بغداد ـ «القدس العربي»: نظّم الآلاف من اتباع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الجمعة، تظاهرات في العاصمة بغداد وعدد من مدن البلاد الأخرى، للتنديد بالعدوان الإٍسرائيلي على إيران، والتضامن مع شعبها وصموده، تلبية لدعوة زعيمهم، في وقتٍ جددت الفصائل تحذيراتها لأمريكا من مغبّة التدخل في الحرب، مؤكدة وضعها برنامجاً لاستهداف مصالحها في المنطقة، في حال أقدمت واشنطن على هذه الخطوة.
وكان الصدر قد دعا أتباعه للخروج بمسيرات موحّدة تنديداً بالعدوان على إيران، عقب إتمام صلاة الجمعة، في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى.
«كلا كلا إسرائيل»
وردّد المحتجون هتافات والد مقتدى الصدر (محمد صادق الصدر) الشهيرة «كلا كلا أمريكا» و«كلا كلا إسرائيل»، فضلاً عن شعارات «كلا كلا استكبار» و«كلا كلا استعمار» وكلا كلا يا إرهاب» و«نعم نعم للسلام»، و«نعم نعم للعراق»، معبّرين عن تضامنهم مع الشعب الإيراني ضد إسرائيل، فيما أقدموا على حرق الأعلام الإسرائيلية والأمريكية في منطقة الكوفة في النجف.
وفي مدينة الصدر شرق بغداد، أدى متظاهرون أولا صلاة الجمعة ثم هتف الخطيب الشيخ خضير الأنصاري «كلّا كلّا أمريكا، كلّا كلّا إسرائيل»، فيما ردّد الحاضرون الشعار حاملين مظلّات للاحتماء من أشعة الشمس الحارقة.
وقال مدير مكتب زعيم التيار الصدري في بغداد، إبراهيم الجابري، في كلمة ألقاها أمام الحشود، إن «الكيان الصهيوني تجاوز كل القيم الإنسانية عبر استهدافه للمؤسسات الصحية والتربوية في إيران»، مضيفاً أن «إسرائيل وأمريكا هما عدوا الشعوب الإسلامية».
وقال سائق الأجرة أبو حسين (54 عاما) «إنهم لا يحاربون من أجل النووي» الإيراني، معتبرا أنها «حرب الشيطان» ضد إيران و«حرب باطلة، ولطالما أرادت إسرائيل وأمريكا الهيمنة على الشرق الأوسط».
وأضاف «لا بد أن يتدخل العراق، بالمال، بالسلاح، بالدعم، بالتظاهر، لدعم إيران».
وفي مدينة البصرة جنوب العراق، تجمّع نحو ألفي متظاهر في شارع رئيسي.
واعتبر الشيخ قصي الأسدي (43 عاما) أنه «إن وُجدت حرب عالمية ثالثة فستكون هذه الحرب ضد الإسلام»، منددا بـ«تعدّي الإسرائيليين والأمريكيين جوّا على سيادة العراق».
وذكّر بأن الصدر «نوّه عدة مرات بعدم التدخل وانجرار العراق وبألّا يكون ساحة للحرب».
في الأثناء، أعلن شيوخ ووجهاء المجلس العشائري في كربلاء، عن دعمهم المطلق للمرجعية الدينية العليا متمثلة برجل الدين الشيعي البارز، علي السيستاني، والتأكيد على رفض العدوان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية في إيران.
وتلا المجتمعون بياناً صحافياً دعوا فيه المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى «تحمّل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، والوقوف بوجه هذا العدوان، وإعلاء مبادئ الشرعية الدولية والعدالة».
وعبر البيان عن رفض شيوخ العشائر «لأي انتهاك للسيادة العراقية والاعتداء على سماء الوطن»، معتبرين ذلك «تجاوزاً مرفوضاً على الأمن القومي وكرامة العراق»، داعين في الوقت عينه الحكومة العراقية إلى «اتخاذ ما يلزم من إجراءات كفيلة لحماية السيادة الوطنية».
كما شدد البيان على أهمية «وحدة الصف الوطني والوقوف خلف المرجعية العليا دفاعاً عن العراق وشعبه، ومواجهة كل محاولات زعزعة أمنه واستقراره، وتمزيق نسيجه الاجتماعي».
قيادي في الفصائل يطلب حظراً جوياً على الأمريكان والصهاينة
في مقابل ذلك، جدّدت الفصائل العراقية تهديداتها للولايات المتحدة الأمريكية، باستهداف مصالحها في العراق والمنطقة، في حال مشاركتها في الحرب ضد إيران.
وفجر امس الجمعة، قال أبو علي العسكري، المسؤول الأمني في كتائب «حزب الله»، في «تدوينة» له «نؤكد مجددا، وبشكل أكثر وضوحاً؛ إذا دخلت الولايات المتحدة الحرب، فسيخسر المعتوه ترامب كل التريليونات التي يحلم بالاستيلاء عليها من المنطقة. وقد وُضعت البرامج العملية لذلك، و(ذلكَ وَعْدٌ غَيْرُ مكذوب)».
وأكد أنه «بلا ريب ستتحول قواعد أمريكا في المنطقة إلى ما يشبه ميادين صيد البط، وسيُغلق مضيق هرمز وباب المندب وتتوقف الموانئ النفطية في البحر الأحمر، ناهيك عن المفاجآت التي قد تحدث لطائراتها في السماء، و(لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)».
وتصاعد خطاب الفصائل العراقية عقب تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإمكانية اغتيال المرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي يمتلك قاعدة واسعة من «المقلدين» في العراق، جُلّهم من فصائل المقاومة وأنصارهم.
ومن بين المواقف بهذا الشأن، أصدر جمع من طلبة العلوم الدينية في محافظة البصرة، بيانًا وصفوا فيه أنفسهم بـ«المشاريع الاستشهادية» تحت راية خامنئي، ورهن إشارة المرجعية العليا في النجف.
وجاء في بيان صحافي مُتداول أنه «لا نوجه شجبًا ولا استنكارًا، بل نوجّه سلاحنا إلى صدور العملاء، ونقول للسيد الخامنئي نحن معكم مقاتلون».
وأضاف البيان أن «الحكومة العراقية مطالبة بالخروج من البيانات الباردة إلى ميدان الفعل السيادي، من خلال الإغلاق الفوري للأجواء العراقية أمام أي طيران يُستخدم لتنفيذ ضربات عسكرية ضد إيران»، مؤكدين أن «ذلك أضعف الإيمان وأدنى مراتب الرد».
كما دعا البيان إلى «تطهير الأراضي العراقية من دنس قوات الاحتلال الأجنبية، وفي مقدمتها القوات الأمريكية»، مشيراً إلى أن «مقر سفارة الشيطان الأكبر (في إشارة إلى السفارة الأمريكية) يمثل خنجراً مسموماً في خاصرة السيادة العراقية».
وتتفق حركة «النجباء» بزعامة أكرم الكعبي، مع طرح طلبة الدين هذا، إذ دعت الحكومة العراقية إلى إنشاء منطقة حظر جوي في سماء العراق أمام الطيران الأمريكي والإسرائيلي.
وقال رئيس المجلس السياسي للحركة، علي الأسدي في «تدوينة» له، إنه «في خضم صراع الحق مع الباطل، والاستكبار العالمي مع دولة الإسلام، لا بد لكل حر في العالم أن يكون له موقف مشرّف يدّخره ليوم لا ريب فيه، ويقف مع الحق الذي هو شرف فِي الدنيا والآخرة، ونحن إذ نكبر ونثمّن عاليا الموقف الباكستاني في اصطفافه مع الحق وأهله، ندعو ونحث بقية الدول الإسلامية والعربية على أن تقف الموقف نفسه».
وأضاف: «من موقع المسؤولية، ندعو الحكومة العراقية إلى أن تعلن سماء العراق منطقة حظر جويّ على الأمريكان والصهاينة، وتوجيه الدفاعات الجوية في الجيش العراقي والحشد الشعبي لاستهداف أي طيران حربي أو صواريخ إسرائيلية تنتهك سيادة العراق وتمر عبر سمائه».
ومن المقرر أن يتسلم العراق خلال الأشهر المقبلة دفعة من منظومة دفاع جوي «متطورة» من كوريا، ضمن خطة شاملة لتحديث القدرات الدفاعية وحماية الأجواء الوطنية.
ووفق وزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، فإن «من المقرر أن نتسلّم الوجبة الأولى من هذه المنظومة خلال الأشهر المقبلة، وفق جدول زمني مدروس يراعي أولوياتنا الوطنية واحتياجات قواتنا المسلحة».
وأشار في بيان صحافي أمس الى «اتفاق مع شركة كورية، تابعة لوزارة الدفاع في كوريا الجنوبية»، واصفاً إياه بـ «اتفاق استراتيجي يشكّل خطوة نوعية وغير مسبوقة في تاريخ وزارة الدفاع».
وأوضح أن «المشروع يندرج ضمن خطة استراتيجية بدأت بها الوزارة منذ توليه مهامه، وتشمل تأمين الأجواء العراقية من خلال تطوير منظومة الدفاع الجوي».
وقال في هذا السياق: «بدأنا بإجراء تقييم شامل للواقع الحالي، ورصد التحديات والفراغات التي تعاني منها المنظومة، سواء على صعيد الجاهزية التقنية أو التعاقدات السابقة».
طائرات فرنسية
العباسي أكد أن «التحديث يشمل أيضاً الطائرات»، مشيراً إلى أن العراق «تسلّم مؤخراً الوجبة الأولى من الطائرات الفرنسية متعددة المهام من نوع كاركال، وستتوالى الدفعات الأخرى خلال الفترة المقبلة».
وشدد على أن «الطريق لم يكن سهلاً، وأن الوزارة ورثت تراكماً كبيراً من التحديات، لا سيما في ما يخص منظومة الدفاع الجوي والإخفاقات السابقة في مجال التعاقدات».
واختتم الوزير بيانه بالتأكيد على أن الجهود «مستمرة ولن تتوقف، والمرحلة المقبلة ستشهد المزيد من خطوات التحديث العسكري والتسليح النوعي».