العراق: فضيحة الجنود الوهميين في «الدولة الوهمية»

حجم الخط
18

بدأت السلطات العراقية توسيع التحقيقات في قضية الجنود الوهميين» بعد الكشف عن وجود خمسين الف عنصر «وهمي» في الجيش، وهو ما بات يعرف اعلاميا بـ»الفضائيين»، ليشمل أيضا وزارة الداخلية بكافة مراكزها الأمنية.والمقصود من «الجنود الوهميين او الفضائيين» عناصر في الأجهزة الأمنية العراقية من الجيش والشرطة ممن يتمتعون بإجازات مفتوحة مقابل دفع مرتباتهم الشهرية إلى قادتهم العسكريين مع ضمان استمرارهم بالخدمة، أو جنود قتلوا في المعارك ولم تحذف أسماؤهم من قوائم الرواتب الشهرية.
واكد برلمانيون عراقيون ان «الجنود الوهميين» يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية عن سقوط الموصل في ايدي داعش، حيث ان الآلاف منهم كانوا من الذين يفترض ان يدافعوا عن المدينة.
واشاروا إلى ان هذه الظاهرة كانت موجودة قبل الغزو الامريكي للعراق في العام 2003، لكنها كانت محدودة للغاية، ثم توسعت منذئذ، مؤكدين ان العدد الحقيقي لـ «الجنود الوهميين» قد يكون اكبر كثيرا من الخمسين الفا الذين اعلن عنهم رئيس الوزراء حيدر العبادي قبل يومين، حيث ان «الوهم موجود» ايضا بين صفوف الشرطة واجهزة امنية اخرى.
ويتقاضى الجندي العراقي راتبا شهريا متوسطا قدره 750 ألف دينار عراقي، اي نحو 600 دولار أمريكي، وهو ذاته الذي يتقاضاه أقرانه في وزارة الداخلية من الجنود بينما يتقاضى الضباط في وزارتي الدفاع والداخلية، حسب الرتب العسكرية راتبا مضاعفا.
واذا افترضنا ان الخمسين الفا هو العدد النهائي في هذه الفضيحة، سيتبين ان مقدار ما تم اهداره من اموال الشعب العراقي على اولئك «الوهميين» في السنوات العشر الماضية هو ثلاثة مليارات وستمئة مليون دولار. اما اذا اردنا اضافة قيمة «الصفقات الوهمية» في التسليح والتدريب لذلك «الجيش الوهمي» حقا، فان ذلك الرقم سيتضاعف عشرات المرات دون مبالغة.
وبينما يتحدث البعض عن ضرورة احالة مسؤولين عسكريين إلى التقاعد او المحاكمة، لم يشر احد إلى المسؤولية الجنائية والسياسية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي تولى الحكم لثماني سنوات وكان يترأس خلالها كافة الاجهزة والقوات الامنية بما فيها الجيش والشرطة.
لم يفسر احد للشعب العراقي الذي اصبح يعاني الفقر والجوع ويطلب المساعدات الدولية لاغاثة اكثر من مليون نازح، كيف تمكنت الحكومة من التورط في كل هذا الفساد، واهدار كل تلك المليارات طوال تلك السنوات دون أدنى خوف من محاسبة او عقاب؟
ومن المشروع ان يسأل العراقيون اليوم: هل الخوف من تكشف مثل هذه الفضائح هو ما جعل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يصر على التشبث بمنصبه حتى بعد ان تخلى عنه اغلب انصاره، ثم جعله يصر على تولي منصب «نائب رئيس الجمهورية» طلبا لاستمرار الحصانة؟
اما السؤال الاهم، فهو ان كانت مثل هذه الفضيحة ممكنة الحدوث اصلا في دولة حقيقية؟ ام ان «دولة المالكي» نفسها، وليس الجيش فقط، كانت «وهما كبيرا»، ومجرد ستار رسمي للفساد، وحصنا يختبئ فيه المفسدون؟
الواقع ان كثيرا من العراقيين يدركون ان فضيحة «الفضائيين» او الجنود الوهميين ليست سوى «قمة جبل الجليد»، وهو ما جعل العراق يحتل المركز الثاني في قائمة اكثر الدول فسادا حسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية خلال سنوات حكم المالكي.
ولقد احسن رئيس الوزراء حيدر العبادي بالكشف عن هذه الفضيحة امام البرلمان، الا ان هذا ليس كافيا، اذ يحتم عليه واجبه ان يحقق سياسيا وجنائيا مع كافة المسؤولين عن اهدار اموال الشعب العراقي، مهما كانت المناصب التي يتقلدونها.
الواقع ان مواجهة الفساد الذي استشرى في مفاصل الحكومة ويسهم بقوة فيما يعانيه العراقيون حتى اليوم من ويلات، تبقى شرطا رئيسيا لوجود دولة حقيقية جديرة بثقة شعبها. وبالطبع فان هذا يجب ان يحدث ضمن مقاربة سياسية شاملة تقوم على الشفافية الكاملة في ادوات الحكم، والاصطفاف الوطني وراء مشروع قومي لانقاذ العراق من الوقوع في غياهب الظلام والتطرف والاقتتال الطائفي.
اما البديل فهو مزيد من الاندفاع نحو وضع تهيمن عليه مصالح ضيقة ورؤى انفصالية، وانهيارات امنية واقتصادية، وخرائط لكانتونات عرقية وطائفية، ما قد يستحيل معه الحفاظ على العراق كما عرفناه سواء كدولة حقيقية او حتى وهمية.

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سحاب الإمارات:

    صدقت يأخ / R. Ali USA
    كما فعل إيران بالعراق من فساد
    الدور على لبنان واليمن
    وإن غداً لناظره لقريب

  2. يقول على نور الله:

    طبعا المعلقين علقوا على العراق و مراجع الشيعة و ايران ، و الواحد يشعر ان كل البلاد العربية ما شاء الله ليس فيها اى فساد ، و نسينا صفقات الاسلحة المليارية و التى لم نر من هذه الاسلحة طلقة واحدة على عدو .
    تناسى المعلقون الربط بين الفساد و المراجع السنة التى تعيش فى اغنى القصور و تتلقى رواتب من الدولة ، بينما مراجع الشيعة فى ايديهم المليارات و لكن يعيشون فى بيوت اقل مستوى من الطبقة المتوسطة من الشيعة .

  3. يقول ماجدة / المغرب:

    عندي صديقة عراقية احادثها احيانا عبر الانترنت والمسكينة دائما في حالة تذمر شديد من الفساد المهول الذي استشرى في مفاصل الدولة
    شئ لا يصدق ما تحكيه ودائما اتذكرها مقولتها : احنا ما عدنا دولة احنا عدنا عصابات
    هذا ما يحدث فعلا فهذا شغل عصابات يسرقون نهارا جهارا
    والمشكلة المحاسبة غائبة فالسارق يسرق حتى تتقطع جيوله واذا ما اثير حوله اللغط يقال من منصبه ويذهب للتمتع بما جناه من اموال
    اتساءل : هل يا ترى حين يخلد هؤلاء للنوم يستطيعون فعلا ان يغمضوا عيونهم ؟
    يا رب اكفنا بحلالك عن حرامك

  4. يقول علي اللاذقاني:

    للأسف الشديد لا احد يتكلم عن مسؤولية المالكي وتقديمه للمحاكمة على هذا الفساد،،

  5. يقول م حسن:

    قادتنا الأعزاء جعلونا نعيش أوهام في ألأوهام .

  6. يقول Visitor:

    يا علي نور الله, تعال لندن وشوف كيف (المظلومين) الشيعة كيف عايشين والبيوت الفخمة التي يشترونها بعرقهم المبذول في الفساد.

  7. يقول محمد الهيتي-العراق:

    لو فرضنا ان اجمالي موجود الفرقة 15 الف مقاتل فان مجموع 4 فرق هو 60 الف مقاتل وهذا يعني ان عدد المقاتلين اللذين دافعو عن الموصل وتكريت هم 10 الاف من مجموع 60 الف وهذا العدد القليل من القوة القتالية لايكفي للدفاع فضلا عن كون معنوياتهم هابطة بسبب هذا الكم الهائل من الجنود الفضائيين

  8. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وشكراً لرأي القدس العربي

    الفساد الاداري والمالي هي اَفة بشرية لاتقتصر على العرب دون غيرهم من الاجناس البشرية…كل الذي تغير بالنسبة للعراق هو زوال الاستداد والطغيان الذي كان يستحكم بكل خيوط المال والاقتصاد والتي كانت بيد القلة القليلة من البشر الذين يدينون بولائهم المطلق لرأس النظام. هذا كان الحال عند صدام حسين وحسني السيد ومعمرالقذافي وعلي صالح وزين العابدين…

    عندما هبت ” رياح التغيير” أنكشف المستور وظهر كل شئ للعلن بسبب الحريات والديمقراطيات ” النسبية ” التي حلت محل الانظمة السابقة وبالذات فعل الاعلام الحر الذي أخذ على عاتقه ملاحقة الفساد والمفسدين وهذا – فيما يتعلق بالعراق – ما تقوم به عدة قنواة فضائية عراقية بما فيها قناة البغدادية / ستوديو التاسعة لأنور الحمداني…

    المهم في نهاية الامر أن يكون هناك قضاء عادل و ” غير مسيّس ” من أجل القضاء على هذه الاَفة وقبرها في مهدها نهائياً…والله تبارك وتعالى وليّ التوفيق.

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية