الغارديان: هل بات نموذج حرب الشيشان الثانية في جنوب سوريا يواجه لحظته الحرجة؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”: تساءلت مراسلة شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “الغارديان” بيثان ماكرنان عن المعوقات التي يواجهها الروس في جنوب سوريا الذي يعيش حالة من الاضطرابات والتظاهرات. وقالت إن نموذج حرب الشيشان الثانية الذي طبقته في الجنوب السوري يواجه أكبر تحدياته.
ورأت الكاتبة أن روسيا تحاول بناء توازن بين مصالح دمشق وطهران وإسرائيل في وقت لم يعد فيه الوضع الراهن ثابتا. وأشارت لخطاب في الشهر الماضي لأحمد عودة الذي يحصل على دعم الروس، حلفاء بشار الأسد، قال فيه: “لن نتوقف أو نسلم أسلحتنا حتى ننتصر، وبدأت المعركة الآن”، مشيرة إلى أن الرجل يعتبر بالنسبة للبعض خائنا لأنه عقد صفقة مع النظام عندما سقطت محافظة درعا قبل عامين. فيما يرى آخرون أن الرجل البالغ من العمر 37 عاما لا يزال ثوريا واعدا أقسم على إعادة بناء المعارضة المنقسمة. وقال: “عودتنا كجسد واحد سيحمي سوريا”.
وتعلق ماكرنان قائلة إن هذا هو الوضع الغريب للجنوب السوري والذي كان قبل عقد تقريبا مهد ثورة الربيع العربي. وفي الفصل الأخير من الحرب تقوم روسيا العراب الأساسي للقوة فيها بمهمة التوازن بين المصالح المتناقضة للنظام السوري وإيران وإسرائيل. وشهدت المنطقة في الأسابيع الـ 6 الماضية سلسلة من التظاهرات في درعا وبلدة السويداء الدرزية حيث خرج المتظاهرون للاحتجاج على الظروف الاقتصادية السيئة. ففي مشاهد تذكر بتظاهرات 2011 تجرأ المتظاهرون وهتفوا ضد رئيس النظام بشار الأسد وقالوا: “سوريا حرة” و”من يجوع شعبه خائن”. ورغم اعتقال الأمن لعدد من المتظاهرين إلا أن النظام لم يستخدم اليد الحديدية. وقال عباس منيف، 30 عاما من السويداء: “التظاهرات الآن هي امتداد للثورة السورية التي انطلقت عام 2011 ولكن الأزمة الاقتصادية هي سبب إضافي يدفع الناس على الاحتجاج” و”الفاعل هو واحد: النظام والفساد، ومنذ 50 عاما يسرقون البلد ويحرمون الناس من مصادرهم. ولم يتغير الهدف منذ عام 2011، وسقوط النظام هو الخطوة الأولى نحو مستقبل مشرف”. وتضيف الكاتبة أن الكثير من الناس يعولون على عودة لتأمين مستقبلهم. وكانت قوات النظام قد سيطرت على درعا في تموز/يوليو 2018 حيث تحولت منذ ذلك الوقت إلى تجربة استثنائية قامت على تجربة روسيا في الحرب الشيشانية الثانية. فعلى خلاف بقية المناطق التي كانت بيد المعارضة واستعادها النظام فلم يتم نقل المقاتلين منها بالحافلات إلى محافظة إدلب القريبة من الحدود مع تركيا. ودفعت روسيا دمشق باتجاه صفقة مصالحة وأشرفت على تجنيد المقاتلين في درعا وضمتهم إلى قوات أمن جديدة عرفت باسم “الفيلق الخامس” والذي كان الهدف منه مساعدة جيش النظام السوري المجهد للقتال ضد تنظيم “الدولة”. وفي الوقت الذي يعتبر جزءا من القوات المسلحة إلا أن رجال الفيلق الخامس ليسوا جزءا من وزارة الدفاع السورية. فهذه القوة السنية تعارض وبشكل واضح وجود القوات الإيرانية ومقاتلي حزب الله المتحالفين مع النظام. وتدفع روسيا رواتب الفيلق الخامس ومن المفترض أن يتبع أوامرها. وبعد هزيمة تنظيم “الدولة” رفض معظم أفراد الفيلق الانتقال والقتال في جبهة إدلب، خاصة الكتيبة الثامنة التي يقودها عودة. وبالإضافة لبعض الواجبات التي يقوم فيها الفيلق مثل إدارة الحواجز وحماية المناطق من الخلايا النائمة، خاض الفيلق سلسلة من الهجمات الصغيرة مع القوات الموالية للنظام ومنح الحماية لعدد تطاردهم دمشق بسبب هروبهم من الخدمة العسكرية، وكذا توفير الحماية للتظاهرات الأخيرة.
وقال الناشط المحلي أحمد محمد: “يشعر الناس في درعا بالأمن لأن الفيلق الخامس يحميهم من النظام والسلاح الإيراني، ولولا وجود هذه الفرقة لتم اعتقال الكثير من الأشخاص. ولم نكن لنتظاهر حتى بأعداد قليلة لو لم يكونوا هنا”. وقال: “لا يزال جنود الفيلق الخامس ثوريين. نعم، تصالحوا ولكنهم لا يزالون ضد النظام”. ولا غرابة أن النظام لا يحب هذا الوضع ولكنه لا يستطيع عمل أي شيء في الوقت الحالي. وهي تعرف أن التصعيد سيقع لو اقتربت القوات الإيرانية وحزب الله من إسرائيل ولهذا السبب حمى الروس استقلالية الجنوب وأفشلوا محاولات النظام لسحق المقاومة الشرعية.
وقالت إلزابيث تسركوف، الزميلة في معهد السياسات الأجنبية: “اعترفت روسيا بأن هناك حاجة لحلفاء بين الجماعة السنية الرئيسية في المنطقة، وهي تحاول الحصول على حسن نية السكان من خلال مساعدة السكان البحث عن أحبابهم الذين اختفوا في سجون النظام”، مضيفة: “من الصعب تقييم ما هو الهدف النهائي للروس عندما يتعلق الأمر بالفيلق الخامس. ومن المثير أن هؤلاء الرجال يحظون بدعم السكان المحليين ويعتبرونهم وطنيين معادين للقوة الإيرانية بدلا من كونهم خونة، وتفهم الناس للخيار الذي عملوه للبقاء في درعا”. وكان عودة معروفا بمواقفه الواقعية حتى قبل إنشاء الفيلق الخامس. فكقائد لمجموعة شباب السنة في الجيش السوري الحر عام 2015 تحالف مع الجماعة الموالية للقاعدة في سوريا لطرد قوات النظام قبل أن يتحرك ضد الجهاديين وإخراجهم من المنطقة. وكرجل فقد ثلاثة من إخوانه في الحرب ضد النظام ففكرة التحالف معه ظلت بعيدة. وكان خطابه في جنازة واحد من أفراد الفيلق قتل نتيجة انفجار عبوة بدائية أول إشارة عن عدم ولائه الكامل لروسيا. وحولت عبارات عودة ضد دمشق و”الغزاة والميليشيات الأجنبية” الجنازة إلى أكبر تظاهرة شارك فيها حوالي 5.000 شخص. وبحسب المحلل عبد الله الجبسيني، الخبير بدرعا بمعهد الشرق الأوسط، فقد انضم 7.000 شخص إلى الكتيبة الثامنة. وتقول ماكرينان إن صعود عودة القوي لا يمثل تهديدا للنظام وإيران وحزب الله بل ولأسياده الروس. وقال أحمد صالح، 26 عاما الذي انضم للفيلق الخامس عام 2018: “نحن أكثر تنظيما الآن” و”مع أننا محاطون بجنود النظام طوال الوقت لكننا لم نعد نخافهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية