العراق: ميليشيات تسرق نفط القيارة بأختام وتواقيع الدولة

خالد الخليل
حجم الخط
0

يشكو أهالي نينوى منذ أن طردت القوات العراقية المدعومة بغطاء جوي أمريكي تنظيم “الدولة” من مدينة الموصل خلال العام 2017 من عمليات فساد وتهريب وتزوير تقوم بها جهات محسوبة على الحشد الشعبي، وكانت أبرز الشكاوى تتمحور حول ما يسمى المكاتب الاقتصادية سيئة الصيت، وتهريب الحديد والخردة من أنقاض حرب الموصل، والاستحواذ على أملاك وعقارات الدولة، فضلاً عن سرقة النفط من بعض حقول المحافظة وتهريبها إلى كردستان ثم تركيا وأحيانا إلى جنوب العراق في اتجاه ميناء البصرة.

وفي حديث خاص لـ”القدس العربي” قال أحد موظفي مصفى القيارة النفطي طالباً عدم الكشف عن اسمه إن “فصيلا في الحشد يسمى كتائب الإمام يسيطر على أغلب حقول النفط هنا، وتأتي سيارات نقل كبيرة (صهاريج) بصورة شبه يومية لتأخذ حمولتها من النفط وتتجه إلى أماكن لا نعرفها”. وأضاف: “أرقام الآبار التي يستخرج هذا الفصيل النفط منها هي 30 و31 و32 و33 و53 و57 و90 و87 ونحن كموظفين نقوم تحت الإكراه بعمل الموافقات المطلوبة لتلك الصهاريج لتتنقّل وكأن الأمر قانوني جدا، وقد أبلغنا المسؤولين في الناحية بالأمر مرات، لكنهم لم يفعلوا شيئا”. وتابع “هذا الفصيل متعاقد مع شركتين محلتين تقومان بنقل النفط حصرا، وأن أي سيارة حمل تأتي من خارجهما يأخذون عليها ضريبة حمولة لا تقل عن 600 دولار”.

كلام الموظف لم يختلف كثيراً عن تصريحات مسؤولين عراقيين حول سرقة النفط من حقول القيّارة وتهريبه لصالح فصيل سمّاه بعضهم، وأشار إليه بعضهم بصورة غير مباشرة خوفاً من يد تلك الميليشيات الطويلة وذلك خلال تصريحات صحافية ولقاءات إعلامية ومنشورات على وسائل التواصل. ففي تصريح لصحف محلية قال المسؤول في حزب طالباني رشاد كلالي إن “نفط مصفى القيارة يتم تهريبه بشكل يومي إلى الأراضي التركية عبر أشخاص محسوبين على الحشد الشعبي ومتنفذين في أربيل بالاتفاق فيما بينهم” مبيناً أن “عملية التهريب تتم عبر الشاحنات التي تسلك الطرق الوعرة وغير المعبدة والجبلية أيضاً للوصول إلى الأراضي التركية” وأشار إلى أن “المهربين لديهم نفوذ واسع وتواصل قوي مع القوات الأمنية وعملية التهريب تتم بشكل يومي من مصفى القيارة”.

في العهدين

وكان تنظيم “الدولة” يستخدم الحقول نفسها لتهريب النفط والاستفادة من أمواله لتمويل عملياته العسكرية، وقد شجّع في حينها سائقي سيارات الحمل الكبيرة (الصهاريج) على التعامل معه ونقل النفط، وذلك عن طريق منحهم أجور نقل عالية، فكان بعض السوّاق يخاطرون بأنفسهم لأجل المنفعة المالية غير مبالين باستهداف طائرات التحالف لبعض الصهاريج، وقد فرضت الحكومة العراقية حظرا على كل سائق ثبت تعامله مع تنظيم “الدولة” أيام سيطرته على المدينة، إلا أن بعض المواطنين داخل القيّارة يقولون إن السوّاق أنفسهم الذين كانوا ينقلون النفط لتنظيم “الدولة” عادوا يفعلون الشيء نفسه لفصيل الحشد المسيطر على الناحية، مستفيدين من الحماية التي وفّرها لهم الفصيل رغم شكاوى قدّمها ضدهم عدد من المتضررين من حكم تنظيم “الدولة”.

واتهم مسؤولون محافظ نينوى المستقيل تحت الضغط بأنه يتستر على فصائل في الحشد قالوا أنها تستبيح المحافظة منذ عمليات التحرير، ووصل الأمر ببعضهم إلى وصف المحافظ بأنه سمسار الميليشيات في الموصل، وأن كل شيء تفعله الميليشيات داخل المدينة يكون تحت غطاء إدارة المحافظة، ولهذا السبب شنّ النائب عن محافظة نينوى أحمد الجبوري حملة إعلامية ضد محافظ نينوى بالتواطؤ مع السُّرَّاق متّهماً ميليشيات الحشد الشعبي بسرقة 100 صهريج نفط يومياً من حقول القيارة بغطاء من المحافظ الذي وصفه بأنه شريك الفاسدين، وقال الجبوري في تغريدة عبر حسابه في “تويتر” إن “حقول نفط القيارة فيها (72 بئراً نفطية) كانت داعش تُهرّب من هذه الآبار وتبيعه لحسابها، ومنذ التحرير وإلى الآن والحكومة الحالية والسابقة تعلم بأن جهات مسلحة نافذة محسوبة على فصائل الحشد الشعبي تسرق يوميا 100 صهريج من النفط الخام وتبيعه لصالحها، والحكومة صامتة”. وذيَّل الجبوري تغريدته بهاشتاغ “أنقذوا نفط العراق” وفي تصريحات لقناة محلية قال الجبوري: “لن تنتهي سرقة النفط إلا بإزاحة ق محافظ نينوى نوفل العاكوب”.

حاميها حراميها

وكانت ميليشيا كتائب الإمام المسيطرة على آبار نفط القيارة قالت أنها تتواجد هناك لحماية الآبار من أي عمليات تخريب قد تنفذها “داعش” ونفت حصول أي عمليات سرقة أو تهريب وأن كل شيء يجري بعلم وتصاريح من وزارة النفط، لكن أثيل النجيفي القيادي في حزب “للعراق متحدون” ومحافظ نينوى السابق، نفى ادعاءات الميليشيا وأكّد المعلومات التي تحدثت عن تهريب نحو 100 صهريج نفط يومياً من حقول القيارة جنوب الموصل، مشيراً إلى أن عمليات التهريب ما زالت مستمرة، وقال في تصريح صحافي إن “هناك جهات مسلحة تدّعي حماية هذه الآبار، لكنها تتحكم فيها، بحيث لا يستطيع أحد التدخل في عملها” وأشار محافظ نينوى السابق إلى أن “عمليات تهريب النفط من تلك المناطق مستمرة”.

وفي السياق، قال متابعون أن الميليشيات تتقاسم الموارد الاقتصادية في مدينة الموصل تحت غطاء يوفره لهم مسؤولو الإدارة المحلية في المدينة، إذ يسيطر بعضها على النفط، وأخرى على الحديد الخردة (السكراب) بينما تفرض ميليشيات أخرى إتاوات على مصالح السكان المحليين من مطاعم ومحال تجارية.

الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي عمر نزار قال لنا نقلا عن موظف في محافظة نينوى: “تصلنا يوميا أوراق من ناحية القيارة مختومة بختم مدير الناحية مضمونها الموافقة على سحب كميات من النفط وتسهيل مهمة سيارات نقل النفط فتتم الموافقة عليها فوراً” وأضاف “أن هذا الأمر توقف بعد إقالة محافظ نينوى واستلام خلية الأزمة مهام إدارة المحافظة”. وحول الموضوع نفسه قال وعد محسن وهو عنصر في الحشد العشائري يقف في سيطرة تابعة للحشد قرب قرية زهيليله إن “جميع سائقي الشاحنات التي تنقل النفط من حقول نجمه يحملون أوراقا رسمية للمرور عبر السيطرات، وتحتوي هذه الأوراق على موافقات من مدير ناحية القيارة وقائم مقامها”. وهو الأمر الذي أكّده مسؤولون محلّيون في محافظة نينوى قائلين إن السرقات تحصل بشكل ممنهج ومرتب، وأنها تتم بأختام وتواقيع من إدارة محافظة نينوى وناحية القيّارة، وأن أولئك المسؤولين يفعلون ذلك للحفاظ على مناصبهم فضلاً عن الحصص التي تصلهم من أموال الشعب المسروقة.

وكان الصحافي الموصلي زياد السنجري نشر على صفحته في “تويتر” عددا من مقاطع الفيديو يوثّق فيه عمليات تهريب النفط من حقول القيّارة، وعلّق عليها بالقول: “تستمر عمليات تهريب النفط في جنوب مدينة ‎الموصل بوضح النهار من حقول القيارة 30_31_32 وكتائب الإمام هي من تؤمِّن نقلها يوميا بمعدل 100 صهريج،‏ والطريق المحدول (غير المعبّد) الذي تسير عليه صهاريج النفط هذه غير رسمي، واستُحدث بأمر محافظ نينوى الحالي لغرض التهريب فقط، وبعلم مجلس المحافظة المتواطئ مع المحافظ” وأضاف “مكتب رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي يزود الدوائر ذات العلاقة بأوراق رسمية لإصدار الموافقات لتهريب هذا النفط العراقي لحساب إيران، وهذه نسخة من الأوراق التي يحملها سواق الصهاريج” وقد أرفق السنجري في تغريدته نسخة من أحد الأوراق التي تحمل تواقيع وأختام رسمية لتسهيل مهمة سائقي الصهاريج.

الحل؟

ويتساءل أهالي الموصل عن كيفية الخلاص من هذه الفوضى واللامركزية التي استفحلت في المدينة، وهل ستبقى تحت نفوذ الميليشيات التي ترى فيها مجرّد مجرى مالي لا ينضب. ويستبشر البعض بأن الأمور بدأت تتغير بعد فاجعة غرق العبارة التي راح ضحيتها العشرات وكان سببها أيضا جشع بعض تلك الميليشيات الساعية للحصول على المال ولو على حساب أرواح الناس، فيما قال آخرون إن إسقاط بعض الرموز كمحافظ نينوى وعدد من معاونيه إنما هو محاولة لامتصاص غضب الأهالي، وأن الفساد هو أخطبوط ممتدةٌ أذرعُه في سائر أركان المحافظة، ورأوا أن أول الحلول هو طرد جميع الميليشيات من المدينة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية