغرب يده عن دعم أردوغان نفسه؟ ماذا يحصل ؟ الى متى نبقى ألعوبة بين ايدي الغرب؟ لماذا لا نتعاون عربيا واسلاميا على أسس وعي جديدة، عربية اسلامية، لا شرقية ولا غربية؟
كان يجب ان تكون مصر ام الدنيا دورا كبيرا ومؤثرا في المنطقة ولكن شاء القدر ان ينقلب العسكر بالتعاون مع من كنا نظنهم نخبة مثقفة علي الرئيس الشرعي والذي لو بقي ما كانت تجرؤ اسرائيل علي تدمير غزه واستباحة الضفة والتعدي علي لبنان والان علي سوريا.. نسآل الله التوفيق لاخواننا السوريين وندعو الله ان يبعد عنهم جبهات الانقاذ.
انتخاب أوباما كان انتقال للسلطة من “الجمهوري” ل”الديمقراطي” ومراجعة لسياسات واجندات امريكا ، في تقييم للديمقراطي (تركيا ليست ديمقراطية) ، ولكن تشجييع أردوغان على طرح نفسه وحكمه كنموذج للإسلاميين الذين ساعدتهم امريكا في الوصول للسلطة والمشاركة فيها سيكون إيجابي
نشرت النيويورك تايمز في حينه تفاصيل ومحاضر الساعات الأخيرة لحكم مرسي والاخوان ، لم ينكروا حجم وزخم “تمرد” ولكنهم كانوا يعولون على أن أمريكا لن تتخلى عنهم “منتخبين ديمقراطيا” وستتدخل ، في البداية توهموا إنها سترسل أساطيل ، وكل عام بعدها يضخمون اقتطاع امريكا جزء من المعونة لمصر بمتعلق الحريات
بشار ارتكب نفس الخطأ ، منذ شهر شهدت تركيا عمل إرهابي انطلق من سوريا ، فمفاوضات تركيا مع النظام السوري “ابعاد الأكراد عن الحدود ووعد أردوغان في حملته الانتخابية بإعادة مليون لاجئ سوري” ، لكن الأسد كان مقتنع أنه الخيار الوحيد في سوريا وكل الأطراف ستخضع لرغباته