الشرق الأوسط الجديد… وتصفية القضية الفلسطينية

الحديث عن شرق أوسط جديد، خفت الآن، وحل محله التهجير الترامبي لفلسطينيي غزة، التهجير الترامبي من وجهة نظري يقع في الخانة ذاتها، خانة الشرق الأوسط الجديد.. والغاية منه؛ خدمة إسرائيل والبقاء التوسعي العنصري المستدام لها، وجعلها مصنع المواد في الشرق الأوسط، بشقيها العسكري والمدني، إضافة إلى جعلها مركزا للمال والأعمال والتجارة؛ وأداة لتقسيم المقسم من أوطان العرب، على أسس طائفية وعرقية وإثنية. لماذا؟
أولا، كي تتسيد (إسرائيل)، ثانيا، كي تطمئن تماما لوجودها الدخيل في المنطقة العربية وفي جوارها، ثالثا، كي تكون قوة إقليمية كبرى ترعى وتحمي مصالح أمريكا والغرب وبالإنابة عنهما. أمريكا وعلى لسان بايدن في تصريح له خلال ولايته، يصف فيه وجود إسرائيل في المنطقة العربية؛ (بالمعنى وليس حرفيا) أن إسرائيل ووجودها في قلب المنطقة العربية كان له تأثير كبير في حماية المصالح الأمريكية الاستراتيجية، في الوطن العربي. كما أنه لم يكلف أمريكا السفن والبوارج في بحار المنطقة وفي بحار ومحيطات العالم؛ عليه فإن حماية إسرائيل ووجودها، مصلحة أمريكية ذاتية، قبل أن تكون مصلحة إسرائيلية، وأن إسرائيل، حتى لو لم توجد، فمن واجب أمريكا وضرورة مصالحها الاستراتيجية أن تعمل على إيجادها. لا أحد في العالم؛ من الدول العظمى والكبرى، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وبالذات الصين وروسيا؛ سأل قادة الكيان الإسرائيلي، لماذا لا تكون لإسرائيل حدود كما بقية دول العالم، وما غايتها من عدم رسم حدودها رسميا على خريطة العالم، كدولة عضو في الهيئة الأممية؛ يفترض بها، كما غيرها من الدول الالتزام بتنفيذ القرارات الأممية، خاصة القرارين 248، و338.
هذا الامتناع جاء للأسباب التالية؛ الأول، استمرار التوسع الإسرائيلي على حساب أرض فلسطين وأرض العرب المجاورة لفلسطين؛ وهو الأهم والأخطر، والأكثر رسوخا وثباتا في العقل التوسعي الصهيوني. وثانيا، خرقها للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ بالامتناع عن الانسحاب من الأرض الفلسطينية التي كانت قد احتلتها، في يونيو 1967، بما فيها القدس. ثالثا، تنصلها عن تنفيذ اتفاقات أوسلو.. ولم تجبرها أمريكا على تنفيذها بصفتها الراعية لهذه الاتفاقات. كما أن الرباعية الدولية؛ أمريكا وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم تقم بما يجب عليها القيام به؛ بالضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ لتنفيذ تلك البنود.
الاعتراف العربي بها، وبجغرافيتها الحالية من قبل الأنظمة العربية المطبعة، من دون أن يتضمن هذا التطبيع بندا ملزما لإسرائيل بالانسحاب من الأرض الفلسطينية والعربية، أو التزاما قانونيا بهذا؛ بل على العكس تماما، لم يكن لهذا الالتزام القانوني وجود في كل عمليات التطبيع المجاني السابقة، أو التي ستأتي، ولو بعد حين، أما التصريح بأن في كل عمليات التطبيع بندا أو بنودا ملزمة لإسرائيل؛ بإقامة دولة فلسطينية؛ ما هو إلا تخدير مقصود للفلسطينيين وللشعوب العربية في تلك الدول العربية المطبعة. إن المتابع لتصريحات كل المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين وغيرهما؛ يتأكد أن الجميع يبشرون بإقامة الشرق الأوسط الجديد؛ كبداية عصر جديد من التعاون والسلام والاستقرار في المنطقة العربية وفي جوارها. رغم الأوضاع الحبلى بكل المتغيرات والتحولات المقبلة؛ بتخطيط وقصدية هادفة لتحقيق الأحلام الإمبريالية الأمريكية والغربية والصهيونية، وبقية القوى الكبرى، فإن الأرض العربية، ثكلى بحمل ثقيل ونشيط الحركة؛ ينتظر الفرصة، للخروج من الفضاءات المظلمة، التي تحوطها جدران من استبداد وظلم ومصادرة الرأي وحرية الكلمة وحرية واستقلال وسيادة الوطن من النظام الرسمي العربي؛ للخروج الى فضاءات السيادة والقرار المستقل، كما حدث مؤخرا في سوريا؛ إذ تخلت روسيا عن النظام الديكتاتوري السوري. النظام الرسمي العربي، الذي هو، في الجانب الثاني من المشهد، في القنوات الخلفية؛ يظهر كل آيات الركوع والانبطاح للغول الأمريكي ولغير الأمريكي. بهذا الانبطاح يعمل بالضد من مصالح الأوطان العربية وشعوبها؛ في مساعدة الغولين الأمريكي وتابعه الصهيوني في التسريع بإقامة الشرق الأوسط الجديد، وتصفية القضية الفلسطينية. وما التهجير الترامبي لفلسطينيي غزة، وحتى المخطط المعلن في تهجير فلسطينيي شمال الضفة الغربية تمهيدا لضمها، إلا نتيجة هذا الرضوخ والانبطاح العربي (النظام الرسمي العربي) للغولين الأمريكي الترامبي والكيان الصهيوني العنصري التوسعي المجرم؛ سواء بقصد أو من غير قصد. يظن النظام العربي أن هذا سيضمن له البقاء جالسا على كرسي الحكم ومن بعده ورثته؛ في قراءة خاطئة تماما للتحولات والتغييرات المستقبلية، ولو بعد حين؛ وما التهجير إلا لبدايتين مترابطتين؛ تصفية القضية الفلسطينية، وإقامة الشرق الأوسط الجديد.

سوف تظهر مقاومة الشعوب العربية؛ للمشروع الاستعماري، حتما، وبحكم ضرورة الواقع حاليا والمتغير في المقبل من الزمن

إن الأنظمة العربية المطبعة سواء الرسمي منها، أو غير الرسمي إلى الآن؛ تتناسى أن الشعوب العربية، وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية؛ مستمرة بلا تراجع او مهادنة؛ في رفع راية الكفاح والنضال من أجل إفشال هذا المشروع. هؤلاء المناضلون او المكافحون او المجاهدون، الذين سيواجهون مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتصفية القضية الفلسطينية، سيهزون هزا عنيفا ومنتجا؛ استقرار وديمومة أنظمة التطبيع العربي الرسمي وغير الرسمي؛ التي من دون رضوخهم للغولين الأمريكي والصهيوني؛ لا وجود لمشروع الشرق الأوسط الجديد، ولا لتصفية القضية الفلسطينية، حتى ولو كفكرة. هذا ليس من بنات الأحلام والخيال، بل هو واقع موضوعي يعتمل ويتفاعل في أذهان ونفوس الشعوب العربية؛ في انتظار أي شرارة تفعل فعل الرفض والمقاومة؛ لجهة زيادة هذا الفعل في الشدة والتوسع والتعميق، والشمول؛ لا المحدودية كما هو حاصل حاليا، وأقصد المقاومة العربية للمشروع الاستعماري هذا، وليس المقاومة الفلسطينية؛ فهي في أوجها في الوقت الحاضر. سوف تظهر مقاومة الشعوب العربية؛ لهذا المشروع الاستعماري، حتما، وبحكم ضرورة الواقع حاليا والمتغير في المقبل من الزمن، والذي تلوح الآن وبكل وضوح مخاطره، لكل ذي بصيرة ثاقبة في قراءة عوامل الصراع الموضوعية، ومعطيات الواقع المتحرك على الأرض، ومحطاته النهائية ومآلاته الختامية؛ التي ستمس وجودهم ووجود دولهم لجهة حدودها الجغرافية، التي سيطالها هذا المتغير الذي تعمل وتسعى له وبكل قوة أمريكا والغرب والكيان الإسرائيلي.
إن مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتصفية القضية الفلسطينية، وبدايته، في التهجير الترامبي النتنياهوي؛ هو مشروع أمريكي إسرائيلي، سيئ النية والصيت والتخطيط والأهداف؛ الغاية منه هدفان متلازمان، أو هما في علاقة جدلية؛ وجود أحد الهدفين مرتبط ارتباطا عضويا بالهدف الآخر، الأول هو بقاء هيمنة أمريكا والغرب على العالم، والثاني، هو جعل الكيان الإسرائيلي دولة طبيعية، وقوة إقليمية كبرى، ومركزا صناعيا وتجاريا وماليا واستخباراتيا. ختاما أقول إن الفشل الذريع هو المصير الذي ينتظره، لا محال.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    ههه بل أوهام الشرق الأوسط للتعيس ترامب المتصهين الأرعن المجنون الذي ينقاد من حتفه وحتف النتن ياهو ✌️🇵🇸☹️🔥🐒🚀

اشترك في قائمتنا البريدية