«العودة إلى محلتنا «:إصدار أدبي يحتفي بتراث مدينة الموصل القديمة

يكتسب هذا الإصدار خصوصيته في أنه منجز أدبي إلى جانب قيمته التوثيقية، ويعد أول كتاب من نوعه شكلا ومحتوى تتعاون على ظهوره نخبة من مثقفي مدينة الموصل، بمبادرة من مؤسسة بيتنا للثقافة والفنون والتراث، بالشراكة مع منظمة اليونسكو وبدعم من الاتحاد الأوربي. ومدينة الموصل العراقية (465 كم) شمال بغداد، التي شكلت محور هذا الكتاب، يصعب حصر التداعيات المأساوية التي نالت منها، عندما سيطر عليها تنظيم الخلافة (داعش) في العاشر من شهر حزيران/يونيو 2014، لأن حجم الأذى الذي طالها، شمل وجود الإنسان وحياته ومحيطه الاجتماعي، وما أنجزته الأجيال بفكرها من عُمران خلال التاريخ الموغل بالقدم لهذه المدينة العريقة.

المعركة تبدأ بعد أن تصمت المدافع

رغم أن إعادة تأهيل النفوس بعد ما أصابها من جراحات عميقة هي الأصعب، وتحتاج إلى جهد كبير إلاَّ أن الآثار الجسيمة التي نالت من بنيتها العمرانية كانت كارثية، وعلى وجه خاص تراثها الفني والمعماري الذي تتميز به، فقد محي الكثير من الشواهد الحضارية التي تشير إلى الدور الذي لعبته الموصل عبر تاريخها الطويل، بدءأ من الحضارة الآشورية العظيمة، التي ما زالت معالمها شاخصة، مرورا بما تعاقب عليها من محطات حيوية في ذروة ازدهار الحضارة الإسلامية فيها، وانتهاء بدورها الفاعل في تاريخ العراق المعاصر. ومع أن القتال ضد تنظيم داعش كان قد انتهى رسميا في 10 تموز/ يوليو 2017 في بيان أعلنه في حينه رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلاَّ أن المعركة الحقيقة بدأت في اللحظة التي صمتت فيها المدافع، إذ كان على أهل المدينة أن يواجهوا وبشجاعة، كارثة الحرب وما خلفته من دمار، وأن يعملوا على إعادة البناء، وتحديدا في الجانب الأيمن من الموصل، الذي تضررت أبنيته بنسبة تصل إلى 80%، حسب تصريح لقائم مقام الموصل زهير الأعرجي آنذاك، علما بأن هذا الجانب بأحيائه السكنية، يمثل التاريخ الأقدم والأكثر أهمية من المدينة منذ تأسيسه عام 1080 ق. م ويطلق عليه تسمية القليعات، لأن المنطقة في الأصل كانت حصنا آشوريا عسكريا بُني على تل القليعات، ويمتد البناء في هذا الجانب على طول الضفة الغربية لنهر دجلة، ويشرف على السهول الغربية لمدينة نينوى، حيث بنى الآشوريون القلاع حول عاصمتهم لحمايتها من الأعداء، فكانت هذه القلعة نواة مدينة الموصل، وقد اشتملت على خمس محلات سكنية: الميدان، حوش الخان، باب النبي، رأس الكور، الإمام إبراهيم.

البحث عن منقذ للآثار والعمران

الجريمة التي ارتكبها تنظيم داعش شملت كل ما يتعلق بالمدينة القديمة، بعد أن تحصَّن فيها خلال معركة التحرير التي خاضها ضده جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الجيش العراقي، ونظرا لقساوة المعركة وشراستها في هذه البقعة الجغرافية وما تعرضت له من قصف كثيف وعشوائي، فقد لحق ضرر شديد ابنيتها التاريخية، التي كانت تضم كنائس ومساجد وجوامع وأضرحة ومدارس دينية يعود تاريخها إلى عشرات السنين، مثل جامع النوري الشهير بمنارة الحدباء الذي بني عام (1172 م) من قبل نور الدين زنكي الذي كان يلقب بالملك العادل، وقبل هذا الجامع كان قد بُني في عهد عمر بن الخطاب الجامع الأموي من قِبل عرفجة بن هرثمة البارقي. ويعد أول جامع بني في الموصل عام 22 هـ الموافق 642 ميلادية، وإلى جنبه بنيت دار الإمارة.
انضبط أهالي الموصل من أجل أن يعيدوا معالم المدينة القديمة إلى ما كانت عليه من طراز معماري، وبدأوا بمخاطبة جهات دولية للحصول على الدعم، وكانت منظمة اليونسكو في مقدمة من استجاب لهذا المشروع، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات العربية المتحدة، وكان لإصرار أهل المدينة العامل الأساس في أن يبدأ مشروع أحياء الموصل القديمة ويحقق نسبة نجاح مهمة في إعادة ترميم وتأهيل أكثر من 150 بيتا ومبنى بمواد البناء التقليدية نفسها التي كانت قد بنيت منها.

الكتاب واستدعاء الروح إلى المكان

وفي سياق الاحتفال بنجاح المرحلة الأولى من المشروع عملت مؤسسة «بيتنا « التي يرأسها الشاب صقر آل زكريا، على إصدار كتاب تحت عنوان « العودة إلى محلتنا» ضم مجموعة من النصوص الأدبية والشعرية والمقالات، ساهم في كتابتها مجموعة من أدباء وكتاب وصحافيي الموصل، حاولوا فيها استدعاء ذكرياتهم ومشاعرهم وعلاقتهم بالأمكنة القديمة التي عاشوا فيها الشطر الأعظم من حياتهم، وما أصابهم من خوف ورعب أيام كانت الحرب مشتعلة، وألسنتها تمتد لتحرق مرابع الصبا والذكريات الجميلة. يشير الكتاب في مقدمته إلى أن «النزوح العكسي الذي عاشه الموصليّون، والعودة الجماعية لإحدى أقدم مدن العالم، والسكن فيها من جديد، وعودة البيوت التراثية ذات الهوية المعمارية الموصلية المتفرّدة، هو حدثٌ يستحق أن يُوَثَق له بكلماتٍ دافئات كما البيوت العتيقة في الموصل».
أما أسماء المساهمين في النصوص فهم كل من: وزير الثقافة والسياحة والآثار أحمد فكّاك البدراني، المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي، رئيس هيئة الآثار والتراث ليث مجيد، الشاعر والكاتب أحمد جارالله الياسين، الكاتب والفنان بيات محمد مرعي، الصحافي جرير محمد، الصحافي جمال البدراني، الشاعر سعد محمد، الباحث سنان عبد النعيمي، الشاعر سيناد معن آل خميس أغا، المدون شهاب الصفار، الصحافي صباح سليم علي، الباحث عامر الجُمَيلي، الصحافي علي محمود، الباحث عمر جسام، الروائية غادة صديق رسول، الكاتب مازن رياض، الكاتب والصحافي محمد معن آل زكـريا، الكاتب والشاعر مروان ياسين الدليمي، الكاتب المسرحي ناهض الرمضاني، الصحافية هدير الجبوري، الشاعر وليد الصراف، الكاتب والصحافي يعرب السالم. كما جاءت لوحة الغلاف بعنوان «باب موصلي « وكانت بتوقيع الفنانة التشكيلية فرح اليوسف.

‏كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية