الشام لولا المظالم… شهادة طلال حيدر حول «سنرجع يوماً»… وبيانو تحت أنقاض بيروت

حجم الخط
4

«بمجرد أن دخلت السيدة البيروتية العجوز مي عبود ملكي (79 عاماً) بيتها المصاب في تفجير المرفأ ووجدت هذه الحال من الفوضى ذهبت فوراً إلى البيانو الخاص بها، وبدأت العزف.
وبينما كان المتطوعون يعملون على تنظيف الزجاج المكسور (دم المدينة كما يسميه عباس بيضون، أحد شعرائها) كانت مي قد شرعت بعزف مقطوعة «اولد لانج سين» أو «نشيد الوداع».
لم تلتفت السيدة إلى الأضرار الجسيمة التي أصابت بيتها البالغ من العمر ستين عاماً، وكان قد صمد أمام الحرب الأهلية، كما شهد اختراق كثير من الرصاص، فهي مشغولة بشيء وحيد الآن؛ الموسيقى، رغم أنها، وحسب حفيدتها، كما ورد في فيديو نشرته «سي أن أن» لم تعزف البيانو خلال سبعة وعشرين عاماً مضت.

انظر كم يتفوق الواقع على الأفلام، والأمل على اليأس، انظر كيف تنتصر الموسيقى في هذا الفيلم اللبناني المديد المرعب. انظر أيضاً كيف تنتصر الجدّات، كيف يستطعن إنهاض المدينة على حيلها. انظر، وقارن بذلك الغول الذي يعيش في أنفاقها رافعاً سبابته بوجهها منذ أربعين عاماً!

وضعت «سي أن أن» للفيديو عنوان «رمز للأمل وسط اليأس» ولعل السيدة كانت تتفقّد كذلك هدية زفافها الأغلى من والدها، الراية التي تسلّمتها قبل ستين عاماً، وعليها أن تسلّمها لأحفادها معافاة. كان ذلك تعبيراً نادراً ونافراً في عزّ فجيعة المدينة، حزنها المدوي، وصمتها الرمادي.
من قال إن «الحياة هي أسوأ روائي»! انظر كم يتفوق الواقع على الأفلام، والأمل على اليأس، انظر كيف تنتصر الموسيقى في هذا الفيلم اللبناني المديد المرعب. انظر أيضاً كيف تنتصر الجدّات، كيف يستطعن إنهاض المدينة على حيلها. انظر، وقارن بذلك الغول الذي يعيش في أنفاقها رافعاً سبابته بوجهها منذ أربعين عاماً!

شام المظالم

«الشام لولا المظالم كانت فوق المدن جنة» عبارة يعرفها كثير من السوريين كجزء من موال للمغني الشعبي تيسير السقا (أبو رياح)، والذي رحل أخيراً في دمشق مصاباً بفيروس كورونا، على ما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن الإعلام الرسمي لن يأتي على ذكر الفنان الشعبي الدمشقي، لا في حياته ولا في موته.
شهرة الموال إياه ترتبط بحكاية لا أحد يعرف صدقيّتها، تقول إن أبو رياح قد تعرّض للسجن بسببها، فعلى ما يبدو أن نظام حافظ الأسد بلغتْه الرسالة، وعزّ عليه أن يكنّى بنظام المظالم.

كبرتْ الأغنية (الشام لولا المظالم) مع الأيام لتصبح لسان حال شعب بأسره، وتعدّدَ المغني ليصبح ملايين من حناجر السوريين.

سألت مغنياً سورياً كان قد رثاه إن كان يعرف شيئاً عن حكاية الموال وسجن أبو رياح، فأجاب أنه سأله بالفعل في اتصال أجراه في آخر أيام حياته، وتهرّب، معذوراً، من الإجابة، مكتفياً بالقول «شغلة قديمة». كان بديهياً أن لا يعيد أبو رياح سرد الحكاية، فالمنشد الدمشقي انتقل من العيش في ظل نظام مظالم الأسد الأب إلى ما هو أفظع بكثير.
وعلى أي حال، ليس غريباً على نظام الأسدين أن يعتقل ويرهِب الناس من أجل أغنية. تلك سوريا الأسد التي يسجن فيها الناس بسبب موال. لكن كما هو واضح فقد كبرتْ الأغنية مع الأيام لتصبح لسان حال شعب بأسره، وتعدّدَ المغني ليصبح ملايين من حناجر السوريين.

رموز النظام

تناقل سكان مواقع التواصل الاجتماعي فيديو ممنتجاً لمقابلة إذاعية قديمة تعود لسنوات مع المطرب السوري نور مهنا، من دون أن نعرف لأي سبب أعيد إحياؤها الآن من جديد. وعلى الرغم من أن المقابلة لا تحتوي على كلام سياسي مباشر فقد احتفي بها من قبل المعارضين السوريين خصوصاً، فأي إشارات دلّتهم على موقف الرجل، في أي خندق يقف.
عندما يُسأَل مهنا عن مغن سوري، توضع أغنيته (التي كسّرت الدنيا حسب المذيع) تحت سمعه كي يحزر من صاحبها، لا يتمكن من الوصول إلى جواب، بل أكثر من ذلك؛ عندما يعطيه المذيع اسم المغني (حسين الديك) يقول إنه لم يسمع به ولا بأغنيته، وبالطبع لا يعقل أن يكون المرء مؤيداً للنظام السوري من دون أن يعرف من يكون حسين الديك، على الأقل.
الإشارة الثانية تأتي عندما يتحدث عن ضحايا من السوريين قضوا بالبراميل، وهذه الأخيرة منتج حصري مسجل باسم النظام السوري دون سواه من كل أنظمة الكون المتوحشة.
هكذا يختصر نور مهنا النظام برمزين، البراميل، وعائلة الديك الفنية. فأي حال يكون عليه نظام هذه رموزه!

سنرجع.. إلى الجدل

كتب الأديب السوري المخضرم والموثوق غازي أبو عقل على صفحته في فيسبوك منشوراً بخصوص الجدل حول قصيدة الأخوين رحباني المغناة، والتي يشاع خطأ أنها للشاعر الفلسطيني الراحل أخيراً هارون هاشم رشيد، وعطفاً على ما نشرناه في هذه الزاوية منذ أسبوعين ( 3 – أغسطس/آب 2020)، يقول: «نشرتْ جريدة عربية مهاجرة إلى لندن، في مناسبة رحيل الشاعر هارون هاشم رشيد، نبذة عن نسبة قصيدة «سنرجع يوماً إلى حينا» إليه ، أم الى عاصي ومنصور.. ومع أن الكاتب توصّل إلى أنها رحبانية بنسبة تتجاوز الثمانية والتسعين في المئة، قلت لنفسي سَل من كان بها خبيراً… فتوجهتُ بالسؤال إلى الشاعر طلال حيدر فأجابني برسالة صوتية ولا أوضَح:

«غازي، بالنسبة لقصيدة هارون رشيد، له مطلع القصيدة «سنرجع يوماً إلى حينا» أخذه عاصي ومنصور واشتغلا القصيدة كلّها».

طلال حيدر: بالنسبة لقصيدة هارون رشيد، له مطلع القصيدة «سنرجع يوماً إلى حينا» أخذه عاصي ومنصور واشتغلا القصيدة كلّها.

شهادة، إن صحّت، تحسم الجدل بنسبة القصيدة للأخوين رحباني، فبالتأكيد لا تكفي عبارة من أربع كلمات حتى لاعتبار القصيدة المغناة عملاً مشتركاً بين شاعرين.
يبقى أن يطلّ طلال حيدر ويفصّل في الأمر؛ كيف عرف بأمر القصيدة، هل روى أحد الأخوين رحباني، أو كلاهما، له ذلك شخصياً، أم من الشاعر هارون هاشم رشيد، أم عبر وسطاء آخرين.

٭ كاتب فلسطيني سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عمر محمود:

    اخ راشد قصيدة سنرجع يوما الى حينا ليست لهارون هاشم رشيد و لا للرحابنة
    انها لشاعر فلسطين الكبير عبد الكريم الكرمي المشهور بأبي سلمى ابن مدينة طولكرم

  2. يقول AMMAR:

    الشام لولا المظالم كانت فوق المدن جنة

  3. يقول عمر محمود:

    سنرجع يوما هي لشاعر فلسطين عبد الكريم الكرمي المكنى بأبي سلمى ابن مدينة طولكرم

  4. يقول فائق الناطور:

    ردا على الأخ الذي يقول بأن القصيدة للشاعر عبد الكريم الكرمي،ليس صحيحاً اخي العزيز.لأن القصيدة لم ترد في أي من دواوينه الشعرية،واسلوب الكرمي يختلف تماماً.
    كيف يمشي القلم المأجور في ساحة تجتاحها النار اجتياحا

    في صرير القلم الحُرّ صدى ثورة الشعب هتافاً وصداحا

    حاربوا الظلم مدى الدهر إلى أن يرفّ الكون طهراً وصلاحا

    وإذا المستعمرون انتشروا يملأون الأرض جوراً واجتراحا

    حرّروا الدّنيا من استعمارهم شرف الإنسان أن يقضي كفاحا

اشترك في قائمتنا البريدية