مثّل كتاب ياسين الحاج صالح «الثقافة كسياسة: المثقفون ومسؤوليتهم الاجتماعية في زمن الغيلان» نقلة مهمة في الفكر السياسي العربي، حيث اشتغل على تحليل العلاقة المعقدة بين المثقفين والسياسة. في نقاشه العديد من الشخصيات الثقافية والفكرية المؤثرة العربية، بيّن الحاج صالح كيف تكشف أشكال تعبير المثقفين الماكرة عن انحيازاتهم في السياسة.
تحاول هذه المقالة القصيرة، أن تحاذي ديناميات الثقافة في السياسة من طريق مخاتل، تظهر فيه، بعض الأمثلة، التي تقوم فيها الثقافة، في لحظات تاريخية معيّنة، باحتلال المسرح السياسي بشكل حاسم، وتصبح الثقافة هي العتلة الرئيسية في صنع الحدث السياسي.
عرضت قناتا Planete+ الفرنسية وORF (هيئة البث النمساوية) وراديو كندا، مؤخرا مسلسلا وثائقيا قصيرا بعنوان Unveiling Arafat وهو ما يمكن ترجمته بتصرف: «الكشف عن أسرار عرفات». منتجة الفيلم، ديان أمبولت ـ هيورات، فرنسية سبق لها إنتاج فيلم «القيامة: حين اجتاح هتلر الشرق» و»حين كانت باريس ألمانية» وكاتباه الفرنسيان أيضا اللذان أخرجاه، فابريس غارديل، أخرج بدوره فيلما عن الحرب العالمية الثانية، وفلوريان أوزان، الذي يقيم في لندن (حسب صفحته على فيسبوك) فلا أعمال له سابقة على ما يبدو (وهو ما يمكن أن يعني أن فكرة الوثائقي له ولقيت طلبا عند المنتجة والمخرج المشغولين بهتلر؟).
هذه المعطيات الآنفة تجعلنا نفهم، ربما، لماذا قرّ هؤلاء على إنتاج وثائقي قصير عن عرفات، كما تجعلنا نفهم أيضا بعض السطحية، التي سيتعامل بها هؤلاء مع السياق التاريخي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكذلك في التعامل مع شخصية عرفات.
يعتبر الوثائقي مثلا أن قرار الأمم المتحدة إنشاء إسرائيل كان «بسبب الهولوكوست» ما يعني أن وجود الدولة العبرية (على أرض فلسطين في القارة الآسيوية) هو نتيجة منطقية لحصول المحرقة الأوروبية لليهود الأوروبيين، قافزا بذلك على هجرة اليهود الكثيفة إلى فلسطين السابقة على المحرقة والمرتبطة بالدعاية الصهيونية، متجاهلا بذلك السياق التاريخي لكون فكرة توطين اليهود في فلسطين هي، منذ نابليون، مرتبطة بالاستعمار الغربي وتفكيك السلطنة العثمانية هذا «الحل» للمسألة اليهودية بالاستعمار الغربي، كما يتجاهل حاجة بريطانيا، خلال الحرب العالمية الأولى، للتحالف مع الحركة الصهيونية، ما أدى لإصدار وزير خارجيتها آرثر بلفور، وعده المشهور الذي ما كان ممكن التطبيق لولا الاحتلال البريطاني لفلسطين.
هل ولد عرفات في القدس؟
يبدأ الوثائقي في «كشف «أسرار عرفات» بنقض معلومة شائعة عن ولادته في القدس في 4 آب/أغسطس 1929 (كما يؤكد مركز المعلومات الفلسطيني) والأغلب أنه ولد فعلا في القاهرة، وانتقل في عمر الرابعة مع أخيه فتحي إلى القدس، حيث استقرا عند خالهما، ثم عادا للقاهرة، حيث أنهى عرفات تعليمه الأساسي والمتوسط. يتجاهل الوثائقي أيضا دور المساندة والمشاركة الذي أداه الجيش الأردني خلال معركة الكرامة عام 1968، ويرتبط ذلك بخطّ أساسيّ ضمن العمل هدفه ربط عرفات بـ»الإرهاب». يذكر الوثائقي مع ذلك أن الزعيم الفلسطيني أدان تفجير الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لطائرات مخطوفة إلى الأردن، لكنه يشير إلى علاقته الوثيقة مع جورج حبش زعيم «الجبهة» ويذكر العمل أن عرفات أدان هجوم التاسع من سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة الأمريكية، لكنّه يشير إلى أن ظهوره في شريط مصورّ وهو يتبرّع بالدم لصالح الضحايا الأمريكيين كان عملية مفبركة. تجد هذه الصلة بالإرهاب ذروة، في الوثائقي، خلال شرحه تفاصيل الهجوم على الرياضيين الإسرائيليين، الذي نفذته منظمة «أيلول الأسود» (التي يحيل اسمها إلى معارك الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية في أيلول عام 1970) خلال أولمبياد ميونيخ عام 1972، ويستشهد العمل بتسجيل لشخص مقنّع، يؤكد الصلة من خلال الزعم أن عرفات تلقّى 5 ملايين دولار من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي كمكافأة على العملية.
تنضمّ المعلومة الأخيرة إلى سلسلة من المعطيات التي يقدمها الوثائقي حول علاقة أبو عمار بالمال، بدءا من تأسيسه، في خمسينيات القرن الماضي، شركة في الكويت درّت عليه «أرباحا كبيرة» مرورا بالدعم المالي الكبير الذي تلقاه من دول عربية، وصولا إلى استخدامه المال في تثبيت سيطرته ضمن حركة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبناء على كل ذلك يصف العمل عرفات برجل التسويق الأكبر في المنطقة.
«هذه فرصتنا للتخلص منه»!
بعد انتخاب إيهود باراك رئيسا لوزراء إسرائيل (1991-2001) قرّر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أخذ المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية إلى نهاياتها الممكنة. تكثّف لحظة المفاوضات فكرة هذا المقال. كان أبو عمار، وفريق مفاوضيه، قابلون للتفاوض على طبيعة السلطة الفلسطينية، بما في ذلك الاضطرار لقبول الهيمنة الإسرائيلية على السيادة والأمن والجيش والمالية والمجالات الجوية والبحرية. توقّفت مفاوضات عرفات وباراك عند نقطة واحدة، بعد أن طلب كلينتون من عرفات قبول تقاسم حرم الجامع الأقصى في القدس مع إسرائيل. موقف عرفات كان أن الأقصى خارج التفاوض، وأن قبوله به سيجعله خائنا في نظر الفلسطينيين. نجد هنا أن السياسة قد اصطدمت، بشكل صارخ، بالمقدس الثقافي والديني، بحيث استولى السياق الثقافي/ الديني على الحلبة بشكل امتنعت بعده السياسة واستعصت. تبع ذلك ما نعلمه من هجمات تنظيم «القاعدة» في الولايات المتحدة الأمريكية (حدث انفجرت فيه عناصر الثقافة بالسياسة على كل الأصعدة).
أدرك أبو عمار، وهو السياسي الشديد الحنكة، بأن التداعيات العالمية لهجوم تنظيم «القاعدة» ستحمل في طياتها فرصة كبيرة لإسرائيل لضرب المشروع السياسي الفلسطيني (والتخلص منه شخصيا). كان انتخاب أرييل شارون رئيسا جديدا للوزراء مرآة بليغة لهذه التداعيات، وعمل شارون للاستفادة لأقصى الحدود من الحدث الأمريكي المستجد، ورفع الإدارة الأمريكية حينها شعار «الحرب على الإرهاب» بوضع المشروع السياسي الفلسطيني (وعرفات على رأسه) كهدف لهذه الحرب، وسنرى في الوثائقي شاؤول موفاز، وزير دفاع شارون، يهمس في إذنه أن هذه الفرصة الكبرى للقضاء على عرفات.
سنشهد بعد ذلك ثلاثة أعوام من حصار الجيش الإسرائيلي لمقر الرئاسة الفلسطينية (مع شبه مقاطعة رسمية عربية لعرفات!) وصولا إلى اقتحامه حيث قُتل 148 من جنود الحرس الرئاسي وجرح 400 (وقُتل 30 جنديا إسرائيليا وجُرح 127) وصولا إلى تدهور صحة عرفات بشكل كبير ونقله إلى فرنسا للعلاج حيث توفّي مع إعلان جهات فلسطينية بوجود شبهات بقيام إسرائيل بتسميمه.
إحدى أفكار الوثائقي، أن عرفات ورفاقه الذين أسسوا حركة «فتح» لم يشكّلوا أيديولوجية، بمعنى أنهم ركزوا على هدف تحرير فلسطين، والحال إن حركة «فتح» كانت حاضنة لقوس واسع من الأيديولوجيات والحركات ذات الطابع الأيديولوجي داخلها، وتحتها كان يلتقي مناضلو حزب العمال الكردستاني و»جيش التحرير الأرمني» مع «الجماعة الإسلامية» وحركة «أمل» و»جيش لبنان العربي».
بالعودة إلى فكرة سيطرة الثقافي على السياسي في اللحظة التي ذكرناها، يمكننا العبور من مقولة تيري إيغلتون إن «العلاقات بين الثقافة والسياسة متغيرة تبعا للسياق الذي تتصل به وتتفاعل معه» إلى مقولة زكي الميلاد، إن «الثقافة، من حيث المبدأ لها حاكمية على السياسة» وهو ما يصبّ بنا مجددا في مجمل أطروحات ريجيس دوبريه، ومنها أن المرء «حين يخرج من الخطأ النظري فإنه لا يعود إليه قط، وأما المعتقد الجماعي فإنه يعود دائما إليه لأنه لا يخرج منه».
كاتب من أسرة «القدس العربي»
يا استاذ حسام المحترم.المشكلة أن ما يسمى بالمثقفين العرب اليوم ليسوا الأنموذج الحقيقي للثقافة العربية كي يتم اعتمادهم في قياس فقه العلاقة بين الثقافة والسياسة من قبل السيد المؤلف.فكل شيء بدون معيار: أعور..ولو لبس اجمل الالوان.
فهم مثقفو الضرورة الملجأة لا مثقفي الأمة.
صدقت
هي جدلية مزمن صداعها، كلما افترقت السياسة عن الثقافة، أما إذا اجتمعتا فتعمران أو تعدمان بحسب كنه الثقافة التي يحملها السياسي حينذاك… وطننا العربي يعاني من أزمة بين السياسة والثقافة، فكلاهما ضعيف ومنافق، وفي الغرب يتحالفان أو يجتمعان لكنهما في كلا الحالتين شريران؛ هذا الوثائقي دليل على هاجس “معاداة السامية” في تحليل المثقف الغربي لمسيرة أبي عمار، ودليل آخر على سطوة السياسي في وطننا على المثقف العربي، المخدر إلى اليوم بلقاح التطبيع الذي اجترحه للناس الراحل عرفات.
تحياتي للسّيد الكاتب على اختياراته البعيدة عن الضجيج؛ وإنْ كانت أصلًا في خضم الضجيج.أتفق مع ( الوثائقيّ ) أنّ الرئيس عرفات كان هدفة التحرير وليس صناعة أيديولوجيا يبنى على وقع افكارها رنين الحركة…وهذا هو الذي جعله رجل جمع وطنيّ مع جميع فئات الشعب الفلسطينيّ.أما ترجمة العنوان: أظنّ أنّ الترجمة هي: { خفايا عرفات }. وحضرتك اًصحّ مني صحفيًّا في ترجمة: { Unveiling Arafat } بمعنى: الكشف عن أسرار عرفات…مع فائق التقدير.
عرفات رجل التاريخ مهما اتفقت عليه الاراء اواختلفت…تزوج القضية الفلسطينية ..التي ولدت في ضل ووضع عربي وعالمي متأزم ومعقد للغاية..بين نهاية الحرب العالمية الثانية ووقوف الدول الغربية برمتها إلى جانب إسرائيل وأنظمة عربية تسير بعكازة الغرب وأجهزة مخابراتها مما انعكس ظلها على تنظيمات المقاومة… أنظمة استبدادية ارغمت كثير من قادة الحركات على السير بنهجا طوعا اواراهابا من خلال ضخ أموال النفط الهائلة في شراء الذم او التغييب بالسجون.
أوسلو مهما تكن تداعياتها فعرفات قد سحب البساط من تحت ارجل الصهاينة..بادعائهم بأن العرب يرمون إلى رمي اليهود بالبحر…الاعتراف بحل الدولتيين عرا النظام الصهيوني بالعالم وكشف بانهم يرفضون اي مبدء للتعايش بحل الدولتيين والدليل مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد بهذا الشان اليوم المهدد بالفيتو الأمريكي.
المظاهرات التي تعم اوربا نصرة لغزة ماهي الانتاج عمل ياسر عرفات..فقبل أوسلو كان من المستحيل على الأوربي ان يرفع صوته مناصرا لفلسطين خشية من اتهامه بمناصرة الإرهاب ومعادات السامية.واليوم حتى بقلب واشنطن يرفع علم فلسطين احتجاجا
الف تحية لروحه الطاهرة
رحم الله الشهيد أبوعمار
فتح تبنت دولة ديموقراطية علمانية من النهر إلى البحر للمسلمين والمسيحيين واليهود وذات هوية عربية.
والشعار الخالد فلسطين عربية شعار تاريخي
وتبنت فتح أيضا شعار الأرض لمن يفلحها ولمن يحررها
على كل قال رئيس الشباك انذاك ان عرفات مات وهو يحلم بإزالة إسرائيل
تسلم الشهيد ابو عمار جائزة نوبل للسلام مناصفة مع رابين لكنه بقي ارهابيا في نظر الإعلام الغربي .