العلاقات الفرنسية الجزائرية على المحك.. هل بلغت نقطة اللاعودة؟

حجم الخط
17

باريس: تشهد العلاقات المضطربة على مرّ التاريخ بين فرنسا والجزائر، خضّات جديدة مع توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق في فرنسا بسبب “رسائل كراهية” نشروها، ومواجهة دبلوماسية جديدة حول توقيف كاتب جزائري فرنسي في العاصمة الجزائرية.

وأوقفت السلطات في باريس، مؤخراً، ثلاثة مؤثرين جزائريين، للاشتباه في تحريضهم على الإرهاب، ووضع منشورات تحضّ على ارتكاب أعمال عنف في فرنسا ضد معارضين للنظام الجزائري.

أحد هؤلاء، ولقبه “بوعلام”، أوقِف، الأحد، في مونبلييه في جنوب فرنسا، وألغي تصريح إقامته ثم رُحِّل بطائرة الخميس إلى الجزائر، وفق ما أفاد محاميه جان باتيست موسيه وكالة فرانس برس. وتتّهمه السلطات بـ”الدعوة لتعذيب معارض للنظام الحالي في الجزائر”.

مؤثر أوقِف في ضواحي غرونوبل، بعد نشره مقطع فيديو يحضّ على “الحرق والقتل والاغتصاب على الأراضي الفرنسية”

لكنه في نهاية المطاف أعيد إلى فرنسا بعدما منعته السلطات الجزائرية من دخول البلاد.

وثمة مؤثر آخر أوقِف، الجمعة، في ضواحي غرونوبل، بعد نشره مقطع فيديو، حذِف لاحقاً، يحض المتابعين على “الحرق والقتل والاغتصاب على الأراضي الفرنسية”، بحسب لقطة مصورة لوزير الداخلية برونو ريتايو.

ونشر هذا الرجل “أنا معك يا زازو”، مخاطباً مؤثراً جزائريًا آخر، يدعى يوسف أ، المعروف باسم “زازو يوسف”، كان قد اعتُقل قبل ساعات قليلة، بشبهة الدعوة إلى شن هجمات في فرنسا ضد “معارضي النظام الحالي في الجزائر”، حسب القضاء الفرنسي.

كذلك، اعتُقلت مؤثّرة فرنسية جزائرية، الخميس، بسبب مقاطع فيديو على منصة تيك توك اعتُبرت تحريضاً على الكراهية.

وقال المعارض الجزائري شوقي بن زهرة إن “عشرات” من مستخدمي وسائط التواصل الجزائريين أو مزدوجي الجنسية نشروا محتوى معادياً على الإنترنت. كان لدى يوسف أ. أكثر من 400 ألف متابع على تيك توك. وحذفت المنصة حسابه منذ ذلك الحين.

خيانة

واتهم بن زهرة، وهو نفسه لاجئ سياسي في فرنسا، السلطات الجزائرية بالوقوف وراء هذه “الظاهرة”، والدليل بحسبه أن المسجد الكبير في باريس، الذي تموّله الجزائر، “يستقبل أيضًا مؤثرين“.

وردت مؤسسة مسجد باريس على هذه التصريحات “التشهيرية” التي أدلى بها “مدون مغمور”، واعتبرتها جزءاً من “حملة افتراء غير محتملة”، لكنها أكدت “دورها البنّاء في العلاقات بين البلدين”.

وحسب العديد من المعارضين الجزائريين في فرنسا، فإن هذه الرسائل العنيفة بشكل خاص ازدادت حدّة بعد أن غيّرت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، موقفها من قضية الصحراء الغربية.

كانت هذه المستعمرة الإسبانية السابقة، التي لم تحدد الأمم المتحدة وضعها، مسرحاً لنصف قرن من الصراع بين المغرب والمقاتلين الصحراويين من جبهة البوليساريو المدعومين من الجزائر.

في نهاية تموز/يوليو، انحاز إيمانويل ماكرون إلى جانب إسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، معتبراً أن مستقبل الصحراء الغربية يكمُن “في إطار السيادة المغربية”. وساعد ذلك في التقارب مع الرباط، وأثار أزمة جديدة مع الجزائر التي لم تعد تقيم علاقات دبلوماسية مع جارتها منذ أغسطس/آب 2021.

في صيف 2022، بدأ الرئيس الفرنسي خطوة “للتقارب” مع الجزائر بشأن “مسألة الذاكرة، مسألة الماضي الاستعماري”، المرتبطة بحرب الاستقلال التي خلّفت مئات آلاف القتلى والجرحى، لكن موقفه من الصحراء الغربية اعتبرته الجزائر “خيانة”، كما لاحظ ريكاردو فابياني، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية.

سبب آخر من أسباب التوتر هو مصير الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال (75 عاماً)، الذي يقبع في السجن بالجزائر منذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر بتهمة المساس بأمن الدولة، وهو في وحدة العناية الصحية منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر.

“غير متزن”

وبحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها صنصال لموقع “فرونتيير” الإعلامي الفرنسي المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، تبنّى فيها موقفاً مغربياً يقول إن أراضي مغربية انتُزعت من المملكة في ظل الاستعمار الفرنسي لمصلحة الجزائر.

وكان الرئيس الفرنسي اعتبر، الإثنين، أن “الجزائر، التي نحبها كثيراً، ونتشارك معها الكثير من الأبناء والكثير من القصص، تسيء إلى سمعتها، من خلال منع رجل مريض بشدة من الحصول على العلاج”، مطالباً بالإفراج عن الكاتب المحتجز “بطريقة تعسفية تماماً”.

وعبّرت وزارة الخارجية الجزائرية عن استغرابها “التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي بشأن الجزائر، والتي تهين في المقام الأول من اعتقد أنه من المناسب الإدلاء بها بهذه الطريقة المتهاونة والمستهترة”. ووصفتها بـ “التدخل السافر وغير المقبول في شأن جزائري داخلي”.

اتَّهمَ لاجئٌ سياسي في فرنسا السلطات الجزائرية بالوقوف وراء “ظاهرة المؤثرين”، و”الدليل” أن المسجد الكبير في باريس، الذي تموّله الجزائر، “يستقبل أيضًا مؤثرين“

وأشار مدير مركز الدراسات العربية والمتوسطية في جنيف حسني عبيدي إلى أن العلاقة بين البلدين بلغت “نقطة اللاعودة “.

وأسف لأن “تصريحات ماكرون القاسية وغير المألوفة” من شأنها “تعزيز دعاة القطيعة التامة بين البلدين”، و”تكشف فشل الرئيس (الفرنسي) في سياسته الجزائرية”.

أما كريمة ديراش، الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في باريس، فاعتبرت “أننا أمام رئيس دولة فرنسي لا يعرف كيف يتصرف”، و”يترك انفعالاته تتغلب عليه، ولا يحترم القواعد”، وسلطة جزائرية “حساسة جداً تجاه كل ما يصدر عن الدولة الفرنسية”.

وشدّدت على أن العلاقة الفرنسية-الجزائرية تظل “متينة” اقتصادياً وأمنياً رغم هذه “المناوشات” المتكررة، مضيفة بسخرية أن “فرنسا والجزائر ثنائي يتنازع بانتظام”.

(أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صالح/ الجزائر:

    1)- أوقفت السلطات الفرنسية في باريس، مؤخراً، ثلاثة مؤثرين جزائريين، “للاشتباه” في تحريضهم على الإرهاب، ووضع منشورات تحضّ على “ارتكاب أعمال عنف” في فرنسا ضد معارضين للنظام الجزائري .لكن لماذا السلطات الفرنسية لم تقم بإيقاف المغني الفرنسي ، إنريكو ماسياس ، الذي دعا في أكتوبر 2023 ، إلى “القتل” ، وليس إلى العنف فقط ، ضد سياسيين فرنسيين بارزين وليس ضد “مؤثرين جزائريين” فقط ، وهذا على قناة CNews الفرنسية قائلا : “عندما أسمع أن اليسار المتطرف يستسلم في مواجهة هذا الرعب، حسناً، … علينا أن نصفي هؤلاء الأشخاص” ، ورغم محاولات المذيع لثنيه عن استخدام هذه العبارة، إلا أن المغني المعروف بمواقفه الصهيونية أصر على مطالبته بقتلهم لأنهم شركاء ل”حركة حماس” من وجهة نظره . لماذا هذا الحقد ؟ ، لأن زعيم “فرنسا الأبية”، جان لوك ميلانشون، يرفض تصنيف “حركة حماس” بأنها “إرهابية”، مؤكداً أن المنظمتين الوحيدتين اللتين تصنفهما الأمم المتحدة بهذا المصطلح هما “داعش” و”القاعدة”.

  2. يقول صالح/ الجزائر:

    2)- ميلانشون أعاد نشر تصريح ماسياس معلّقاً عليه بما يلي : “نتيجة تكرار الأكاذيب حول (فرنسا الأبية)، ينتهي الأمر بالأشخاص الذين نحبهم إلى تصديقها والدعوة إلى القتل..” ، أما رئيسة الكتلة البرلمانية، لـ”فرنسا الأبية” ، ماتيلد بانو، فإنها راسلت مكتب المدعي العام في باريس، تشتكي من أن تصريحات المغني تشكل “دعوة إلى الاعتداء الجسدي” ، إلا أن المغني المغني الصهيوني ، الذي ترأس حملةً جمع التبرعات للكيان المحتل ، بقي حرا طليقا . أليس هذادليل آخر على أن اللوبي الصهيوني متمكن من دواليب السلطة في فرنسا ؟ .
    مادام بن زهرة لاجئ سياسي في فرنسا، فليقل ما شاء لإرضاء مستضيفيه ، وإلا لماذا حرام على المسلم “المؤثر” الذهاب للمسجد ، وحلال على اللاجئ الخوض في التضليل الإعلامي ضد بلاده وضد “الظاهرة ”؟ .
    أظن أن صنصال بالنسبة للرئيس الفرنسي ، ولبقية اليمين المتطرف ، ذريعة وليس في حد ذاته هدفا إنسانيا. لماذا ؟ . لأن أربعة فرنسيين قلبا وقالبا ، وليسوا أنصاف فرنسيين ، كانوا معتقلين منذ سنة في بوركينا فاسو، بتهمة التجسس، ولم يُطلق سراحهم إلا في ديسمبر 2024 ، فلماذا لم تثر أي ضجة حولهم ؟ ، أ لأنهم فعلا جواسيس ؟ ،

  3. يقول صالح/ الجزائر:

    3)- إذا كان الأمر كذلك فإن “التحذير شديد اللهجة” ، الذي وجهته الجزائر لفرنسا بسبب “مخططات عدائية” مؤسس على حقائق ملموسة .

    لو كان صنصالهم مؤرخا ولم يكن فقط “خبارجيا” لعرف أن الحدود التاريخية الغربية لنوميديا هي نهر ملوية ، ولعرف أيضا أن وهران كانت عاصمة بايلك الغرب بعد تحريرها من الاحتلال الإسباني في 1708 (والاحتلال الفرنسي بدأ في 5 جويلية 1830) ، ولعرف كذلك أن مقاومة الأمير عبد القادر ، ضد الاحتلال الفرنسي ، منذ 1830 ، انطلقت من معسكر ، ولعرف أخيرا أن “الميتروبول” ، التي وظفته ومازالت ، كانت تدعي زورا وبهتانا ، إلى غاية 19 مارس 1962 ، أن “الجزائر فرنسية” .
    إنهم يدعون أن “الجزائر، التي يحبونها كثيراً، … ، تسيء إلى سمعتها، من خلال منع رجل مريض بشدة من الحصول على العلاج” ، بينما إرسال أسلحة الدمار الشامل ، للكيان الصهيوني المحتل ، لقتل الأطفال الفلسطينيين الأبرياء وأمهاتهم ليس إساءة لشرف فرنسا .

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية