تضعنا النتائج المبهرة للمهارات الأدائية في التصاميم الحية التي يقدمها الفنان حسين حربة، الذي حلّ (ضيف شرف في أسبوع تورينو للمودة والعرض يوم 2/ 7) في (الحقائب/ والكراسي/ والإكسسوار) أمام إمكانية فنية وجمالية تستدعي القراءة والانتباه لمنجزها وخصوصيتها العالية فقد وفرت لنا رؤية حقائبه، الوقوف على صيغ محددة في التصميم ومتنوعة في الأشكال لها خصائص بنائية تشتغل على تفاصيل لم يكن إغراؤها هينا ولم يعد إيحاؤها متشابكا، فهو يعي أن خطاب الفن يقوم بالدرجة الأولى على جوانب نفسية تكتظ في إمكانيات متعددة منها، روحية التصميم النهائي وطبيعة الألوان ومحتواها التعبيري واشتغال موضوعها الأساسي، وبما أنه ينظر هنا لاعتبارات نفسية وجمالية بحتة، فقد تبدو عضوية الأشكال خلافا لقيم الفن التجريدي (مثلا) وبعيدة عن المدارس ذات الإثراء في الدرس والمنهج الفني.
حسين حربة يتجاوز فهم المنهج والمدرسة الفنية ليرتقي إلى وجدان المتلقي بما يؤثر فيه مباشرة، والأمر ليس استعلاء أو تمردا، بقدر ما هو رؤية ذاتية تمتد أسبابها إلى اعتبارات وجدانية صارخة في ذاته كإنسان وفنان متفهم لرسالة الفن، ولهذا يبدو التنوع في التصاميم ذات غاية محكمة، بالإضافة إلى معالجات بنائية يترتب عليها تشخيص فني دقيق.. لنأخذ مثلا مجموعة الحقائب النسائية والكراسي وننظر الى حمولاتها الدلالية ومطابقة إيقاعها اللوني، وتجاوب مساحة السطح في إتاحة شكل يكتفي بما يحمل من سمات بنائية وتكوين يتعدى أبعاد الشكل إلى غايات جمالية صرفة، سنجد أنه يميل إلى اللون الأحادي لتكون قاعدة التنظيم ذات ملامح أساسية، في ما تبدو عناصر الشكل ممسكة بوحدة موضوعية، وهذا التواؤم في الحقيقة مدروس بعناية فهو لا يخاطر في شكل قابل للهدم والبناء مرة ثانية، إنما يجعله مكتفيا بمكوناته وبنيته التصميمية فلو رجعنا إلى صياغة الشكل سنجده مكتفيا بشيفراته وطريقة استقلاله وأساس هذه السمة في الحقيقة انبنى على مقومات خيال وذاكرة وذائقة لا تقبل المداهنة، فهي تعمل بحرية تامة وفقا لما تمليه رؤية الفنان، فلا غرابة إذا قلنا إنه يبحث عن لوازم مشتركة بين فن قابل للتجديد والحداثة، وفن يعزز من مكانة الرؤية التقليدية لمعالجات التصميم في الشكل النهائي، هذا الهاجس في البحث عن مشترك بين خطاب الحداثة والقديم لم يعقّد من أشكال تصاميم الكراسي والحقائب، بل وجد من تفعيل المعالجات الشكلية بطاقة الألوان خطوة مستقلة ومدروسة والأمر سيسحبنا إلى ما نسميه (الابتكار في التصميم) والاهتمام بحراك الأسلوب وتأسيسه وهو نشاط ذهني له مقومات الفعل الثقافي، من خلال إيصال فكرة مفادها أن (التصميم) حصيلة تأمل ومعاينة للموجودات وما يحيط بالإنسان من جمال، ولعل من المفيد أن نذكّر أن غاية الفنان في بث مثل هذا الطراز اللوني المبهج إنما هو دعوة للاحتفاء بالحياة وبالجمال، والحقيقة هي نزعة ذاتية عرفتها من خلال التحاور مع الفنان في أكثر من محور، إذ أجده محتفيا بالإنسان وجماله وغير مبال بلحظة الزوال، كأنه يريد التخاطب المباشر مع كل ما هو احتفائي وواضح وبسيط ومتوازن والأهم هو تحرر المرء من قيود غموضه وملابساته النفسية وعليه سيبدو الشكل ببساطته وإشاراته، وما يحمله من وجدان وعاطفة أقرب للدرس البصري، الذي نحن بحاجة لرؤيته من أجل اكتساب المعرفة والتعامل مع الجمال عبر تعدد أشكال (الحقائب والكراسي وباقي تصاميمه في جوانب فنية أخرى).
روح التصميم وغايته
تميل أعماله إلى جوانب من البهرجة اللونية المحافظة على سماتها الشعورية فقد تظهر محاولاته قربها إلى نظام الحركة منه إلى السكون، وهو في هذا النمط يود كسر رتابة الاشتغال ضمن آليات ومعالجة أسلوبية تميل إلى إيجاد لون فطري يستلهم الرموز والإشارات داخل تكوين العمل الواحد، لنراه يوظف شكل وردة متفتحة في الحقيبة وأحيانا تضاف لها حزوز من مثلثات ودوائر ومربعات مع سطح يقترب من الصفاء والبساطة، والغالب أن اللون الأحادي يطغى على الشكل كأنه يقول إن الحقيبة تصميم مصغر لبناء كبير، واللافت في مثل هذه الجوانب أنه لا يسعى في جميع تصاميمه ليقترب من الشعار التجاري، أو علاماته المعروفة، فالميدان المهم في اشتغاله (البحث عن الجمال) حتى لو تطلب ذلك وجود استعارة شكلية على سطوح محددة، كأن العملية في رمتها بنيت على تهديم الرمز والاستعاضة عنه بوحدات جمالية شكلية تندرج في التنويع والدلالة التصميمية من أجل تحقيق هدف تعبيري مترفع بتعامله البصري وهذه محاولات تتحقق فيها غايات كثيرة ترتكز على الأبعاد النفسية والجمالية، ليكون الخطاب الفني في نهاية المطاف مبنيا على قاعدتين أساسيتين، الأولى إنجاز شكل متفرد، والثاني محمل بكتل لونية مبهجة للذات الإنسانية، وستبدو الرؤية الانتقائية مرتكزة على نسق معرفي يذكرنا بطبيعة تحولات المجتمع والدعوة لبروز بواعث الفرح ونزعة الخير. لنقل إن تجاربه الفنية مبنية على هذه الأهداف بكل ما تمتلك من إغراءات وانتقاء، وقد بدت محاولاته المنفذة تنمّي من الإدراك الحسي للمتلقي، إذا ما عرفنا أن اشتغالاته التصميمية انعكست على إبداء جو من الفن الشرقي من خلال رهافتها التعبيرية وتكرار إيحاءاتها عبر محتواها الدلالي يضاف لها نوع من الحساسية والشعور الوجداني، إنه لا يقطع مجموعة أشكال لينتجها في شكل مركب، إنما نجد تتابعا عبر أشكال هندسية تتداخل في سياق بنائي له حياده اللوني وهيئته المستقلة، فما الذي نفهمه من كل ذاك؟ يبدو أن خيال هذا المصمم مسكون بضرب من تبادل المعرفة والخبرة، فهو خيال لا يطل من نوافذ شاهقة، بل يبدو أن قوة الجمال هي المحرك الأساس لإنتاج خطابه ولهذا نجد أعماله الفنية تلزمنا معرفة المزيد من الأفكار وأهميتها ووفقا لهذه الرؤية سنصعد من ضرورة الالتفات إلى فعالية الثقافة والتبجيل من إحياء الجمال بيننا لقد بدت المغايرة للشكل الهندسي في طبيعة الكراسي امتدادا لوسيط معياري أقرب في بنيته للشكل التجريدي، وهذه المغايرة تعنى بالشكل أكثر مما تعنى بالتحولات البنائية الموجودة في الحقائب وطبيعة هذا الانتظام الهندسي سيأخذنا الى الجانب الوظيفي (للكرسي) وسنكون أمام خيارين، وظيفي وجمالي إنه انسجام من نوع تستثمر فيه طاقات أنظمة الشكل (الواحد) لتكون متوزعة ومتساوية لما يمكن أن نعبر عنه بالتأثير الشكلي لروح التصميم.
حسين حربة مفخرة عراقية وانسان اصيل ومبدع وراقي بكل معنى الكلمه