أثقل عام 2023 كاهل السوريين بمزيد من الأزمات الإنسانية والاقتصادية، من غياب للاستقرار والأمن إلى كارثة الزلزال التي تركت آثارا مجتمعية ونفسية يصعب تلافيها في الوقت المنظور جراء الخسائر الكبيرة في الأرواح.
الشعب السوري بقطبيه الموالي والمعارض استقبل شهر رمضان بدرجات متفاوتة أحيانا ومتقاربة أحيانا من المعاناة، ولعل انعدام الاستقرار الغذائي والانهيار الاقتصادي هما العاملان المشتركان الأكبر بينهما، فيما يبدو سكان شمال غرب سوريا هم الأضعف بعد تعرض غالبيتهم للتشرد مجددا بعد زلزال شباط/فبراير.
مديرة الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري كندة حواصلي رأت أن أوضاع السوريين خلال شهر رمضان مختلفة باختلاف المناطق والدول التي يعيشون فيها، فالذين داخل البلاد أوضاعهم مختلفة عن الذين يتواجدون في تركيا وهي مختلفة أيضا عن الذين يعيشون في أوروبا.
ففي تركيا على سبيل المثال، هناك تغير في علاقة السوريين مع شهر رمضان، جراء غياب الشبكات الاجتماعية وتشتت العائلات داخل تركيا، خاصة مع توجه نسبة من الشباب أو من القائمين على إعالة عائلاتهم في التفكير بالهجرة عن تركيا، فبعضهم سلك طريق الهجرة وآخرون ينتظرون لم الشمل في دول أخرى، وجزء فُقد خلال رحلة الهجرة، وبالتالي يبقى المستقبل مجهولا، وهي عوامل أثرت على العائلات خلال شهر رمضان، خاصة غياب اجتماع الأسر على مائدة رمضانية واحدة.
إحياء الذكريات
شهر رمضان وفق ما قالته حواصلي لـ «القدس العربي» هو مناسبة سنوية لإعادة شريط الذكريات، من ناحية كيف كانت العائلات تجتمع على طاولة واحدة، وكيف كانت تمارس الروحانيات والإفطار الجماعي والشعائر.
كل المعوقات لم تنه التقاليد والعادات الرمضانية لدى السوريين في تركيا، فهم أظهروا مرونة في التعامل مع الغربة، وأعادوا إحياء بعض الطقوس الرمضانية في تركيا نتيجة دخولهم أسواق العمل، ما أدى إلى توفير كل ما كان موجودا في سوريا للسوريين في تركيا، في مساعيهم للحفاظ على عاداتهم الرمضانية وتراثهم خلال الشهر الفضيل، والتخفيف من وطأة الغربة.
يقول أسامة الخالد وهو لاجئ سوري مقيم في ألمانيا لـ «القدس العربي»: شهر رمضان يمر على السوريين في ألمانيا بشكل مختلف عن الأجواء المعروفة، فرغم توفر المحال السورية، تبدو الغربة هي السمة الأبرز.
العائلات تضطر لخلق حالة مشابهة للأجواء الرمضانية السورية لتعريف الأطفال بالشهر الفضيل، إلا أن العديد من الفعاليات تبقى غير موجودة.
ويستطرد قائلا: العديد من العائلات السورية تتوجه نحو المساجد العربية أو التركية المتوفرة في المناطق القريبة من مناطق السكن بصحبة الأطفال لتعريفهم بأجواء رمضان، وبعضهم يصطحب أطفاله نحو المساجد التركية بسبب قيامها بتوفير موائد رمضانية جماعية، وهي محاولة من قبل بعض العائلات للبحث عن الأنشطة الرمضانية ضمن الجالية المسلمة.
من جانبها، أعادت مديرة الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري كندة حواصلي، اختلاف الأنشطة الرمضانية للسوريين في أوروبا إلى ضعف نشاط الجاليات المسلمة، فقد يكون الشخص في أماكن لا تتوفر فيها أنشطة أو مساجد تساعدهم على إحياء الشعائر.
الشمال معاناة
أمنيات لم تتحقق لأم صالح، المسنة من بلدة عزمارين غربي إدلب، كانت وفق الدفاع المدني، ترسم لاستقبال أبنائها وأطفالهم على مائدة رمضان في أول أيامه، لكن القدر جاء على عكس أمنياتها فالزلزال المدمر نسف تلك الأمنيات بوفاة ابنها مع أطفاله الأربعة وزوجته وحول منزلهم إلى ركام اختنقت تحته كل الذكريات والأحلام التي كانت ترسمها وباتت تبحث عنها اليوم بين الأنقاض علّها تجد ما يؤنس حزنها العميق.
يضاف إلى كل ما سبق وفق الناشط السياسي مازن أبو حازم المتواجد في الشمال السوري لـ «القدس العربي»: تشرد بعض الأسر التي فقدت بيتها جراء الزلزال، والتي أصبحت تعيش الآن في خيمة ضعيفة لا تحميهم من برد الشتاء ولا حر الصيف، وغياب المساعدات الإنسانية التي كانت خجولة.
بالإضافة لذلك هناك ضعف بالقوة الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار وارتباطها بالدولار، واقتصار احتياجات الأسرة على الحد الأدنى من ضروريات البيت وغياب كثير من العادات التي اعتادت عليها الأسر سابقا كأطباق الحلوى والمشروبات الرمضانية.
فيما يقول المحامي السوري عبد الناصر حوشان لـ «القدس العربي»: أبرز التقاليد الرمضانية هي الإفطار الجماعي في بيت العائلة الكبير في أول أيام الشهر، وكذلك من عاداتنا التسوق ما بين صلاة العصر والغروب وشراء المعروك الطازج والعرقسوس والتمر هندي، وصلاة القيام وقراءة القرآن، وإحياء ليلة القدر بالصلاة والقيام والذكر حتى مطلع الفجر.
لكن بسبب حالة التهجير القسري وتباعد المسافات بينهم وفقدان الأهل والأصدقاء لم تعد هذه الطقوس والعادات موجودة كسابق عهدها.
كندة حواصلي أشارت إلى ترافق شهر رمضان في شمال سوريا مع حملات إغاثية وإنسانية تقوم بها المنظمات، من أجل جمع التبرعات وصرف أموال الزكاة، خاصة أن غالبية المنظمات تمتلك مطابخ إغاثية، تهيئ للعائلات المتواجدة في مخيم واحد مائدة إفطار مشتركة، وهي أجواء تجاوزت المائدة الرمضانية العائلية.
لكن هذه الأنشطة تحمل في جعبتها ملامح سلبية في ذات الوقت، من خلال تكريس حالة الاعتماد على المساعدات، وفي حال عدم توفير هذه المساعدات لهم نشهد حالة من السخط بحق المنظمات، كما لا نجد كل المنظمات في نفس مستوى الجاهزية والرقابة، وفي بعض الأحيان نشهد حالات تسمم غذائية، وفي العموم تبقى الموائد الرمضانية في الشمال السوري حلا جراء ارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية لدى المجتمع المحلي.
الغلاء العدو الاقتصادي
الباحث السوري عبد الرحمن عبارة، قال بدوره: الغلاء هو أكثر ما يعاني منه الشعب السوري مع حلول شهر رمضان، فارتفاع الأسعار يتسبب في إضعاف تأثير الحوالات المالية المقدمة من السوريين في خارج البلاد، فعلى سبيل المثال، كانت العديد من الأسر تستطيع سابقا تحقق أدنى درجات الاكتفاء الغذائي لمدة شهر بمبلغ 100 دولار أمريكي، أما اليوم فهذا المبلغ لم يعد كافيا لمنتصف الشهر.
السوريون وفق المتحدث يشتهرون بالموائد الرمضانية وأن المطبخ السوري من أشهر المطابخ العربية، لكن اليوم تنوع المائدة السورية لم يعد كسابق عهده، فالموائد الرمضانية المتنوعة باتت من النوادر، كما أن الطبقة المجتمعية الوسطى قد انعدمت بقابل تضاعف طبقة الفقراء.
التقاليد والعادات الرمضانية وفق المتحدث، معروفة من السحور للإفطار الجماعي وصلاة التراويح، ثم اللقاءات العائلية، وكانت عزائم رمضان من أشهر البرامج الرمضانية المنتشرة، لكنها تحجمت إلى حد كبير جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
من جانبها، قالت مريم إبراهيم وهي مقيمة في مناطق سيطرة النظام السوري لـ «القدس العربي»: العائلات تعيش معاناة معيشية خانقة منذ سنوات، وتواجه نسبة كبرى من الأسر امتحانا حقيقيا في تأمين مائدة طعام، فالأجور متدنية للغاية والهوة الاقتصادية بين الدخل والقدرات الشرائية كبيرة.
أسواق السوريين
تأثر شهر رمضان في سوريا وفق الباحث درويش خليفة بالمتغيرات السياسية ومواقف الحلفاء، وهو تأثر كان جليا منذ عدة سنوات بعد أن كان النظام السوري يعلن عن بدء شهر رمضان بالتناغم والتنسيق مع الإعلان الإيراني، في حين أن مناطق سيطرة المعارضة السورية تأثر شهر رمضان فيها بالمواقف السياسية من خلال تبني الإجماع العربي والصيام مع تركيا.
وهو ما يمكن وصفه بتأثر شهر رمضان بالمواقف السياسية والصيام مع الحلفاء سواء من جهة النظام أو المعارضة، كما شملت التأثيرات السياسية على الصيام في سوريا من خلال تأثر الأسواق المحلية بأسواق الحلفاء، فعلى سبيل المثال شهدت أسواق مناطق السيطرة النظام انتشارا غير مسبوق للبضائع والمنتجات الإيرانية والتمور وغيرها، أما في مناطق سيطرة الشمال السوري بشقية الغربي والشرق فإن غالبية المواد الغذائية المستخدمة مستوردة من تركيا.