في حينه، تشرين الأول (أكتوبر) 2021، شاءت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن تذهب بعيداً في المجاز، وربما في التفكير الرغبوي؛ فأطلقت صفة «الثورة الصامتة» على لقاء جمع وزراء خارجية الهند (سوبرامانيام جايشنكار) ودولة الاحتلال (يائير لابيد) والإمارات (عبد الله بن زايد) والولايات المتحدة (أنتوني بلينكن). والمحرر مبتكر هذا التوصيف لم يكن يبالغ، إلا في حشر مفهوم الثورة، لأنّ النقلات المتعاقبة التي شهدتها العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية (منذ استئنافها في سنة 1992 بقرار من رئيس الوزراء الهندي الأسبق ناراسيما راو، ولكن في سنوات حكم رئيس الوزراء الحالي نارندرا مودي على وجه الخصوص) قفزت من محطة دراماتيكية إلى أخرى؛ ولاح أنّ التعاون في ميادين الصناعات العسكرية والاستخبارات ومشاريع الريّ والطاقة محض واجهة لمطابقات أعمق وأكثر تجذراً في مسائل إيديولوجية أقرب إلى الثوابت في الفلسفة القومية «الهندوتية» من جهة، والصهيونية على اختلاف تياراتها من جهة أخرى.
ولا عجب خلف تفاخر إعلام دولة الاحتلال بما تحقق، ويواصل التحقق، في ميادين تعزيز العلاقات، فهذه هي الهند في نهاية المطاف: أوّل بلد غير عربي يعترف بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية، ويدمغ الصهيونية بالصفة العنصرية، ويتكاتف مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر في استبعاد دولة الاحتلال من حركة عدم الانحياز، ويميّز بصلابة (بصوت المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو) بين معاناة اليهود وزرع وطن لهم على أرض شعب آخر… فكيف بلغت الحال أنّ الهند تستلهم في احتلال منطقة كشمير ومصادرة حقوق سكانها، سياسات استيطانية وقمعية مماثلة لتلك التي يعتمدها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة؟
الباحث عن إجابات شافية لأسئلة مثل هذه، وسواها أخرى كثيرة، يجد ضالته في كتاب الباحث من جنوب أفريقيا آزاد عيسى، الذي صدر مؤخراً بالإنكليزية ضمن منشورات بلوتو في لندن، تحت عنوان «أوطان معادية: التحالف الجديد بين الهند وإسرائيل»؛ لأنه، كما يطريه المفكر الأمريكي كورنل وست، «كتاب شجاع ولامع بمثابة معالجة حاسمة للتحالف المسكوت عنه بين جناح أقصى اليمين في الحكومة الهندية، وإسرائيل. هذا النصّ قراءة ضرورية حول القوى النيو ـ فاشية المتصاعدة في أزمنتنا العاصفة». فيض زاخر من التفاصيل والمعلومات والوقائع التي قد يكون الكثير منها طيّ الإغفال المتعمد، خاصة جهود «الوكالة اليهودية» عبر أمثال مارتن بوبر وألبرت أينشتاين لاستمالة غاندي بعد وعد بلفور؛ وغزارة أخرى ثمينة في المقارنات بين فلسطين وكشمير، والمجمّع الصناعي ـ العسكري بين تل أبيب ونيو دلهي، وقصة القرابة بين فلسفة «الهندوتفا» والصهيونية، ومجموعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة مقابل الشتات الهندي.
الهند، ما قبل مودي و«حزب الشعب الهندي» ظلت صديقة القضية الفلسطينية على نحو يعزّ العثور عليه عند العديد من الأنظمة العربية الحاكمة
لا يصحّ أن تُنسى هنا حقيقة أنّ العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية تعود، كما يبيّن الباحث المصري مدحت أيوب، إلى عقود بعيدة، وقد شملت ميادين السياسة والاقتصاد والأمن والتسليح، فضلاً عن السياحة والثقافة والتعاون التكنولوجي. ففي عام 1962، غداة اشتعال الحرب الهندية ـ الصينية، طلب نهرو مساعدة دافيد بن غوريون، رئيس وزراء دولة الاحتلال آنذاك، للحصول على أسلحة متطورة؛ وبعد ثلاث سنوات، عند اندلاع الحرب الهندية ـ الباكستانية، وصلت شحنات ضخمة من الأسلحة الإسرائيلية إلى الهند. وعلى الصعيد الاقتصادي، يكفي التذكير بأنّ الميزان التجاري بين الهند والدولة العبرية بلغ 202 مليون دولار في العام 1992، ثمّ قفز إلى 1085 مليون دولار في العام 2000، وهو اليوم يعدّ 7,86 مليار دولار.
غير أنّ على المرء، والمراقب العربي بصفة خاصة، أن يتذكّر ثلاث حقائق أساسية في سياق مناقشة العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية، ضمن معطيات أخرى أقلّ شأناً. الحقيقة الأولى تقول إنّ الهند، ما قبل مودي و«حزب الشعب الهندي» ظلت صديقة القضية الفلسطينية على نحو يعزّ العثور عليه عند العديد من الأنظمة العربية الحاكمة. وثمة سجّل حافل يقول إنّ الهند صوّتت إلى جانب الفلسطينيين (وبالتالي ضدّ دولة الاحتلال) في عشرات القرارات التي تخصّ حقوق الفلسطينيين بصفة شاملة، ومسائل انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان، وحقّ العودة، والسيادة الفلسطينية. الحقيقة الثانية هي أنّ نقلات كبرى في تطوير العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية تمّت خلال فترات حكم «حزب المؤتمر» وحين كان كبار رجالاته في سدّة الحكم (نهرو وأنديرا وراجيف غاندي)؛ وليس فقط في فترات حكم الأحزاب ذات التوجّه القومي الهندوسي. في عبارة أخرى، وعلى النقيض ممّا يزعم بعض المعلّقين العرب، ليس ثمة الكثير من المغزى في التركيز على العداء الهندوسي للإسلام بغية تفسير تطوّر العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية؛ ومن الخير، في هذا المثال كما في سواه بالطبع، التركيز على طبيعة المصالح المشتركة التي تكيّف سياسات الدول وتتحكم بخياراتها في المشهد العريض والتاريخي ـ التقليدي للعلاقات الدولية. وأمّا الحقيقة الثالثة فهي تلك التي تخصّ تشكّل محور أمريكي ـ إسرائيلي ـ هندي، شُرّعت أمامه أبواب أوسع بعد اتفاقيات أبراهام وتوطيد العلاقات الهندية -الإماراتية على وجه الخصوص.
ولا يجوز أن تُنسى، كذلك، تلك الحقيقة المركزية الكبرى التي تقول إنّ الهند ديمقراطية هائلة، بمعنى ضخامة المعطيات الديمغرافية بادئ ذي بدء: قرابة 900 مليون ناخب، ونحو مليون مركز اقتراع، وزمن التصويت سبع مراحل، على امتداد 39 يوماً؛ والإنفاق المالي على الحملات الانتخابية يصل إلى سبعة مليارات دولار، وكانت الهيئة الانتخابية قد صادرت مليار دولار من المصروفات غير الشرعية. في انتخابات سنة 2014، تحدثت الأرقام عن 551 مليون ناخب، صوّتوا في 930 ألف مركز اقتراع، واستهلكوا من حبر التصويت قرابة 15 ألف لتر!
انتصار مودي وحزبه في انتخابات 2019 شكّل انتكاسة نوعية جديرة بالتأمّل وأخذ الدروس، لدى كلّ حريص على ديمقراطية الهند ونظامها وأمثولاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإثنولوجية… فالمنهزم هنا لم يكن «حزب المؤتمر» وتراث السلالة الغاندية العلماني والليبرالي؛ والفائز لم يكن «حزب الشعب الهندي» بتوجهاته القومية والهندوسية، رغم صحّة هذه الخلاصة في صناديق الاقتراع؛ وإنما الخاسر المشترك الأعظم هو تلك الأمثولات الكبرى التي صنعتها الهند في التاريخ الحديث للمجتمعات والدول النامية، أو شعوب ما بعد الاستعمار في التوصيف السياسي والاجتماعي والاقتصادي الأدقّ، أو حتى البلدان النامية والعالمثالثية حسب تعريفات الماضي وأواسط القرن المنصرم.
والخلاصة المشروعة قد تكون تلك التي تضع «الثورة الصامتة» في العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية الراهنة، على موازين أرباح لحكومة مودي ودولة الاحتلال، مقابل خسائر للديمقراطية الهندية وعلاقتها بالقضية الفلسطينية. وفي تصدير الفصل الأخير من كتابه، المخصص للمقارنة بين احتلالين في فلسطين وكشمير، يحرص آزاد عيسى على اقتباس نوام شومسكي: «إنهما [حكومة مودي ودولة الاحتلال] أشبه بيَدٍ في قفاز»؛ ولم تكن فضيحة الشطر الهندي من استخدام أجهزة تجسس «بيغاسوس» الإسرائيلية (أكثر من 50 ألف هاتف تمّ التجسس عليها، واللائحة تبدأ من زعيم المعارضة راهول غاندي ولا تنتهي عند الروائية أرونداتي روي) سوى فصل واحد إضافي في مسرح التعاون الوثيق. وكما تواصل دولة الاحتلال جهودها المحمومة لتهويد فلسطين، فإن حكومة مودي تسابقها في قسر الهند داخل هوية هندوستانية قومية متشددة.
وفي سنة 2017، خلال زيارة «تاريخية» إلى نيودلهي، توجّه بنيامين نتنياهو بالشكر إلى مضيفه مودي، ليس على تطوير العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية، فقط؛ بل كذلك لأنّ الأخير ساعده، ويساعده، على اختراق أسوار… أفريقيا!
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
مقال جيد ولكن يجب التوضيح بان الدبلوماسية الهندية حتى في فترة ما بعد الاستقلال كانت تتاءثر بالغرب. كما ان المتطرفين الهندوس كانوا دائما ً يربطون بين تأييد العرب لكفاح ألشعب الكشميري وتاءييدهم لاسراءيل كما يجب آلا ننسى ان زيارة السادات الى القدس المحتلة قد عزز موقف الأوساط الهندية التي تدعو الى تعزيز العلاقات مع اسراءيل. المسلمون الهنود يعانون من هجمة فاشية هندوسية ولذلك لا يمكنهم بذل المزيد من اجل فلسطين. وأخيرًا فان القضية الفلسطينية لم تعد اولوية لبعض الدول العربية وكذلك جامعة الدول العربية.
كنت في الهند انديرا وولداها قتلوا بيد امريكية فقد رايت الامريكان متنكرين على الحواجز ولا يتكلمون كلمة بالهندية
التعاطف مع إسرائيل وانشاء بهاتيا جانتا كان على يد البرجوازية الهندية والأثرياء والصناعيين لانهم كرهوا اشتراكية انديرا ودعمها للفقراء وبالتالي سياساتها الدولية.اما الفقراء ففد استغلوا عواطفهم الدينية وقالوا لهم ان المسلمين يذبحون البقرة المقدسة وياكلون لحها ويعتبرون آلهنكم اوثانا يحتقرونها ويبولون عليها.يعني طرفي كماشة جهل الفقراء ومصالح الأغنياء وهي حكاية مكررة انظر ما يحدث في مصر وترى بائعة فجل حافية وتهتف ” يا سيسي”..
سيد حديدي،
المواضيع التي تتناولها مهمه، ولكن طريقة الكتابة والجمل معقدة تودي الى تشيت الأفكار او عدم إيصال الفكرة المرجوة. حبذا لو تكتب بطريقة اكثر سلاسة لإيصال فكرة الموضوع.
القصة وما فيها يا علي، قبل مودي و«حزب الشعب الهندي»، كانت الهند صديقة حميمة للقضية الفلسطينية حتى أكثر حميمية من العديد من الأنظمة “العربية” الاستبدادية في المنطقة. أما في عهد مودي، فقد فرط الحليب / فهمت؟!
إلى للتذكير
الموضوع فهمتة وخاصة انني منذ صغري وانا قارئ للصحف والمجلات ولمواضيع كثيرة وخاصة السياسية والتاريخية لأنني كنت أريد دراسة الصحافة منذ صغري، ولكن لإرضاء الاهل وتجنبا للمشاكل المستقبلة، تم اقناعي بتغير الدراسة الجامعية، لكن لم اترك قراءة الصحف لغاية الان وكءاك بعدة لغات كوني أتقن عدة لغات.
للعلم، منذ سنوات وانا على معرفة بمحتوى المقال وكنت اقول لنفسي، خسارة كبيرة للعرب بشكل عام والفلسطنيبن بشكل خاص تحول سياسة دولة مثل الهند من دولة مؤيدة لقضايانا وخاصة انهم عانوا من المستعمر البريطاني مثلنا إلى مؤيدة لاعدائنا.
يبدو أن العرب بارعون في خسارة الأصدقاء وتحويلهم إلى خصوم او حتى أعداء.
(وبات يقدح طول الليل فكرته) وفسر بعد الجهد الماءَ بالماءِ.
صدقت يا أخ علي،
العرب فعلا بارعون في تحويل الأصدقاء إلى أعداء وبالعكس فتراهم يتزلفون للغريب والأجنبي (وما تلك الأنظمة “العربية” السبعة المطبعة مع إسرائيل إلا أمثلة دامغة تستدعي أمثلة أخرى) وتراهم في ذات الآن يغدرون حتى بأقرب المقرَّبين والامثلة لا تُعدُّ ولا تُحصى !!
على فكرة نتنياهو هنأ مودي شخصيًا (بعد فوزه في انتخابات عام 2014). والتقيا من ثم في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بنفس العام (كأول لقاء بين رئيسي وزراء البلدين منذ أكثر من عقد). ثم وزير داخلية الهند راجناث سينغ زار إسرائيل لمراقبة ترتيبات أمن الحدود في البلاد بنفس العام أيضا. كان سينغ أول وزير هندي يزور إسرائيل دون زيارة فلسطين (مخالفًا الاتفاقية). ثم رئيس إسرائيل السابق شمعون بيريز زار الهند، وشارك وفد إسرائيلي مع وزير الزراعة الإسرائيلي، يائير شامير، في قمة فايبرنت كجرات عام 2015. وقد نُشر مقال في “الصحيفة الهندوسية” في آخر العام 2014 جاء فيه «يمكن للهند أن تنهي دعمها لفلسطين في الأمم المتحدة» هكذا بكل بساطة !!
شكرًا أخي صبحي حديدي. كم هو مؤسف خسارة صداقة الهند لفلسطين. الشيء الذي يبعث قليلًا على الأمل هو أن العنصرية هي أحد الروابط التي تدعم هذه العلاقة أو التقارب بين الهندوستاتية والصهيونية. على المدى الطويل سيكتب لها الفشل! فالفاشية والعنصرية تنتشر في فترات زمنية لكنها لاتنتصر أبدًا.
أسامة كلية،
الفاشية والعنصرية موجودة وستبقى دائما ولن تهزم ابدا لان اشكالها كثيرة.
مثلا، المانيا النازية اخذت ما كان موجودا وموضوعا لترتيب الاعراق البشرية من قبل البريطانيين والفرنسيين، ووضعت نفسها في المرتبة الأولى في قمة التحضر كما فعلت بريطانيا وفرنسا وحاولت منافستهما في استغلال المستعمرات، وكون ألمانيا هزمت في الحرب، تم الصاق كل المساوء بهذا النظام، ولو حدث العكس وانتصرت المانيا لكنا الان نقرأ بأن بريطانيا وفرنسا هم العنصريون والدكتاتوريون ، وألمانيا بلد المساواة والحرية كون المنتصر يكتب التاريخ كما يحلوا لة .
يقولون بأن الهند بلد اكبر ديمقراطية في العالم، ولكن الواقع غير ذلك. التقسيم الطبقي في الهند شيء معيب جدا، من يلد من طبقة فقيرة يعيش ويموت فقيرا ولا يسمح لة بالانتقال للطبقة الأعلى منة. طبعا الغرب يغض الطرف لانة يريد الهند ان تبقى في صفة ضد الصين او على الاقل محايدة وكذلك لاجل العلاقات التجارية .
يعني ببساطة، مسألة مصالح.
أخي علي، ذكاء الفاشية والعنصرية يفوق ذكائها ومثال أصبح اليوم عنوان هذه المقولة هو ترامب!
من ناحية أخرى نعلم عن طبقية الهندوسيةالعنصرية وهو ماربطها بالصهيونية.