السياسة تحولت إلى حزب، والحزب تحول إلى مقاولة انتخابية لجلب المنفعة لبعض العائلات المقدسة في المغرب الراهن، هكذا تحولت السياسة إلى مهنة من لا مهنة له، مع ضمان تقاعد مريح مدى الحياة. لكن ألا يؤدي هذا التراجع السياسي إلى انهيار السياسة كأنبل العلوم؟ كيف يمكن للحزب السياسي أن ينتقل من صناعة النخب وتأطير المجتمع المدني إلى مقاولة لجلب المنفعة؟ وكيف يمكن التوجه نحو المال والسلطة بدلا من التوجه إلى خدمة الشعب؟
الاختلاف السياسي صداقة، لأن الأعداء يأبون السير في الطريق نفسه. فكيف يستطيعون. سنحاول أن نجعل معنى للسياسة وأن نستفيد من سؤال السياسة انطلاقا من سؤال الأخلاق. كما أن علاقة الفلاسفة والسياسة كانت علاقة متوترة منذ القدم. فصوت السياسيين لا يسمع عند الفلاسفة، كما أن صوت الفلاسفة لا يسمع عند السياسيين، ولذلك فإن السياسة عندما نسألها ونقول لها هل السياسة قادرة على خلق الحرية والعدالة والكرامة، لا نسمع الإجابة، وبعبارة أخرى ماذا يستطيع الأفراد عمله عندما ينتظمون ويفكرون من خلال حزب سياسي، وهل للسياسة أعداء؟ الذي يعني أن ننتظر خمس سنوات لتجديد الشخص الذي يزعج وجوده هؤلاء الذين ينتقدونه. يقول كارل ماركس «إن الاختلاف السياسي مع العدل متناقض» أي أن هناك صراعا فكريا وليس صراعا آخر. السياسة أيضا عندما تتحول إلى سياسة متعالية يصبح الفضاء معتما ورجعيا. ما معنى الهوية ضد الحرية والعلمانية؟ السياسة الحقيقية لا تعرف التوقف لأنها تشتغل دائما من أجل سعادة الناس.
السياسة عندما يتم رهنها في الانتخابات فهي تحدد من قبل مجموعة صغيرة من المترددين، أولئك لا يمتلكون رأيا، بل هو محدد سلفا. فالناس الذين لا يمتلكون التزاما فعليا يشكلون كتلا ثابتة يميلون أحيانا لهذا الطرف وأحيانا إلى طرف آخر. أناس سمتهم الجوهرية هي التردد، وقرارهم غير مبني على قناعة، هو قرار اللامقرر، هم الذين لم يقرروا بعد وسيقررون في الانتخابات. إذن مسألة الانتخابات بالنسبة للفيلسوف لعبة لبعض المترددين الذين يبحثون عن مصالحهم ويتركون مصلحة العامة أي مصلحة الوطن، فهذه الإشكالية هي التي سننطلق منها. سننطلق من الأخلاق للوصول إلى السياسة، عبر جزر الفلسفة، فالأخلاق هي علم السعادة، فالذين لا يعرفون السعادة من المستحيل أن يسيروا الأمة بكاملها.
فالإنسان يبحث عن السعادة، لكنه لا يعرف طريق بلوغها، وهي السياسة فلا داعي للهروب من السياسة. فالإنسان كائن سياسي لا بد من جعل السياسة تنتقل من مرحلة الفراغ الأخلاقي إلى مرحلة الامتلاء بالأخلاق، والعقل هو الذي يجعل من السياسة سياسة، ويجعل الإنسان إنسانا. ما معنى أن يكون الإنسان كائنا حرا يبحث عن الحرية، وهو يهرب من السياسة؟ النظام القديم يستثمر في الانحطاط السياسي من أجل أن يصل إلى السلطة، فالسلطة هي غاية وليس الشعب. فنحن نريد السياسة غاية وليس الشعب. فنحن نريد السياسة التي تهدف إلى الشعب، أي التي تجعل من الشعب غاية. هذه السياسة التي ستكون الإجابة عن إمكانية الحكم بالحرية، وجعل الأخلاق هدفا، وليس مدخلا للسياسة الحقيقية هي عدم الهروب من السياسة، هو ما جعل مجموعة من المترددين، الذين ليس لهم قرار ولا يعرفون ما معنى الالتزام بانتماء سياسي فهم يرتحلون من هذا إلى ذاك.