بيروت-“القدس العربي”: تتوسع موجات الهجرة الشرعية وغير الشرعية من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وخصوصا في صفوف الشباب، بصورة ملفتة وخطيرة، أملاً في حياة ومستقبل أفضل ولكن دون احتساب عواقب هذه المغامرة.
ويلعب السماسرة دورا بارزا في تشجيع اللاجئين الفلسطينيين على مغادرة لبنان بصورة غير شرعية عبر قوارب البحر والجبال للوصول إلى بلاد أكثر أمنا توفر لهم كما يعتقدون فرصة للعيش الكريم .
وتصاعدت الدعوات داخل المخيمات للمطالبة بالهجرة إلى أوروبا وأمريكا أو دول يمكن لها أن تستوعب هذه الأعداد من اللاجئين، ووزعت الكثير من البيانات ونفذ بعض الشباب اعتصامات أمام مكتب “الأونروا” في بيروت للمطالبة بتأمين هجرتهم إلى أوروبا .
فالدعوة إلى الهجرة تكاد تكون شبه علنية داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتشير المعلومات المتوفرة إلى وجود سماسرة وشبكات تعمل ليلا ونهارا في أوساط اللاجئين لتشجيعهم على الهجرة.
ووثقت تقارير لبنانية 150 عائلة فلسطينية من مخيم عين الحلوة وباقي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان، غادرت إلى أوروبا خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي، “طلبا للأمان بعدما ضاقت سبل العيش في لبنان” وأكدت التقارير على أن “الهجرة غير الشرعية لا تقتصر على مخيم عين الحلوة، إذ غادر 900 فلسطيني من مخيمات نهر البارد والبداوي شمال لبنان وشاتيلا وبرج البراجنة قرب بيروت، بطرق غير شرعية خلال الأشهر الماضية بعدما باعوا بيوتهم وممتلكاتهم، بحثا عن حياة أكثر استقراراً في الدول الأوروبية وبحثا عن فرص عمل لا تتوفر لهم في لبنان.
قوانين جائرة
وقد تعددت الأسباب التي تدفع اللاجئين الفلسطينيين للهجرة من لبنان، وحمل الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني الدكتور مصطفى يوسف اللداوي الأنظمة الرسمية العربية عموماً ولبنان على وجه الخصوص، كامل المسؤولية الأخلاقية عن دفع اللاجئين الفلسطينيين إلى الهجرة، كاشفا عن أن مؤشرات الهجرة واللجوء سجلت أعلى نسبة في صفوف فلسطينيي لبنان، وذلك بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها، والقوانين الجائرة التي تحكمهم، وربما التمييز العنصري الذي يطالهم.
ويقول الدكتور اللداوي لـ”القدس العربي”: “الفلسطينيون لا يتركون مخيماتهم التي ولدوا وعاشوا فيها، وارتبطوا بها ذاكرة وتاريخا، ورابطوا فيها وصمدوا انتظاراً ليوم العودة وساعة التحرير، لأنهم عافوا حياة اللجوء، وكرهوا عيش الشتات، ويأسوا من الثبات على الموقف والتمسك بحق العودة، بل لأنهم وجدوا أن إنسانيتهم تنتهك، وكرامتهم تسفح، وحقوقهم تصادر، ومستقبلهم يضيع، حتى غدت حياتهم مسلسلاً من العذاب لا ينتهي، ومخيماتهم غيتوات مغلقة يتكدسون فيها بأعداد كبيرة، ولا يسمح لهم فيها بالتوسع والبناء، كما لا يسمح لهم بالعمل والإنتاج”.
وأضاف “مخطئ من يظن أن الفلسطينيين في لبنان يهاجرون لأسباب سياسية، أو على خلفية مطامع مادية، أو أملاً في جنسية وجواز، ولكنهم يهاجرون فراراً من نير الحرمان، وهروباً من واقع المعاناة”.
وفي رأي الدكتور اللداوي أن فلسطينيي لبنان وسوريا وغيرهم في شتاتهم الكبير في أوروبا وأستراليا والأمريكتين، هم أكثر الفلسطينيين عطاء لقضيتهم، وتمسكا بحقوقهم، وتفانيا في العمل لوطنهم، وصدقاً في نصرة شعبهم، ولو أن قوانين الدول المستضيفة لهم، والمقصود هنا لبنان، كانت أيسر وأسهل، ما كانوا ليتركوا أرضاً تجاور وطنهم، ودولةً تحد بلادهم، حيث كانوا يتنسمون كل يوم عبير الوطن، ويتطلعون عبر الأسوار والأسلاك الشائكة إلى بلداتهم التي هجروا منها، وقراهم التي أجبروا على تركها.
وأكد على أن الحكومات اللبنانية جميعها بدواعي الخوف من التغيير الديموغرافي، وبحجة القلق من تجنيس الفلسطينيين، ترتكب جريمةً كبيرة بإجبارهم على الهجرة، علما أنها وأجهزتها الأمنية تسهل أحيانا هجرتهم، وتغض الطرف عن السماسرة الذين يسهلون لهم إجراءات السفر، ولعل المقاولة النشطة في المخيمات، والاتصالات العلنية، والاتفاقيات المكشوفة، والسفر السريع، فضلاً عن الظروف السيئة التي تجبر الفلسطينيين على العيش فيها، تشكل دليلا قطعيا على أن السلطات اللبنانية شريكة في هذه المسألة التي أعتبرها بموجب الفهم القومي للقضية الفلسطينية جريمة.
وعدد الباحث الفلسطيني علي هويدي الأسباب والدوافع التي دعت اللاجئين الفلسطينيين للهجرة من لبنان، مشيرا إلى أن السبب الأول يعود إلى عدم توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من الدولة المضيفة لبنان المتمثلة بشكل رئيسي بالحق في العمل والتملك والاستشفاء والتعليم، بالإضافة إلى تراجع خدمات وكالة الأونروا، وكلها عوامل ساهمت وإلى حد كبير في تفاقم الأوضاع الإنسانية، وبالتالي باتت العائلة الفلسطينية تبحث عن الأمان الاجتماعي والاستقرار وتحسين الأوضاع الإنسانية في دول الهجرة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار، أنه بالإضافة إلى منع اللاجئ الفلسطيني من حقه في التملك إبتداء من آذار/مارس 2001 فإنه كذلك يمنع عليه إدخال مواد البناء والترميم من تاريخ 1/1/1997 إلا بعد الحصول على إذن من الجيش اللبناني الذي لا يسمح بإدخال جميع المواد المطلوبة، وبالتالي بات اللاجئ الفلسطيني ممنوعا من التملك خارج المخيم ومن البناء داخل المخيم، عدا عن أنه يمنع على اللاجئ أن يتمدد في العمران إلى خارج حدود المخيم المتفق عليها بين الدولة اللبنانية ووكالة الأونروا مما سبب حالة اكتظاظ سكاني شديدة حيث زادت نسبة اللاجئين فيه أكثر من 500 في المئة منذ سنة 1948 حتى الآن، وكنتيجة المزيد من المشاكل الاجتماعية وفقدان للخصوصية العائلية وتفاقم للأمراض والضغط النفسي.
أوضاع أمنية غير مستقرة
ورأى هويدي أن الدافع الثاني الذي يدفع بالعائلة الفلسطينية إلى الهجرة، هو الأوضاع الأمنية غير المستقرة في المخيمات، إذ ينفجر الوضع الأمني بين فترة وأخرى وخصوصا في مخيم عين الحلوة أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبالتالي تكون النتيجة فقدان الثقة بالقوى السياسية الفلسطينية ومقدرتها على توفير الحماية والحقوق الأساسية من قبل الدول المضيفة.
أما المسألة الثالثة في رأي الباحث هويدي، فتكمن في ما يتعرض له اللاجئ الفلسطيني من عنصرية بغيضة يمارسها بعض الساسة اللبنانيين والنظر إلى المخيمات من النظرة الأمنية فقط، حتى أن تصريحات البعض تتماشى مع الدعوات لشطب قضية اللاجئين وحق العودة ومنها تصريحات وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل على هامش مؤتمر روما للدول المانحة للأونروا في 15/3/2018 حين طالب الأونروا بشطب اسم كل لاجئ فلسطيني يحمل جنسية أخرى أو يسكن خارج لبنان بهدف التوفير في الميزانية، بالإضافة إلى أنه حتى الآن يتم تصنيف اللاجئ الفلسطيني في لبنان على أنه أجنبي ولا يعامل معاملة بقية الأجانب في لبنان بحجة التوطين، إذ باستطاعة أي أجنبي ان يتملك عقارا في لبنان بخلاف اللاجئ الفلسطيني.
وفي اعتقاد الباحث هويدي أن فقدان الشباب الفلسطيني في لبنان للطموح والأمل في المستقبل نتيجة أولا عدم توفر فرص عمل لهم حتى لو تخرجوا من الجامعات، مع حرمانهم كذلك من الدراسة وتخصصات المهن الحرة مثل الطب والمحاماة والصيدلة وغيرها، وإذا توفر العمل فهم عرضة للاستغلال، كل ذلك شكل دافعا للهجرة الشرعية وغير الشرعية، بالإضافة إلى تراكم تخصصات المهن في المخيمات مثل التمديدات الكهربائية، والتمديدات الصحية، والحلاقة، وأعمال البناء وغيرها.
حركة بيع منازل وأثاث وسيارات
وللأسف فإن المخيمات الفلسطينية في لبنان تشهد حركة بيع منازل وأثاث وسيارات غير مسبوقة من قبل الراغبين بالهجرة، حيث تنتشر اعلانات بيع الشقق والسيارات في تأكيد واضح على نية هؤلاء بالهجرة وترك المخيم.
ويشير أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان ابو إياد الشعلان إلى أن مشروع تهجير العائلات الفلسطينية من لبنان “هو مشروع سياسي كانت قد حذّرت منه اللجان الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية على مدى السنوات الماضية لكونه مشروعا يستهدف جيلا شبابيا في المخيّمات”.
وأكد الشعلان على أن اللجان الشعبية تعلم أن هناك عمليات تسهيل لهجرة الشباب الفلسطينيين نحو اتجاهات مختلفة، ولكنها لم تتمكن من متابعة ذلك لأن هذه العمليات تتم بسرية وتكتم ولا تُعرَف إلا بعد مغادرة المهاجرين. مشيرا إلى أن اللجان الشعبية نظمت حملات توعية في صفوف الشباب حول خطورة الهجرة الشرعية وغير الشرعية. وطالب الدولة اللبنانية برفع الحظر عن حق العمل والحقوق الإنسانية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، كما ناشد الأونروا بالعمل على توفير فرص عمل لتشغيل الشباب الفلسطيني، وشدد على دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثّل للشعب الفلسطيني في إيجاد فرص عمل من خلال بناء مؤسسات إنتاجية تستوعب العاطلين من العمل وخاصة من ذوي الكفاءات العلمية والمهنية الذين لهم دور في تنمية المجتمع الفلسطيني.
أسباب كثيرة تدفع اللاجئين الفلسطينيين للهجرة من لبنان، وأبرزها كما أشارت الآراء السابقة المعاناة الاقتصادية وحالة التضييق والحصار والحرمان التي يتعرضون لها والتي لم تعد تحتمل بعد أن أقفلت كافة الأبواب أمام قطاع الشباب ولم يفتحوا له إلا باب الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى دول أجنبية يحلمون بأن يكون لهم فيها حياة تحفظ إنسانيتهم.