العراقي محمد هتلر: إعادة الرسم لمهمته الأولى

ونحن نطالع لوحات الفنان محمد هتلر، التي تتصف بدقتها المتناهية ومطابقتها لفن الفوتغراف، الذي تحقق لاحقا، لا بد لنا من تذكر كل المحاولات لإعادة الدرس الأول لمهمة الرسم في بواكيره الأولى، حين وظف الإنسان كل الإمكانات المهارية لمحاكاة الطبيعة والإنسان، في انعكاس حرفي دقيق، يقارب وظيفة المرآة، حيث اقترنت هذه المحاولات بالمساعي لتفسير الوجود وعملية الخلق، فكانت المدرسة الواقعية بدقتها المتناهية إبان تشكلها قبل النقد، وتجسدت هذه الجهود أيضا، خاصة في البيئة الصخرية، في النحت الذي تكفل بالبقاء عبر الصخر وثباته ومقاومته القوية للاندثار، مستعينا بهبات الطبيعة المطواعة مثل الطين، أو الصلادة التي تحتاج إلى الحفر والصقل، كما في الصخور، وحتى حين تم اكتشاف النحاس لم تحدث مغايرة ملحوظة على الشكل، وبقي الهدف الواضح في البحث عن المطابقة ورسم الواقع، دون الخروج عن بصمته الأولى وأشكاله الحقيقية .
وما أكد هذا المسعى البصري الذي يتشبث برسم الواقع المرئي، دون الخروج من التفاصيل، ومنمناتها وتفاصيلها الدقيقة، إصرار الفنان محمد هتلر على الانحياز لفن البورتريت والاقتراب من الوجوه، بعيونها المتطلعة في اتجاه الفنان، أو المغمضة في اتجاه التأمل للطبيعة وسحرها، وألوانها النظيفة التي تبعث رسائل للمتعة والتزيين، وحيازة اللوحة لجدار خاص .

دأب محمد هتلر على اختيار الوجوه من عالم الطفولة، الطفولة الأنيقة التي تحيط بعالمها الموسيقى والورود والفاكهة الطازجة، وهو هنا لا يقترب من العوالم الأخرى للطفولة، وهذا يؤكد الإصرار على بقاء اللوحة محطة لراحة العين على جدار وحيد، فليس بالضرورة أن يحتفي بها معرض، فهناك من يقتني من الخاصة الذين يضعون الفن في سكة المتعة، والتعويض عن قبح الواقع المرير، لذا يمكن أن نسمي مساعي الفنان هذه بمحاولة التقرب من الذائقة العامة، بتواصل لا ينقطع، لأنها تلاقي تقبلا لا يحتاج إلى مقدمات نقدية عن العامة التي تتذوق الفن باعتباره مرآة لا يتقن رسمها إلا الفنان العارف بفن استنساخ الواقع بكل حرفية عالية، دون الحاجة إلى الدخول في تفاصيل المدارس الفنية، والإضافات الابتكارية الحديثة، التي تبنتها المدارس الانطباعية والتكعيبية والتجريد والفن المفاهيمي، لذا نرى أن هذا الاتجاه الفخم في الرسم، يشابه ما هو موجود في القصور، وبيوت الملوك والكنائس، وما إعجاب العامة بهذا الفن إلا محاولة للتشبه برفاهية الفن، وألوانه الناصعة وعكسه للطبيعة والوجوه، خاصة ما تبقى متحفيا في العالم الغربي من قبل الميلاد، حيث تجسد في الفن اليوناني وتماثيلة التي لا تحتاج إلا إلى النطق كي تخلق عالما متشابها لما تراه العين البشرية .
إن الحاح محمد هتلر، أو حتى من يشترك معه في هذه المدرسة من الفنانين على التواصل مع حرفية إنجازهم عبر تكرار آلية التنفيذ، تأتي من تواصل التفاعل الحي مع جمهوره، ولعل أغلب جمهور الفنان محمد هتلر يأتون من خارج رواد المعارض، وإن معرضه متوفر في البيوت التي تقتني ما ترغب، وهذه الآلية ترشدنا لملاحظة مهمة، تتجسد في العناية بالوجوه وتعابيرها الدقيقة والكفين، بينما يشوب محيط اللوحة، خاصة لوحاته المعتنية بالريف أو الأهوار، نوعا من الابتعاد عن الدقة (مرآى القصب في خلفية لوحته عن حائك القصب في الأهوار) أو (الأرضية التي يقف عليها الحصان الجامح) أو حتى اللجوء إلى اللون الأسود كخلفية تامة لراقصات الباليه. إن عين الفنان التي تقترب من الوجوه، تدقق في تفاصيلها وتزيح ما يحيط بها، فتبدو الوجوه وكأنها معلقة في الهواء، أو التقطت في استوديو بجدار خلفي محايد.

لذا نرى أن ما يصنعه محمد هتلر، يختلف عن مساعي وإنشاء لوحات الفنان مؤيد محسن في الإتقان ومعاشرة الخيال والارتكان إلى المدرسة السيريالية، أو ما ينجزه الفنان صفاء السعدون بفن البورتريه، وفق المدرسة الانطباعية وحرية التعبير لونيا بوضوح تام يشير إلى مسعى آخر يختلف في مسار الفن (وهنا نسوق الأمثلة القريبة من مدينة الفنان محمد هتلر بابل ومركزها الحلة) لذا لا يمكننا معاينة إنجاز الفنان محمد هتلر وفق دراسة مقارنة، أو اقتراب وابتعاد عن الذين سبقوه من فناني المدينة.
لأن المنطقة التي يشتغل عليها محمد هتلر في إتقان حرفي متخصص بفن الدقة العالية، يعطيه امتيازا متفردا في طبيعة عمله، الذي يمكن أن يشار إليه ضمن منطقة خاصة لها جمورها من المتفرجين والنقاد أيضا.

كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الدكتور جمال البدري:

    تحيّة كبيرة للفنان العراقيّ المبدع الرائع محمد هتلر.منذ نُشر المقال وأنا أتفرّس في الرسوم الثلاثة بفرح غامر.أبدعت أيّها الفنّان الموهوب وأبدعت ياكاتب المقال؛ ياصاحب القلم الوهّاب.

    1. يقول مريم:

      السلام عليكم…اتمنى يكون يومك كويس
      لقيت تعليقك صدفة ف كونك رسام اتفهم هوايتك بس بنوهك عن شي اتمنى من قلبي تحطيه في بالك و لا تتجاهبه! يعني مو كل الرسم حرام ف يمكنك رسم كلشيء لكن المحرم رسم جسم انسان او حيوان و في احاديث صحيحة تثبت هذا الشي و ذلك لانه تشبه بتصوير الله لخلقه ف يعتبر حرام!
      و لكن ما تحزن ف هناك البعض الي حلل رسم جسم بلا راس او رسم ظل و اعضاء (الامر فيه اختلاف يمكنك تبحث هذا الي اعرفه لكن الاوقى بالمرة نرسم كلشيء الا انسان او حيوان ففي كثير اشياء ثانية ) ف اتفهم رسمت كثير لكن يبقى هدفنا ارضاء الله! عشان ما اطول عليك يمكنك تكتب ذوات الارواح و تشوفي تفصيل الحكم من شيوخ اوقى لك لانو معندي علم كافي و تبعد عن اي ضرر و ذنب في رسوماتك لانها صدقيني دنيا تافهة فانية و تذكر دائما من ترك شيئا لله عوضه خيرا

اشترك في قائمتنا البريدية