الضفة الغربية ودعاية «لا مستقبل في فلسطين»

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ «القدس العربي»: وأنت تسير متنقلا بين مدن الضفة الغربية المقطعة بالحواجز والمستوطنين ستواجهك إحدى اليافطات الضخمة على جانبي الطرق «تبشر» الفلسطينيين باللغة العربية بإنه لا مستقبل لهم في فلسطين.
يمكن القول إن هذه العبارة المكثفة تعكس جوهر الخطاب الدعائي الذي يوجه للفلسطينيين في هذه الأيام في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، حيث تترافق العبارة مع صورة تظهر عملية إخلاء السكان من قطاع غزة.
هنا تحديدا لا تعمل الدعاية الإسرائيلية لوحدها على جانبي الطرقات التي تفصل المدن الفلسطينية المحاصرة، بل تعمل كجزء من نهج أكبر وممارسات على أرض الواقع في عموم الجغرافيا الفلسطينية.
وكانت المنظمة الصهيونية «النضال من أجل الحياة» قد أطلقت الحملة الجديدة منذ أكثر من شهرين، والفكرة التي تروج لها هي أن «المزيد من العرب يفكرون في الهجرة، حان الوقت لإخبارهم الحقيقة» حيث تهدف إلى تشجيع الهجرة من خلال لوحات إعلانية منتشرة في طرقات الضفة الغربية.
وفقاً لتصريحات المنظمة، فإن الهدف من الحملة هو منع الأوهام بين الجمهور العربي في الضفة الغربية، وتشجيع اتجاه متزايد للرغبة في الهجرة.
ممثلون عن المنظمة قالوا: «لسنوات طويلة تم خداع العرب بأنهم سيحصلون على دولة فلسطينية، مما زاد من آمالهم ودفعهم للقيام بعمليات عدائية».
وأضافوا: «في العام الأخير، نلاحظ ظاهرة متزايدة في الضفة الغربية، حيث قرر العديد من العرب الهجرة إلى الخارج أو يفكرون في ذلك بوضوح، بعدما أدركوا أن المجتمع الإسرائيلي اتخذ قراراً بعدم إقامة دولة فلسطينية بالقرب من مطار بن غوريون».
وأشاروا إلى أن «بعد الأحداث الأخيرة، فهم الجميع: لا يمكن العيش بجانب عدو. إما نحن أو هم. في نهاية المطاف، شعب إسرائيل سيسيطر على كل أرض إسرائيل، ومن يقبل ذلك فقط سيبقى هنا. حان الوقت للتوقف عن الكذب عليهم وإخبارهم الحقيقة – لا مستقبل في فلسطين».
وأضاف ممثلون عن منظمة «النضال من أجل الحياة»: «الصراع على الأرض ليس مجرد صراع عادي، بل هو صراع روحي على مصير شعب إسرائيل. إذا تنازلنا أو تراجعنا، سنواجه مجزرة أخرى. في غزة تعلمنا أن العدو إذا لم يُهزم، فإنه سيهزمنا. ما ينطبق على غزة ينطبق أيضاً على الضفة الغربية: الاحتلال، الإخلاء، والاستيطان».

بث شعور العجز

ويرى الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع فإن اللافتات التي تحمل عبارات مثل «لا مستقبل لكم في فلسطين» تسعى إلى تعزيز مشاعر الإحباط واليأس لدى الفلسطينيين، خصوصًا مع وضعها في أماكن بارزة محيطة بالمستوطنات، ما يجعلها أداة لخلق شعور بالعجز تجاه الواقع الراهن وتصوير المستقبل على أنه مظلم وغير واعد، ما يضعف المقاومة النفسية والروحية.
وتابع مناع في حديث لـ«القدس العربي»: «تكرار رؤية هذه العبارات يؤدي، بشكل غير واعٍ، إلى تسللها إلى العقل الباطن، مما يثير التساؤلات حول قدرة الفلسطينيين على تحقيق أهدافهم الوطنية. وجود هذه اللافتات بالقرب من المستوطنات يعزز فكرة الاحتلال كواقع دائم يصعب تغييره، ويضعف الإصرار على التمسك بالأرض. كما أن تأثيرها يمتد ليطال الأجيال الناشئة، حيث يتأثر الأطفال والشباب بشكل أكبر عند رؤية هذه الرسائل المتكررة، ما يجعلها وسيلة ضغط نفسي طويلة الأمد تستهدف تقليص إيمانهم بقضيتهم. علاوة على ذلك، تسهم هذه اللافتات في تأجيج الإحباط ليس فقط تجاه الاحتلال، بل أيضًا تجاه القيادة الفلسطينية بشكل عام، مما يعزز الانقسام الداخلي ويلغي الثقة بينهما».
أما حول هوية المنظمة الاستيطانية «نقاتل من أجل الحياة» فهي واحدة من المنظمات اليمينية الاستيطانية التي تنشط في شمال الضفة الغربية، وهي تعكس توجهاً أيديولوجياً يتمحور حول تكريس السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية ورفض فكرة إقامة دولة فلسطينية.
وحسب مناع فقد تأسست هذه المنظمة منذ العام 2022، ومنذ ذلك الحين تبنت استراتيجية متعددة الأبعاد تهدف إلى تحقيق أهدافها، كان أبرزها حملة دعائية مثيرة للجدل تضمنت وضع لافتات على الطرق الرئيسية ضد الفلسطينيين.
وتنطلق «نقاتل من أجل الحياة» من أيديولوجيا يمينية ترى أن الشعب الإسرائيلي يجب أن يحكم كافة «أرض إسرائيل»، بما يشمل الضفة الغربية. وترى المنظمة أن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ليس مجرد صراع جغرافي أو سياسي، بل هو صراع روحي ومصيري يرتبط ببقاء الشعب اليهودي وأمنه. وفقاً لهذه المنطلقات، تعارض المنظمة بشدة أي مفاوضات أو تسويات سياسية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، معتبرة أن مثل هذه الخطوات تهدد أمن إسرائيل ومستقبلها.
وتهدف «نقاتل من أجل الحياة» إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تخدم رؤيتها الأيديولوجية. أولاً، تسعى المنظمة إلى تعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية باعتباره أداة لتثبيت السيطرة الإسرائيلية ومنع أي احتمال لتقسيم الأراضي. ثانياً، تعمل المنظمة على مواجهة ما تصفه بـ«الإرهاب الفلسطيني»، من خلال أنشطة ميدانية وجمع معلومات استخباراتية، وتوجيه المستوطنين لتحمل مسؤولية أمنهم بأنفسهم. ثالثاً، تسعى المنظمة إلى تثبيط الأمل لدى الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة، وتشجيعهم على الهجرة من خلال حملات دعائية تسلط الضوء على ما تسميه «لا مستقبل بفلسطين».
كما تنظم المنظمة احتجاجات ميدانية، مثل إغلاق الطرق أمام الفلسطينيين، في محاولة للضغط على الفلسطينيين وعرقلة سير حياتهم؛ كنوع من العقاب الجماعي. علاوة على ذلك، تحث المنظمة المستوطنين على تحمل مسؤولية أمنهم الذاتي من خلال تنظيم دوريات استباقية والتصدي لمحاولات العمليات الفدائية. ومن أبرز رسائلها، تلك التي جاءت تحت عنوان: «إذا ألقيت عليك حجارة – لا تهرب»، حيث تدعو المستوطنين إلى الثبات وعدم الفرار أثناء تعرضهم للرشق بالحجارة. وتنطلق هذه الدعوة من مبدأ أن التهديدات الأمنية لا ينبغي التراجع أمامها، بل يجب مواجهتها والقضاء عليها.
وعلى الصعيد السياسي، تمارس المنظمة ضغوطاً على الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ إجراءات مشددة ضد الفلسطينيين. تعكس هذه الدعوات استراتيجية أعمق تهدف إلى تحقيق عزلة اقتصادية واجتماعية للفلسطينيين، في مسعى لإضعاف وجودهم، ما يعزز الضغط عليهم للهجرة والحديث للباحث مناع.
وبرز في قيادة «نقاتل من أجل الحياة» الحاخام مناحيم بن شاحر ويديديا عسيس، وكلاهما من مستوطنة يتسهار، المعروفة بأنها معقل للتيار الاستيطاني.
ذكرنا في البداية أن جملة «لا مستقبل بفلسطين» لا تتحرك لوحدها كفعل دعائي فهناك ممارسات أكبر يمكن سرد بعضها أن يرسم صورة كاملة عن الوضع في الضفة الغربية، فبحسب التقرير السنوي لهيئة الجدار والاستيطان، ففي الضفة الغربية نحو 898 حاجز وبوابة، و 180 مستوطنة، ونحو 256 بؤرة استيطانية، و770 ألف مستوطن عدد كبير جدًا منهم مسلحون بأسلحة رشاشة ويتجولون بها على مدار الساعة، كما أن فيها94 موقعًا عسكريًا لجيش الاحتلال على أراضي الضفة.
ماذا عن العملية العسكرية المتواصلة شمال الضفة الغربية والتي تحمل اسم «الأسوار الحديدية»؟ تخبرنا الأرقام التالي: الحصار على مخيم جنين يتواصل لليوم الـ 25، وعلى مخيم طولكرم، يتواصل منذ 19 يوما، وعلى مخيم نور شمس يستمر لليوم السادس، فيما استمرت العملية العسكرية على طوباس (بلدة طمون ومخيم الفارعة) لمدة12 يوما.
والنتيجة التي ترتبت على ذلك إلى جانب الشهداء هو سقوط 25شهيدًا في جنين و11 شهيدًا في طولكرم و10 شهداء في طوباس، تهجير نحو 40 ألف نازح إلى جانب تدمير مئات البيوت التي هدمت وفُجِّرت ونُسِفت، مع تدمير كامل للبنية التحتية بهدف إعادة هندسة جغرافية المخيمات وهي الخطة الأخطر التي يجري تنفيذها.
وحسب تقرير وكالة أوتشا الأممية صدر مطلع الشهر الجاري فإن من نزح أكثر من 90 في المئة من سكان مخيم جنين للاجئين البالغ عددهم 20 ألف نسمة إلى مدينة جنين والقرى المحيطة بها خلال الشهرين الماضيين، وذلك خلال العمليات التي نفذتها القوات الإسرائيلية والفلسطينية. وفي مخيم طولكرم للاجئين، أدت عمليات القوات الإسرائيلية حتى الآن إلى نزوح أكثر من 12 ألف شخص أو ما يقرب من 90 في المئة من سكان المخيم وفي طوباس، نزح ما لا يقل عن 18 أسرة من طمون، ونزح ما لا يقل عن 100 أسرة من مخيم الفارعة للاجئين.
هنا تكشف المشاهد القادمة من مخيم جنين ومخيمي طولكرم ونور شمس حجم التدمير الممنهج في المخيمات التي أصبحت شبه فارغة من المواطنين تماما. يدخل صحافيون إلى المناطق المستهدفة فتظهر صور الفظائع الإسرائيلية وأشكال التدمير الممنهج الهادف إلى تغيير بنية المخيمات الفلسطينية.
وأمام هدف تغيير الجغرافيا في مخيمات شمال الضفة الغربية يبدو أن الهدف أكبر من ذلك أيضا.
وفي المخيمات الثلاثة على أطراف شمال الضفة الغربية يستعرض الإسرائيلي بجيشه ويحقق أهدافا على الأرض لعل أبرزها ما يحذر نشطاء من أنه بقاء الاحتلال في المدينتين بما يعني إعادة احتلال بعد أن كانت الأمر هجمات وعمليات واقتحامات.

إعادة احتلال الضفة

وحسب الباحث والمحلل السياسي خليل شاهين فإنه من الواضح أن الممارسات الاحتلالية في الضفة الغربية الأمور تسير باتجاه إعادة احتلال الضفة من خلال وجود الجيش الإسرائيلي المباشر.
وتابع شاهين: «وزير الحرب الإسرائيلي كاتس صرح قبل أيام بإن إسرائيل تنوي امتلاك معسكر دائم في منطقة جنين بالقرب من مخيم جنين بجانب حرش السعادة، وكذلك الأمر بالنسبة لمدينة طولكرم. وهذا يعني أن الاحتلال يفكر أن يكون له وجود عسكري مباشر في المناطق المصنفة (أ) وهي المناطق التي يفترض أنها تخضع للسيطرة الأمنية الفلسطينية وفق اتفاق اوسلو.
ويرى شاهين أن هذا يعني أن الاحتلال أطلق النار على ما تبقى من اتفاق أوسلو الذي لم يعد يلتزم به بطبيعة الحال.
وشدد شاهين على أن هذا يضع تحديات أمام السلطة الفلسطينية، و«الأهم أن الخطوات تأتي في سياق سياسة إسرائيلية تسعى لتكريس واضع الضم أملا بلحظة قادمة يتم الإعلان عن الضم الكلي للضفة الغربية، فهذا ملف مطروح على الأجندة الإسرائيلية بعد أن كان أحد الاتفاقات التي وقعت أثناء تشكيل الحكومة الإسرائيلية». ويخلص إلى أن هذا يعني سحب ما تبقى من صلاحيات سياسية وإدارية من السلطة الفلسطينية، مع التأكيد على أن ما يجري لا يرتبط بالوجود العسكري المباشر للجيش الإسرائيلي، إنما بالقوانين والتشريعات والإجراءات، وخاصة فيما يتعلق بحرمان السلطة الفلسطينية من صلاحيات البناء على سبيل المثال، وكل ذلك يرسم الصورة الخاصة بالمشهد القادم فيما يتعلق بتكريس الضم من ناحية، وإعادة الهندسة والتوزيع السكاني والجغرافي وخاصة بالمخيمات في الضفة الغربية.
ويتخوف المحلل السياسي شاهين من أن القادم هو تفكيك السلطة الفلسطينية لتصبح مجموعة من السلطات المحلية، سلطة في نابلس، وأخرى في جنين وثالثة في رام الله ورابعة في الخليل. بحيث أن تتولى الإدارة المدينة الإسرائيلية الإشراف على هذه الإدارات المحلية بدلا من سلطة فلسطينية مركزية، وهو ما يجب أن يواجه بسياسات جديدة من السيادة الشعبية، وبناء هياكل فلسطينية جديدة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية