بدأ يتبلور الاهتمام بالطبيعة في فن الرسم بشكل واضح خلال فترة عصر النهضة (القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر) لكنه وصل إلى ذروته في القرن التاسع عشر مع ظهور الحركة الرومانسية، التي ركز فنانوها على تصوير الطبيعة باعتبارها قوة عاطفية وروحية، أمثال جون كونستابل، جوزيف مالورد، ويليام تيرنر. ومع بداية القرن العشرين، استمر الاهتمام بالطبيعة، لكن بأساليب ووسائل جديدة تجلت في المدرسة الانطباعية، إذ تميزت هذه الحركة بأسلوبها الفريد في التقاط الضوء والألوان، والتركيز على الانطباعات اللحظية في تلقي المشهد، ولا شك في أن الانطباعية أحدثت ثورة في عالم الفن، عندما خرجت عن القواعد الأكاديمية التقليدية، وفتحت آفاقاً جديدة للفنانين.
وجاء اسم «الانطباعية» من لوحة للرسام الفرنسي كلود مونيه (14 نوفمبر/تشرين الثاني 1840 – 5 ديسمبر/كانون الأول 1926) حملت عنوان «انطباع شروق الشمس»(1872)، التي عُرضت في أول معرض للانطباعيين في باريس عام
(1874) واستخدم النقاد هذا المصطلح في البداية من باب السخرية، إلاَّ أنه، كما في معظم المدارس والتيارات الفنية أصبح في ما بعد توصيفا لها، ومن أشهر رساميها إلى جانب مونيه، إدغار ديغا، إدوارد مانيه، بيير أوغست رينوار، كاميل بيسارو. ولعقود عديدة، سعى الفنانون في لوحاتهم إلى الابتعاد عن استنساخ الواقع المرئي، والعمل على التقاط جوهر العالم الطبيعي بجماله وقوته وهشاشته، من خلال وسائط توصلوا إليها، بالتالي أدت حركتهم هذه إلى خلق مجموعة متنوعة من الأعمال، تعكس حالة من الدهشة والانبهار إزاء العالم والطبيعة التي تحيط بنا.
الروح الإنسانية وإيقاعات العالم
إن العلاقة بين الفن والطبيعة علاقة ديناميكية دائمة التطور، بفعل ما يحصل من تغيرات ثقافية وتاريخية وتكنولوجية، فبينما يواصل البشر جملة التحديات البيئية الملحة، مثل تغير المناخ وانعكاسه على الطبيعة والحياة الانسانية، فإن الفنانين من جانبهم، ومن خلال مشاريعهم الفنية يواصلون لعب دور حيوي في رفع مستوى الوعي، وتعزيز التقدير الأعمق لعجائب وجمال العالم الطبيعي. ولا شك في أن العلاقة بين الفن والطبيعة غنية ومتعددة الأوجه، تشمل مجموعة واسعة من التعبيرات والوسائط الفنية، تكمن في جوهرها علاقة عميقة الجذور بين الروح الإنسانية وإيقاعات العالم الطبيعي، وهي العلاقة التي غذت الدوافع الإبداعية لأجيال متعاقبة من الفنانين.
وبناء على هذا التصور لأهمية العلاقة بين الرسم والطبيعة، دائما ما كانت جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين (تأسست عام 1956) حريصة على أن تقيم معرضا سنويا تمثل الطبيعة موضوعه الرئيس، يشارك فيه فنانون من مختلف مدن العراق، وفي هذا العام 2024 افتتح مساء يوم السبت 8 حزيران/يونيو معرض (طبيعة عراقية) في مبنى الجمعية في بغداد، حضره أبرز الفنانين التشكيليين العراقيين، منهم الخزاف والتشكيلي ماهر السامرائي ونائب رئيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين حسن إبراهيم، وعدد من الشخصيات الثقافية والفنية وجمهور كبير من المتابعين للمشهد التشكيلي، والمعرض الذي استمر لغاية الأول من شهر تموز/يوليو الماضي يؤكد – من خلال مناسبة إقامته في هذا التاريخ من كل عام- على الارتباط الوثيق بين الرسم والطبيعة، ومن هنا نجد مشاركة واسعة وصلت إلى 70 رساما ورسامة، تنوعت أساليبهم في رسم طبيعة بلاد ما بين النهرين.
أساليب الحداثة والطبيعة
الفنان قاسم سبتي رئيس جمعية الفنانين التشكيليين في حديث له عن نسخة هذا العام يقول، إن «المعرض في حقيقته ينطلق من مسؤولية الفنان إزاء الطبيعة، خصوصا بعد أن شهدت طبيعتنا متغيرات كارثية، أدت إلى زحف المدن على المساحات الخضراء» ويضيف سبتي «في كل موسم ثقافي لجمعيتنا لا تكتمل صورة الإنجاز الفني فيه إلاَّ ومعرض الطبيعة كان جزءاً منها.. وهذا المعرض هو احتفالية بالفن والحياة بشكلٍ يتيح لمبدعينا إظهار قدراتهم في نمط من أنماط الفن التشكيلي، ربما لا يعترف به الكثيرون، بحجة أن هذا النمط والحداثة لا يتفقان! ولا بد لي من أن أوكد على أن جمعيتنا أصبحت الملاذ الأخير لأنشطة أكاديمية راسخة، نحاول من خلالها أن نبتعد عما يجري في مؤسسات الآخرين من ابتذال وعدم التزام فني وإبداعي».
انتماء الفنان لتجربته
الملاحظ أن أساليب المشاركين توزعت على مدارس فنية مختلفة بين الانطباعية والواقعية والتعبيرية، وهذه علامة تترك انطباعا بأن المشهد التشكيلي العراقي يبقى مشدودا إلى حافات التغيير والتجديد، وليس ثمة حدود فنية يمكن أن يرتكن إليها، وأن الرسام ينتمي إلى تجربته الذاتية في التعامل مع الموضوع، ما يدفع بالتالي إلى أن تكون محتويات المعرض من لوحات معبرة عن حركية فاعلية الرسم في العراق، كما تشير إلى افتراق الأجيال المعاصرة عما سبقهم من تجارب وأجيال، وهذا ما تطرق إليه الرسام طه وهيب قائلا، إن «المعرض ضم 70 عملاً لسبعين فناناً من أجيال وأساليب متباينة، تعددت فيها المشاركات بين الرسامين والرسامات، بواقع عمل واحد لكل فنان، حيث اشترطت الجمعية أن يحاكي كل واحد منهم الطبيعة بالطريقة التي يرتئيها».
الأحوال العامة والطبيعة
منذ أربعينيات القرن الماضي كانت الطبيعة على مدار تاريخ الفن التشكيلي العراقي مصدر إلهام كبير للفنانين رغم الحروب والاضطرابات السياسية، التي كانت تعصف بالحياة العامة وتدفع بها إلى عدم الاستقرار، ولا شك في أن الأوضاع كلما مالت إلى الهدوء، انعكس ذلك على طبيعة الميول والاهتمامات، إلاّ أن الفنانين العراقيين رغم تردي الأحوال التي أحاطت بهم خلال الحقب التي مرت على بلدهم وقيدت آفاق تطلعاتهم ومشاريعهم، إلاَّ أنهم استمروا في البحث عن الجمال في الطبيعة المحيطة بهم، إلى جانب انشغالاتهم الأخرى التي تتماهى مع ما تطرحه مشاريع الحداثة وما بعد الحداثة من توق إلى تجاوز الأساليب التقليدية في رؤية التجربة الفنية في إطار اللوحة، سواء من حيث الشكل والتقنيات، أو من حيث الموضوعات والأفكار وأساليب معالجتها.
السياق التاريخي والاجتماعي
يمكن القول إن رسم الطبيعة عند الرسامين العراقيين المعاصرين، كما يظهر في هذا المعرض، يعكس عمقا ثقافيا وتاريخيا، حيث ما زالت لدى الرسام العراقي تلك الحساسية العالية تجاه موروثه الرافديني، تتسرب بين تفاصيل أعماله، إلى جانب ما يشغله من تأملات وهواجس فردية حول الحياة، وقد عبر أحد الفنانين المشاركين في المعرض عن مدى صدمته، عندما وجد صعوبة في العثور على الأماكن الطبيعية التي كان قد اعتاد أن يذهب إليها ليرسمها في سنين سابقة، بعد أن طالها التغيير والتدمير.
قسوة الزمن على الطبيعة
حضور الطبيعة عند الرسامين العراقيين المعاصرين يعكس ما يشعر به من أن البيئة العراقية – التي تتسم بالجمال والتنوع بين شمال ووسط وجنوب العراق – قد بدا تأثير الزمن عليها قاسيا، بعد أن جرفت المدن الكونكريتية مساحاتها الخضراء، وحول ذلك يقول الرسام مسعود أحمد «إن هذا المعرض مهم جدا، لأنه يديم العلاقة مع طبيعتنا التي تبقى جميلة، رغم كل شيء، وهذا ما عبرت عنه في لوحتي التي تركت انطباعات متناقضة لدى المتلقين، فالألوان السائدة تعكس لون الرمال التي تسود الفضاء، وجود نخلة وحيدة دلالة على عمق وكارثية المتغيرات، حتى إنني استخدمت مواد طبيعية مثل التربة لكي أتمكن من إيصال الإحساس بالواقعية إلى المتلقي حول خطورة ما تواجهه طبيعتنا من تحديات». أما الرسامة صباح الآلوسي فقد تناولت في لوحتها الطبيعة في مدينة هيت، التي ما تزال تقاوم التغيير الذي شهدته المدن العراقية الأخرى.
إيقاعات المشهد التشكيلي
ما ينبغي الإشارة إليه أن هناك تصاعدا واضحا في وتيرة وإيقاع المشهد التشكيلي العراقي، ربما يعود ذلك إلى استتاب الأمن إلى حد ما، مقارنة بما أعقب عام 2003 من سنين عجاف، وهذا ما تعكسه كثرة المعارض التي أخذت تقام سواء في العاصمة بغداد، أو بقية المحافظات، ويكفي أن شهر أيار/مايو الماضي لوحده كان قد شهد العديد من المعارض منها على سبيل المثال : سمبوزيوم (رسم حر للطبيعة) في محافظة بابل أقامه فرع جمعية الفنانين التشكيليين في بابل، بالتعاون مع معهد غوته الألماني وشارك فيه 25 فنانا وفنانة رسموا جميعهم لوحات عن الطبيعة. وفي بغداد أقيم معرض شخصي للفنان التشكيلي المغترب سعد تويج تحت عنوان (اللون رحلة بقاء) كما افتتح يوم السبت 11 مايو في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين معرض عشتار للشباب، شارك فيه قرابة 60 فنانا وفنانة من جميع انحاء العراق فقدموا تجارب مختلفة، عبّرت قوة حضور الفنانين الشباب في المشهد التشكيلي. ومدينة الموصل شمال العراق أقيم في الشهر نفسه عدد من المعارض منها معرض دولي للألوان المائية، ومعرض آخر لخمسة رسامين موصليين بعنوان (قوافي مشرقية) سبق أن تناولناه نقديا في الملحق الأسبوعي لـ»القدس العربي».
كل هذه الأنشطة تؤكد تقاطع الفن والطبيعة وقوة الارتباط العميق بين الإنسانية والبيئة الطبيعية التي ننتمي إليها، وعلى أننا من خلال الفن، يمكن أن نلقي نظرة على جمال الطبيعة وما تواجهه من تعقيدات ومخاطر، بما يدعونا إلى رؤية العالم بعيون جديدة بشكل مستمر.
ادا سمحتم وكدالك الكاتب التشكيلي المحترم مروان أضع فقط بعض القطرات أخف من ثوب الحرير المتميز شكرا لكم وله كدالك وتحية للفنانين التشكيليين العراقيين بين قوسين العراق تاريخ قديم جد ا جد ا ومن الباب الواسع للفن في كل صوره المتميزة عن جدارة دخل مرفوع الرأس بزاد لا ينفد ولا ي مكن نحن مازلنا نقول ودائما بأن التشكيل جعبته واسعة من الداخل عرض وطول سيظل يفاجئ المحبين بل حتى الدين أصيبوا بسهام من كنانته فكانوا أقلاما يرسمون ما يرمونه من صور ذات حسن رائع وجمال غزى التشكيل وبقوة عالم البساتين والحدائق وحيت ما كان الحسن والجمال ومن حسن الحظ ان التشكيل له حضور قوي كدالك في كل الصور بين قوسين السينمائية والمسرحية ألا قليلا ونقول أيضا لقد تفنن ولازال في رسم المرأة والوردة والزهرة والشجرة والنخلة والنهر والبحر والسحاب والغمام والكوكب والشمس والقمر والنجمة بل حتى قطرات المطر .
أقول يرسمون ماتراه عيونهم وهم يسبحون وسط فضاء الحسن وفضاء الجمال ووسط الخيال كدالك كلا العالميين