صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر لبنان 2022 كتاب «الشخصية المتمردة في الرواية النسوية العراقية في نماذج مختارة 2003- 2013» للناقدة العراقية حنان محمود جميل، وهو ينفتح على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة ومسرد للمصادر والمراجع، كانت المقدمة عتبةً متميزة حملت أكثر من إشارة دالة على أهمية الكتاب، ومنهج تأليفه، ومشكلة البحث فيه، دون أن تخوض الناقدة في مصطلح الرواية النسوية، إيمانا منها بعدم جدوى إعادة ما أنتج حول المصطلح، مكتفية بأن الرواية النسوية هي التي كتبتها امرأة تنتمي إلى جنس النساء، بوصفها الأقدر على كتابة همومها ورصد واقعها، فضلا عن أنها – الناقدة – امرأة وعت دورها الثقافي وتريد أن تكشف ما دار في خلد الروائيات، من خلال كتاباتهن السردية؛ ولهذا وقع اختيارها على قسم من الروايات النسوية لاستحالة دراسة ما أنتج من كم هائل من روايات، كتبتها روائيات عراقيات في مدة الدراسة.
رأت الناقدة حنان محمود جميل أن هدف دراستها يتمثل في الكشف عن نزعات الشخصية المتمردة في الرواية النسوية العراقية، مع بيان أسباب التمرد، من خلال الإجابة عن سؤال مهم مؤداه؛ كيف وظفت الروائية شخصياتها المتمردة من خلال سردها، وترى الناقدة أن الشخصية أهم مرتكزات الرواية، والتمرد صفة تلازم سيرة حياتها، وقد حددت زمن الدراسة بين الأعوام التي ظهرت في العنوان، فالناقدة ترى أن عام 2003 هو عام الاحتلال الأمريكي للعراق، فهو عام مفصلي في تاريخ البلاد، فضلا عن أن عام 2013 هو عام مفصلي آخر تمثل في ظهور «داعش» واحتلال ثلث الأرض العراقية، لتتبين تمرد الشخصيات ومظاهر ذلك التمرد من خلال مجتمع الروايات التي بلغ عددها إحدى عشرة رواية لروائيات معروفات هن: أنعام كجةجي، وعالية ممدوح، لطفية الدليمي، ميسلون هادي، هدية حسين، تم اختيار الروايات بدقة واضحة وقد عرّجت الناقدة على أهمية عنوان الكتاب وأهدافه المعلنة من خلال السؤال المركزي: كيف قدمت الروائية شخصياتها المتمردة؟ معتمدة منهجا ثقافيا أفاد من المناهج الأخرى، واستغنى عن جماليات اللغة، وعباراتها الرنانة، وقد اعتمدت مراجع لها صلة بطبيعة الشخصية الروائية، وفضاء اشتغالها.
لقد تبين لي أن الناقدة لم تعتمد المنهج الثقافي كما قالت؛ ذلك الذي يبحث عن النسق المضمر من خلال النسق الظاهر، مع علمي أنه ليس منهجا إنما هو نشاط، أو ممارسات تقتفي أثر النصوص والمظاهر معا، فقد اعتمدت الدراسات الثقافية رؤية في كتابها، وهو مصطلحٌ يشير إلى ممارسات متداخلة المعارف (Interdisciplinary) تهدف إلى فهم الظواهر الثقافية، من خلال القراءة الخاصة في الأيديولوجيات، والعنف والهوية والجنون، والأعراق والجنس والجندر، والجسد والذكورة، والأنا والآخر، والهويات، والعنف والتمرد أيضا بوصفه ثقافة مجتمعية قاهرة.
كان الفصل الأول من الكتاب (الشخصية الروائية) لقد درست فيه المفهوم والاهمية وطرائق التقديم، فهو بمنزلة التمهيد الذي قرأ الشخصية الروائية من جميع جوانبها، بدءا من أهميتها ورأي علم النفس فيها، فضلا عن رأي علم الاجتماع، والفلسفة وقوفا عند مفهومها في العمل الروائي عند النقاد الغربيين والعرب، وانتهاء بأثرها في النص الروائي، وطرائق عرضها سرديا، ولاسيما تقديمها بوساطة الراوي، وغيره، وبنفسها أيضا من خلال لغة السرد والحوار ودلالة الاسم، والوصف وهي تمور بين التقليديين من النقاد والبنيويين.
خلصت الناقدة إلى جملة نتائج لعل من أهمها؛ أن الرواية النسوية في العراق قدمت الواقع بخيره وشره، من خلال القهر الذي لاحق المرأة والرجل على أن القهر النفسي المزدوج كان من نصيب المرأة حسب، ما أدى إلى الهجرة خارج البلاد، وكشفت الخاتمة عن غياب الأمن النفسي للمواطن العراقي، في ظل وضع قلق كما هو في مجتمع الروايات.
في الفصل الثاني (أنماط الشخصية في الرواية النسوية) ناقشت الناقدة في ستة مباحث أنماط الشخصية في الروايات قيد النقد، وأنماطها عند النقاد، ثم عرّجت على أنماط الشخصيات، ووظائفها لتقف عند تصنيف الشخصيات وفق أدوارها، وهي الشخصيات الرئيسية والثانوية، ثم الهامشية والمستعارة والمعقدة والبسيطة، لتكتمل رؤيتها النقدية عند أبعاد الشخصية الروائية وأنواع الشخصيات في الروايات النسوية، وهو حقل الإجراء النقدي بحق الروايات المختارة فوجدت شخصية المرأة بين فاقدة لأنوثتها بسبب ويلات الحروب والمآسي التي عاشتها في ظل مجتمع تسحق قيمه ماكنة الحياة الظالمة، وهي تفرض سطوتها على شخصيتي الرجل والمرأة معا، ولهذا برزت شخصية المهاجر الذي يطمع بالخلاص من محن الوطن، الذي لم يعد صالحا للعيش، ثم نقرأ بشيء من التفصيل عن شخصية المرأة المقهورة التي نالها القهر النفسي والاجتماعي والاقتصادي بكل ما يملك من سطوة قاتلة، لتقف عند الشخصية الانتهازية، التي يمكنها العيش في الأحوال كلها؛ فهي حاضرة للخدمة بدءا من خدمة الحكومات الوطنية، وانتهاء بخدمة المحتل الأجنبي، لقد استطاعت الناقدة في هذا الفصل، سبر متون الروايات محتكمة عند الشخصيات التي أباحت بأسرارها وهي تواجه سلطة النقد.
في الفصل الثالث والأخير (الشخصية المتمردة) ناقشت الناقدة مفهوم التمرد ولا أدري لم قدمت المفهوم على التمرد لغة، ثم عادت إلى التمرد اصطلاحا وقد أيقنت أنه مصطلح موزع بين حقول معرفية مختلفة؛ فهو مصطلح نفسي، واجتماعي يدخل في حقل الأدب والفن، لكنه في جميعها يبحث عن المغايرة، وهو في النهاية يمثل خروجا على السلطة والمألوف بوصفه قوة فكرية انفعالية لها ما يسوغ وجودها في المجتمع.
انفتح الفصل على أنماط التمرد في الرواية النسوية عينة النقد لنجده يتوزع على أنماط مهمة هي: التمرد على السلطة الأبوية، وهذا ما وجدته الناقدة في رواية «الأجنبية» لعالية ممدوح حين تسعى الساردة إلى الحرية بعد أن عتقت سنوات ليست بالقليلة في ظل التسلط البطريركي المقيت، وهو عين ما فعلته زينب في رواية ميسلون هادي «زينب وماري وياسمين» وتوقفت الناقدة عند (التمرد على السلطة السياسية) وهو ما وجدته في رواية ميسلون هادي «نبوءة فرعون» ورواية هدية حسين «في الطريق إليهم» وكان للناقدة أن عثرت على نوع آخر من التمرد سمته (التمرد على السلطة الدينية والاجتماعية) ممثلا في البطلة زينة العراقية الأصل المتجنسة بالجنسية الأمريكية في رواية «الحفيدة الأمريكية» للروائية إنعام كجة جي، وقد عادت مقاتلة في صفوف الأمريكيين في بغداد، وكانت لها الرغبة في غواية أخيها في الرضاعة، وممارسة المحرم اجتماعيا، وفي مواقف أخرى ظهرت الحفيدة بلا صلة بأرض الأجداد وثقافتها، ورصدت الناقدة (التمرد على الواقع) من خلال سيرة ختام في رواية «حلم وردي فاتح جدا» للروائية ميسلون هادي في عدة مواقف.
في خاتمة الكتاب خلصت الناقدة إلى جملة نتائج لعل من أهمها؛ أن الرواية النسوية في العراق قدمت الواقع بخيره وشره، من خلال القهر الذي لاحق المرأة والرجل على أن القهر النفسي المزدوج كان من نصيب المرأة حسب، ما أدى إلى الهجرة خارج البلاد، وكشفت الخاتمة عن غياب الأمن النفسي للمواطن العراقي، في ظل وضع قلق كما هو في مجتمع الروايات، وقدمت الخاتمة نقدا شديدا لقسم من العادات الاجتماعية التي تتعلق بتعنيف المرأة، ولاسيما في الريف، ووقفت الخاتمة عند فضح الروايات لأسطورة الديمقراطية التي جاءت بها أمريكا للعراق، فقد تبين للجميع أنها ديكتاتورية بلباس جديد، وكشفت الرواية عن ميول الروائيات السياسية بين ميل بعضهن إلى الشيوعية، أو الملكية، ولم تظهر الخاتمة أي ميل نحو السلطة الحاكمة التي تعرضت للنقد الشديد سرديا، وقد كشفت الخاتمة عن أنماط من التخلف الاجتماعي الذي هو الأساس في وجود القهر الذي مورس ضد الإنسان العراقي. وخلصت الناقدة إلى أن حقيقة أن الروايات التي تناولتها بالنقد، حملت هموم الوطن والمواطن العراقي، وكشفت عن الواقع السياسي والاجتماعي والسوء الذي لحق الفرد والمرأة بشكل خاص، وأن الروائية العراقية نجحت في بث همومها، وتقديم الأسباب التي أدت إلى تمردها في سرد الروايات الذي هو تمثيل لتمرد حقيقي واجه المجتمع العراقي بعد الاحتلال الأمريكي البغيض.
تأتي أهمية هذا الكتاب من زاويتين؛ الأولى أن مجموع الروايات التي خضعت لدراسة الناقدة، هي متون سردية تقع خارج الترف السردي الذي يظهر أحيانا عند بعض الروائيين؛ لأنها كانت الأقرب إلى طبيعة المجتمع العراقي، وثقافته التي عانت الأمرين جراء الاحتلال، أما الزاوية الأخرى فتتمثل في إخلاص الناقدة لوظيفتها الأدبية التي احتكمت إلى نصوص تنتظر قراءات أخرى تقع على عاتقها كشف المضمرات، والمهيمنات التي تسبح بين سطور الروايات، ومقاصدها.
أكاديمي وناقد من العراق