الغارديان: وفاة رئيسي ضربة لجهود خامنئي في تأمين النظام.. لكنها لن تغيّر من المسار الداخلي والخارجي

إبراهيم درويش
حجم الخط
6

لندن- “القدس العربي”: تناولت صحف بريطانية وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطّم مروحيته، يوم الأحد، في طريقها إلى تبريز، حيث قتل في الحادث ثمانية آخرون، منهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ومحافظ أذربيجان الشرقية.

وقالت صحيفة “الغارديان”، في تقرير أعدّه محرر الشؤون الدبلوماسية باتريك وينتور، إن تحطم المروحية يأتي في وقت تواجه فيه إيران تحديات ضخمة. فالبلد في مرحلة انتقالية، وقد يجبر على استبدال أكثر من زعيم.

الصحيفة: كان رئيسي من الموالين لخامنئي، وعادة صُوّر على أنه كبش الفداء لمساعدة المرشد على تجنب النقد

 وأضاف وينتور أن إيران تواجه تحديات ضخمة وغير مسبوقة، وتتوقع نهاية مرحلة قاد فيها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله على خامنئي (85 عاماً) البلاد لأكثر من عقدين. وفي بلد تتعدد فيه القيادات السياسية والعسكرية والدينية، فإن المرشد الأعلى هو من يتخذ القرارات المهمة، وليس الرئيس.

وفي الواقع، فإن منصبي الرئيس ورئيس الوزراء، القائمين أصلاً على نموذج الدستور الفرنسي، طغى عليهما الدستور الذي صيغ في عام 1979، بشكل دعا الداعين لرئاسة قوية للزعم بأن منصب الرئيس أصبح مستوعباً في دولة ثيوقراطية أنشئت باسم الدين.

 وعليه، ظلت الرئاسة موالية للمرشد الأعلى، وكان إبراهيم رئيسي من الموالين لآية الله خامنئي، وعادة ما صور بأنه كبش الفداء لمساعدة المرشد على تجنب النقد. وكان بالتأكيد هذا مصير سلف رئيسي، حسن روحاني، الذي تحوّل إلى كيس ملاكمة دفع ثمن قرارات  اتخذت خارج مكتبه.

 وجرى الحديث، في الأشهر الأخيرة، عن أن رئيسي، الذي انتخب عام 2021، واختاره خامنئي، قد يكون المرشح المحتمل لخلافته كمرشد للجمهورية.

ومن هنا فوفاة رئيسي تعبّد الطريق أمام نجل خامنئي، مجتبى، ليكون الخليفة. ويتم انتخاب المرشد من “مجلس الخبراء” المكوّن من 88 شخصاً مؤثراً، ما يشي بأن وفاة رئيسي قد تقود إلى خلافة وراثية في إيران، وهو أمر يعارضه رجال الدين، ويعتبر أمراً غريباً على مبادئ الثورة في إيران.

ويعزز رحيل رئيسي من الفكرة عن البلد الذي يمرّ في مرحلة انتقالية. فقد تم انتخاب برلمان يهيمن عليه التيار المتشدد في بداية آذار/مارس، مع أن المشاركة في الانتخابات كانت منخفضة. ومُنع فيها المعتدلون، أو هزموا، ما فتح المجال أمام برلمان منقسم بين التقليديين والمحافظين المتشددين، والذين يعرفون بـ “بايداري”، أو جبهة الصمود.

وقد أضاف استبعاد المعتدلين من المشاركة السياسية في البرلمان، ولأول مرة منذ عام 1979، للحسّ بأنه البلاد تبحر في مياه مجهولة.

ويأتي هذا التعطل المتراكم في وقت لا تستطيع فيه إيران تحمل الغموض، وهي تواجه تحديات ضخمة تتعلق ببرنامجها النووي واقتصاد متراجع وعلاقات متوترة مع دول الشرق الأوسط، وخاصة في ما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

 وتضيف خسارة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان لهذا الحس من عدم استقرار البلد، الذي يفتخر بأنه يسيطر على الأمور وواضح في سياسته. ويعتبر الخليفة المحتمل له هو علي باقري، لكن المتشدّدين قد يتشكّكون منه ورغبته في التفاوض مع الغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني.

الصحيفة: وفاة رئيسي تعبّد الطريق أمام نجل خامنئي ليكون الخليفة، ما يشي بأن وفاته قد تقود إلى خلافة وراثية في إيران

ولدى إيران، التي خسرت رئيساً بعد الثورة، نظام لنقل السلطة وبناءً على الدستور، حيث يتسلم السلطة بعد وفاة الرئيس  نائبه الأول، محمد مخبر، المصرفي السابق، وحاكم محافظة خوزستان السابق، وقلّة تعتبره مرشحاً للرئاسة. وستكون مهمته تحضير البلاد للانتخابات في مدة  50 يوماً، ما يمنح المرشد والحاشية حوله فترة قصيرة لاختيار شخص لن يكون فقط رئيساً في هذه المرحلة الحرجة، ولكن في وضع  قوي لخلافة خامنئي نفسه.

وسيكون التحدي المباشر للزعيم الجديد  السيطرة ليس على المعارضة الداخلية، ولكن المطالب من داخل النظام، والداعية لاتخاذ موقف متشدد من الغرب والتقارب مع الصين وروسيا.

ويظل التحدي الدائم لإيران العلاقة مع إسرائيل، التي وصلت أخطر مراحلها في نيسان/أبريل، بالهجمات الصاروخية المتبادلة، والتي جاءت رداً على ضرب إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، ودعم إيران للجماعات الوكيلة لها في المنطقة، مثل “حزب الله” و”حماس” التي تخوض حرباً طاحنة مع إسرائيل في غزة.

وعلى الرئيس الجديد أيضاً، اتخاذ قرار مهم بشأن البرنامج النووي الإيراني. وفي 9 أيار/مايو، قال كمال خرازي، مستشار المرشد للشؤون الخارجية، ووزير الخارجية السابق، إن إيران قد تفكر بتغيير عقيدة الردع النووية لو قررت إسرائيل مهاجمة البرنامج النووي، الذي تقول طهران إنه للأغراض المدنية. ودعا مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل غروسي، إيران للتوقف عن الحديث الفضفاض بشأن تطوير الأسلحة النووية، ووصفه بأنه مثير للقلق.

ولن يحزن المعارضون للنظام الإيراني في المقاومة المدنية على وفاة رئيسي، ولدوره في قمع حركة “نساء، حياة، حرية” التي خرجت احتجاجاً على مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني.

وفي نفس الوقت يمقت الجيل القديم من الإيرانيين دور رئيسي بصفته نائباً للمدعي العام في طهران عام 1988، حيث كان عمره 28 عاماً، في إصدار سلسلة أحكام بالإعدام على ما يقرب من 3,000 سجين سياسي، معظمهم من حركة “مجاهدي خلق”. وفي عام 2019 اختاره المرشد ليترأس القضاء قبل اختياره مرشحاً للرئاسة عام 2021.

وفي نفس السياق، رأى أندرو إنغلاند في صحيفة “فايننشال تايمز” أن مقتل رئيسي ضربةٌ للنظام الإيراني ومرشده علي خامنئي. وهذا لا يعني أن رئيسي كان رئيساً ينفذ سياسات راديكالية ستعيد تشكيل مستقبل الجمهورية الإسلامية. وبالتأكيد فالتاريخ سيظهر أن فترته القصيرة في الحكم لن تترك إلا أثراً قليلاً، مقارنة مع أسلافه، مثل محمد خاتمي، الذي تبنّى خطاً إصلاحياً، أو حسن روحاني، السياسي الذي تبنّى سياسات وسطية، وكان مهندساً رئيسياً لاتفاق عام 2015 النووي مع الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب. فقد كان رئيسي، ومن الوهلة الأولى التي انتخب بها لخلافة روحاني، جزءاً من خطة خامنئي لتقوية تأثير المتشددين على النظام، والتأكد من خلافة سلسة له. فهذه المسألة هيمنت على السياسة الإيرانية، طوال العقد الماضي، وستظل قائمة حتى بعد وفاة رئيسي.

 ومن هنا كان فوز رئيسي في الانتخابات الرئاسية مرتباً بعناية، وجرى استبعاد المرشحين المحافظين والإصلاحيين، ذلك أن رئيسي (63 عاماً) نظر إليه باعتباره أحد تلاميذ خامنئي، والمرشح المحتمل لخلافته. كما جرى ترتيب انتخابات البرلمان، هذا العام، خدمة لهذا الغرض. ومنع روحاني من  الترشح للبرلمان، ما فتح المجال أمام جيل من النواب المؤدلجين والمتشددين للتقدم والسيطرة على المؤسسة التشريعية.

وبدا وكأن خامنئي يعيد ترتيب بيته. ولكن لا أحد يعرف أن رئيسي، الذي شهدت فترته الرئاسية اضطرابات وزيادة في التضخم وآلاماً اقتصادية وتراجعاً في قيمة الريال الإيراني، سيكون خليفة لخامنئي لو لم يمت. فهناك نجل المرشد، مجتبى الذي ينتظر في الجناح . إلا أن ولاء رئيسي للمرشد ساعد على تقديم صورة عن كتلة محافظة موحدة حول أهداف ورؤية المرشد وتجنب الخلافات التي طبعت الرئاسات السابقة مع مكتب المرشد.

وكان من المتوقع أن يرشح رئيسي نفسه لفترة ثانية في انتخابات العام المقبل. إلا أن وفاته تضع خطط المرشد لترتيب البيت أمام تحدٍ، فيجب على البلاد التحضير لانتخابات بعد 50 يوماً.

الصحيفة: يمقت الجيل القديم من الإيرانيين دور رئيسي بصفته نائباً للمدعي العام في طهران، عام 1988، في إصدار سلسلة أحكام بالإعدام على ما يقرب من 3,000 سجين سياسي

ومع ذلك، فوفاة رئيسي لن تؤثر في النهاية على سياسات النظام الداخلية والخارجية، نظراً لأن مسارها يقرره مكتب المرشد، وليس الرئيس. والمهم في الوضع الحالي، هو أن البلد لا يحب أن يظهر بمظهر الضعيف، أو يواجه حالة عدم استقرار سياسي، بعد فترة من التظاهرات المعارضة للنظام، وحالة من التوتر الإقليمي بسبب الحرب المستمرة في غزة منذ ثمانية أشهر.

ويتوقع أن يعبر الكثير من الإيرانيين عن غضبهم من النظام بعدم التصويت، كما فعلوا في عام 2021 الذي شهد انتخابات رئاسة تعتبر الأدنى مشاركة منذ عام 1979، وكذا انتخابات البرلمان هذا العام التي بلغت المشاركة فيها أدنى من نسبة 41%. وكان هذا محرجاً للجمهورية التي حاولت تقديم شرعيتها من خلال مظهر من الديمقراطية، إلا أن انتخاب الرئيس السابق والبرلمان الحالي قدّما صورة عن استعداد المرشد والمتشددين معه عن التضحية بهذا المظهر الديمقراطي والتأكد من هيمنة جناحهم على النظام. وستتواصل هذه السياسة بدون أيّ أمل لملايين الإيرانيين الذين خاب أملهم بالنظام، وبدون فسح المجال أمام مشاركة للإصلاحيين والتأكد من استمرار المتشددين بالتحكم في أمور النظام.

وستكون نفس القصة على صعيد السياسة الخارجية، حيث وازَنَ المرشد في محاولته إبعاد النزاعات الإقليمية عن شواطئ إيران ما بين النزعة المحاربة مع إسرائيل والغرب، وردّه مدروس على تداعيات الحرب في غزة. فمن جهة دعمت إيران الجماعات الوكيلة عنها في العراق ولبنان واليمن وسوريا وغزة، أو ما تطلق عليه محور المقاومة، وهي تقوم بمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، لكنها أكدت على استقلالية قرارها عن طهران، وأنها لا تريد حرباً واسعة ومباشرة مع الولايات المتحدة.

وقامَرَ خامنئي بضرب إسرائيل، انتقاماً للهجوم الذي نفذ على قنصلية بلاده في دمشق، الشهر الماضي، وردت إسرائيل بضرب منشآت عسكرية في أصفهان، إلا أن الطرفين عبّرا عن  رغبة بعدم التصعيد أكثر.

وفي النهاية يرغب خامنئي بالحفاظ على نظامه عبر السياسة الداخلية والخارجية. وهو، وإن خسر جندياً يثق به كرئيسي، إلا أن  وفاة الرئيس لن تحرف، على الأرجح، المرشد، ولا نظامه عن مسارهم الحقيقي، وهو تأمين  ميراثه وسلطة الموالين له من المتشددين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول وحيد:

    تفتح وفاة رئيسي عن عمر يناهز 63 عاما فترة من عدم اليقين السياسي في إيران، الشعب الإيراني يدفع الثمن والسلطة متحجرة بأفكارها الدينية والوطنية

    1. يقول فصل الخطاب:

      كذب وهراء، إيران لديها مخزون استراتيجي من الرجال الأشداء على الأعداء 😎👌

  2. يقول شهاب الجزائر:

    اذا عرف السبب بطل العجب. الحادث و الله
    أعلم ليس عرضيا تماما كحادث إسقاط هليكوبتر جونغ غرنغ و هو التخلص من منافس قوي لنجل خامنئي في خلافة ابيه
    في منصب المرشد الأعلى للجمهورية.
    هذه دائما من ميزات الأنظمة المتخلفة
    المستبدة و هو توريث الحكم لأبنائهم حتى
    و لو أدى ذلك إلى ضياع البلاد و العباد.
    لماذا لا تسقط مثل هذه الطائرات في
    أوروبا و أمريكا و اليابان و غيرها من الدول
    المتقدمة. تسقط فقط عند الدول المتخلفة.

    1. يقول فؤاد:

      أوافقك الرأي خاصة إذا علمنا أن المرشد عن استبعاده لفكرة التوريث. وأن رئيسي هو رجل الدين الوحيد بخبرة سياسية وعمامة سوداء مرشح لمنصب المرشد. واضح إذن أهمية واستعجالية إزاحة رئيسي من المشهد.

    2. يقول فصل الخطاب:

      الموساد الصهيوني وراء الحادث بكل تأكيد ✌️🇵🇸😎☝️🚀🐒🚀🐒

  3. يقول ابراهيم:

    في اعتقادي أن قتل رئيسي عمل داخلي له علاقة بالصراع على السلطة في إيران. ولا أستبعد أن يكون ابن خامنئي له دور (وربما خامنئي نفسه) حتى يتسنى له خلافة والده في السلطة. عموما هذا المدعو رئيسي من عتاة المجرمين حيث أعدم بدم بارد (حين كان رئيسا للقضاء) آلاف المعتقلين السياسيين بعد الثورة (وهؤلاء شاركوا في الثورة ولم يكونوا من نظام الشاه). نتمنى الزوال لهذا النظام الطائفي الذي سفك الدماء وأباد الأبرياء في العراق وسوريا ونشر الفوضى في هذه البلاد كما في لبنان وسوريا.

اشترك في قائمتنا البريدية