بغداد ـ «القدس العربي»: أعلنت القوى السياسية العراقية، عن عقبات جديدة تحول دون التصويت على مشروع قانون الموازنة المالية الاتحادية 2021، في جلسة برلمانية مقررة السبت المقبل، ففيما وضع تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري جمّلة شروط مقابل التصويت على الموازنة، انتقد تحالف «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر، الموازنة التشغيلية الصحية الخاصة بالمحافظات، واصفاً إياها بـ«غير عادلة» ملوحاً باستجواب وزير المالية الاتحادي، علي علاوي.
وأكدت النائبة عن تحالف «الفتح» وفاء الشمري، أمس الإثنين، مقاطعة جلسة التصويت على الموازنة في حال خُصصت للمصالح الضيقة وليست العامة ولم تنصف الطبقات الفقيرة.
وقالت في بيان صحافي، إن «هنالك العديد من الطبقات التي تضررت بسبب الاجراءات الحكومية الاخيرة لمعالجة الأزمة المالية من خلال رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، إضافة إلى وضع فقرات عديدة في الموازنة فيها ضرائب على تلك الطبقات تحت عناوين مختلفة» مبدية «أسفها لما يجري من صراعات سياسية يدفع ثمنها المواطن الفقير».
تغليب مصلحة المواطن
ودعت، القوى السياسية إلى «تغليب مصلحة المواطن على المصالح الضيقة، وتضمين الموازنة مقترحات ترتكز على تخفيض سعر صرف الدولار وتوفير فرص عمل للشباب وزيادة تخصيصات البطاقة التموينية في الموازنة» مشددة على «أهمية إنصاف المحافظات المتضررة خصوصا محافظات الوسط والجنوب في الموازنة ودعم المشاريع التي تسهم في توفير فرص عمل للشباب للقضاء على البطالة».
ولفتت إلى أن «وفي حال عدم إنصاف الطبقات الفقيرة في الموازنة فاننا سنقاطع الجلسة لأنها ستكون موازنة مصالح ضيقة وليست موازنة مصالح عامة».
في السياق، قال النائب عن تحالف «سائرون» جواد الموسوي، في بيان صحافي، إن «وزارة المالية اقترفت خطا كبير بتوزيع الموازنة التشغيلية لدوائر الصحة حيث إنها خصصت لثلاث محافظات ما يقارب مئة وأربعة وثلاثين مليار دينار وهي الأنبار وصلاح الدين ونينوى، بينما خصصت لأربع محافظات جنوبية إثنين وثمانين مليار دينار، وهي كربلاء والمثنى وميسان فضلا عن ذي قار».
وأضاف أن «المحافظات الجنوبية التي تفتقر لأبسط الخدمات ما تزال للجهات التنفيذية بغبنها، وأبسط دليل هذه الأموال القليلة التي خصصت لها مقارنة بالمحافظات الغربية» مؤكداً أن «هذه القضية لن يسكت عنها وسيكون لنا موقف حازم في البرلمان قد يصل للإطاحة بوزير المالية إذا لم يتدارك هذا الخطأ».
سؤال برلماني
وأشار إلى أنه «سيوجه سؤالا برلمانيا بشأن هذه القضية لمعرفة الأسباب التي دفعت الجهات المعنية لأتخاذ مثل هكذا قرارت لا تتناسب وحجم ما تعانيه المحافظات الجنوبية من نقص للخدمات، وخاصة النقص الخاص لمختلف الاحتياجات في القطاع الصحي وأبرزها قله المستشفيات الحكومية».
وتطالب قوى سياسية شيعية بإعادة سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي إلى ما كان عليه سابق، قبل رفع سعره إلى ألف و450 ديناراً مقابل الدولار الواحد، كإجراء لتوفير سيولة مالية للحكومة تغطي من خلالها عجز الموازنة، والأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها الدولة العراقية.
مقترحات
في هذا الشأن، قدم الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، مقترحات عدة لمعالجة تغيير سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي.
وقال في «تغريدة» عبر «تويتر» إنه «مع تزايد معاناة عدد كبير من أبناء شعبنا بسبب ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية المستمر نتيجة القرار الحكومي برفع سعر صرف الدولار، وحتى يتم التراجع عن هذا القرار، لابد من اللجوء إلى طرق أخرى لتخفيف هذه المعاناة، منها إضافة مخصصات إلى رواتب الموظفين المتضررين وكذلك المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية».
وأضاف: «دعم أصحاب المصانع والمعامل التي تنتج السلع الاستهلاكية، مضافاً إلى تأكيدنا على زيادة أسعار شراء محاصيل الحبوب الاستراتيجية لتوفير الاكتفاء الذاتي، وبما يسهم في زيادة فرص العمل في قطاع الزراعة والصناعة، خصوصاً مع توفر السيولة المالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط».
كذلك، طالبت كتلة النهج الوطني، الممثلة لحزب الفضيلة الإسلامي الشيعي في البرلمان، أمس، بإعادة سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه لتفادي أضرار اقتصادية واسعة على العراقيين.
تحالفا العامري والصدر يلوّحان بمقاطعة جلسة التصويت المالية
وقال رئيس الكتلة، عمار طعمة، في بيان صحافي، إن «أهم مبررين روّج لهما المتحمسون لرفع سعر صرف الدولار هما لتغطية عجز الموازنة، وتنشيط الصناعة الوطنية وتنافسها مع المنتج المستورد، وكلا المبررين غير واقعيين ولا يصمدان أمام الوقائع العلمية».
وأضاف، أن «مبرر تغطية سد العجز في الموازنة نشأ في تفكير المطالبين برفع سعر الصرف وقت إعداد مبادئ وأسس الموازنة قبل اكثر من أربعة اشهر، حينما كان سعر بيع النفط لم يتجاوز (40) دولارا للبرميل الواحد، بينما تصاعد سعر النفط خلال الأشهر الماضية بشكل واضح حتى قارب (68) دولارا للبرميل الواحد».
وأوضح، أن «تقديرات الفرق الحاصل من رفع سعر الصرف طيلة عام كامل كإيرادات لا تتجاوز (8) تريليونات دينار في اعلى معدل، بينما يبلغ فرق زيادة سعر بيع النفط عما مثبت في مشروع الموازنة لشهر كانون الثاني فقط (1.5) تريليون دينار تقريبا، ولشهر شباط يبلغ فرق زيادة سعر النفط ( 2,5) تريليون دينار، بمعنى آخر ان الإيرادات الإضافية المتحصلة من زيادة سعر بيع النفط خلال الشهرين الاوليين من سنة 2021 يبلغ (4) تريليون دينار تقريبا وهي تساوي نصف ما يتم تحصيله في سنة كاملة من رفع سعر صرف الدولار».
وتابع: «وهذا المورد لوحده ينهي تماما المبرر الأول الذي طرحوه لرفع سعر صرف الدينار، ناهيك عن موارد أخرى لو تم استيفاؤها بجدية وكفاءة فانها ستوفر اكثر من تلك المبالغ كما هو الحال في إيرادات المنافذ من جميع محافظات العراق بما فيها الاقليم، وعائدات رخص الهاتف النقال، وتقليل كلف جولات التراخيص النفطية الاتحادية والمبرمة من قبل الاقليم مع الشركات الأجنبية خلافا للدستور والقوانين النافذة وغيرها من الإيرادات».
وأكد، أن «مبرر تنشيط الصناعة الوطنية الذي سوقوه داعيا آخر لرفع سعر الدولار تعارضه كثير من الحقائق منها، «قيام الحكومة باعفاء مئات المواد المستورة من الرسوم الجمركية من خلال الاتفاقية مع الاردن، وكيف ينسجم هذا الإجراء مع دعم الصناعة والمنتج الوطني، فمن المعلوم أن فرض الرسوم الجمركية على المستورد الأجنبي يجعل سعره اعلى بكثير من سعر المنتج الوطني، وعندها يزيد اقبال المواطن المستهلك على المنتج المحلي ويرجح اقتناؤه على المنتوج المستورد الأعلى سعرا».
وأشار إلى أن «مضاعفة الرسوم الجمركية على المنتج المستورد المماثل للمنتج الوطني إجراء آخر ينشط ويحفز الصناعة الوطنية من جهة ويزيد الإيرادات غير النفطية المتحصلة من زيادة الرسوم الجمركية تلك» مبيناً أن «إلغاء استيراد المنتج المستورد الذي يتوفر منتج وطني مماثل له اجراء مناسب لتحفيز الصناعة الوطنية، وليس يترك استيراد ما يماثل المنتج الوطني بحرية ودون قيود، فهل يحقق ذلك دعمًا للمنتج الصناعي الوطني؟!».
واعتبر أن «كثيرا من المواد الأولية التي تعتمد عليها الصناعة الوطنية المراد النهوض بها من خلال رفع سعر صرف الدولار !! يتم استيرادها من الخارج، وهذا يعني أن كلفة صناعة المنتج الوطني ستتضاعف وسيزيد سعر بيعه على المواطن بالقياس لسعر المنتج المستورد، وعندها سيتجه خيار المواطن المستهلك لشراء المنتج الأرخص وقد يكون غالبًا هو المستورد وفقا لهذه المعادلة المختلّة».
ولفت إلى أن «استيراد خطوط الإنتاج والمعدات والمكائن يكون من الخارج أيضا، ونتيجة رفع سعر الدولار سترتفع أسعار شراء هذه المعدات، وكما هو معلوم فان عناصر تكوين قيمة المنتج تدخل فيها كلف معدات الإنتاج وخطوطه» منوهاً إلى «عدم سيطرة الحكومة الاتحادية على جميع منافذ البلاد، وعدم خضوعها لسياسة تجارية واقتصادية موحدة الإجراءات والإدارة سيبدد أي جهود لدعم المنتج الوطني مقابل المنتج المستورد».
وختم بالقول: «غياب البنية التحتية الصناعية او عدم اكتمالها قبل اتخاذ قرار رفع سعر الصرف يشبه من يقدم العربة قبل الحصان لو صحّ التوصيف، ويخالف طبيعة الأشياء المستلزم لتهيئة المقدمات الأساسية للمشروع قبل المباشرة بأجزائه الفوقية !!».
خفض قيمة الدولار
ويخطط أعضاء في مجلس النواب الاتحادي، لخفض قيمة الدولار أمام الدينار العراقي، غير أن مدير المركز العراقي الاقتصادي السياسي، وسام حدمل الحلو، أكد أنه لا يمكن لمجلس النواب العراقي تغيير سعر الصرف.
وبيَّن الحلو، في بيان صحافي، أن «قانون 56 للعام 2004 المادة 4، يؤكد أن من المهام الرئيسة للبنك المركزي العراقي هي تحديد سعر الصرف بتنسيق مع وزارة المالية والحكومة العراقية، وان مجلس النواب لا يحق له تحديد سعر الصرف».
ولفتً إلى أنه «في حال أصَّر مجلس النواب على تغير سعر الصرف في الموازنة المخصصة للعام 2021، سيقوم البنك المركزي العراقي بالطعن في الموازنة».
وأشار إلى أن «ما يحصل في أروقة مجلس النواب العراقي ما هو إلى كسب انتخابي بين كتل محددة من أجل كسب ود الشارع العراقي» داعياً الى «تعزيز إيرادات الدولة والجمارك وضبط جميع المنافذ الحدودية ودعم القطاعات المتضررة من تغير سعر الصرف وايجاد حلول اقتصادية سريعة تعزز من تقويم القطاع الخاص العراقي ودعم المشاريع الصغيرة بقروض مصرفية تعزز سوق العمل في العراق».
وأكد محافظ البنك المركزي العراقي، مصطفى غالب مخيف، أن جائحة كورونا أدت إلى ارتفاع الديون المتعثرة بنسبة 18 ٪ خلال العام 2020، فيما بين أن تغيير سعر صرف الدينار امام الدولار ساهم في تعزيز الاستدامة المالية.
وقال البنك في بيان، إن محافظه شارك في ندوة «تأثير كوفيد 19 على المؤسسات المالية» التي نظمتها رابطة المصارف الخاصة العراقية، الى جانب محافظ البنك المركزي الأردني زياد فريز، ورئيس جمعية مصارف البحرين عدنان يوسف، ورئيس رابطة المصارف الخاصة العراقية وديع الحنظل، والتي حضرها عدد من المتخصصين والخبراء العراقيين والعرب.
وأكد المحافظ في مداخلته، إن «البنك المركزي العراقي اتخذ سلسلة من الإجراءات لمواجهة تأثيرات فيروس كورونا على الاقتصاد» مشيرا إلى أن «الجائحة أدت إلى ارتفاع الديون المتعثرة بنسبة 18 بالمائة خلال العام 2020، مما يتطلب اتخاذ معالجات تحاكي معطيات الواقع العراقي لاسيما الأمنية والقانونية».
وأوضح، أن «تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار ساهم في تعزيز الاستدامة المالية نتيجة ارتفاع حجم الاحتياطات الأجنبية وتعزيز المالية العامة مما يزيد من موثوقية المستثمرين وانخفاض تكاليف الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية للسلع المحلية وتوازن ميزان المدفوعات من خلال انخفاض حجم الاستيرادات الأجنبية».
وأشار إلى أن «التحدي الأكبر يتمثل بإعادة استثمار الإيرادات المتحققة من عملية خفض سعر الصرف التي يجب ان تساهم في بناء قاعدة إنتاجية خارج القطاع النفطي لتعمل كرافعة مالية للاقتصاد العراقي وتخليصه من إشكالية أحادية المورد المالي».