الفن والتلاعب في التأثير البصري في أعمال العراقي محمد سهيل

تتضح معالم الفن عند محمد سهيل عبر مهارة في التكوين والتلوين، يضاف لهما التلاعب البصري، الذي برع فيه وقد بدت خطواته واثقة مما يؤديه من رسومات عالية الدقة أمامنا، إنه ملون ماهر وفنان يعي أن الفن مسؤولية جمالية وأخلاقية، وليس سجالا في الأسلوب ومدعاة للتفاخر والاختلاف. لقد عرفت هذا الفنان منذ كان عمره خمسة عشر عاما، وهو يتعلم الدرس الأول عند أبيه في قاعته الفنية، وكنا كلما نظرنا إلى رسوماته ازددنا شوقا ويقينا بأن المستقبل أمامه، فلم يتعجل في الرسم قبل أن يتأكد من جميع جوانبه. والآن بعد دخوله عوالم الدرس الفني المباشر من قبل أساتذة كفوئين تبين للجميع أن قدرته مبهرة وتراكيبه دقيقة، وهو غير مقيد تماما في اللعب على أشكال مختلفة، ولكن هناك ما يجمعها في سياق فني، أو شكلي يمدنا بجماليات تكمن فيها اللوحة، بما تعزز من غوايتها وأسلوبها، لقد تمكن بقدرة وأداء مذهلين، أن يجمع قوة خطاب بصري مؤثر، بما يجعل الوحدات في عمله وكأنها مركبة، وفق معنى معين وعلامات صريحة، ولكن زاوية الجمال، الذي يتشوق إلى إبداء نزعته أمام المتلقي، باتت له قراءة معينة، فمن يريد أن يفهم ما يصبو إليه محمد سهيل في عالم الرسم، عليه أن يفصل بنية الأشكال في عمله، عن طاقة الحفاظ على جماليتها، وهنا يبدو الفن لديه مرتكزا بصريا يجعل من ثنائية الأشكال ونسيج جمالها يملك توجها معينا وخاصا، فما الذي يود الإفصاح عنه، هذا الشاب المحمل بإرث الفن الكلاسيكي والقادم إلينا من نهر الفرات؟ رسومات هذا الفنان تخرج بصورة واضحة المعالم، لها من هوس العلاقة بين الوحدات وتراكم الأشكال ما يجعل صورتها النهائية حاملة لخطاب بصري منشغل بالاكتشاف الثقافي، فكيف يحدث ذلك؟


محمد سهيل يعي أن رسم الصورة المتحركة والألعاب الصبيانية وحمل الرموز الكلاسيكية والإقرار بالرسم كمحصل نهائي للجمال قد يوفر للمتلقي طاقة تركيز، بمعنى أن فنه يمتلك نزعة شكل مؤثر وطاقة من البنائية التي تصر على مزج مكونات حياتية بشكل لافت، إنما هي تخطٍ لاختبار الذائقة أولا، واتخاذ عنونة مجزأة من شأنها أن تفي بتعدد الأوجه التي يسعى لبيانها، نعم رسوماته شاقة من حيث التكوين والتعبير، ولكنها متفردة من حيث الصياغة، فهو لاعب ماهر على السطح التصويري يضع خياله أمام هوس اللون الأبيض من القماشة، ليتصارعا في تقديم جمال خلاب، لقد كان في تلاعبه الأسلوبي ما يثير الدهشة وكانت لسيطرته على وصف الوقائع بشكل لافت ما يعزز من خطابه، واعتقد أن الدروس التي قدمها له الفنان سلام عمر كانت قطب الرحى، إذ عززت من أسلوبه، فقد بدا معلما ملهما له، ولكن هذا الشاب جاء لبغداد محملا بهوس الانتماء للفن، يمتلك ناصية طرائق الدرس الأول مع معلمه المهم سهيل الطائي، فأبوه وفّر له كل مستلزمات ما يريد، مقابل أن يكون فنانا حقيقيا، وخدمته الصدفة أن يقترب من مشغل الفنان الثمانيني سلام عمر، ليزوده بأفكار ستكون ذات يوم وثائق يقدمها في رسائل فن حقيقي، يمثل شاهدا على أهم مرحلة من حياته الفنية وهي العرض المشترك مع معلمه سلام عمر، عبر معرض مشترك، سمي يومها (انتباه). هذا المعرض مثل انقلابا في وعيه وخياله.. وأنا هنا لست في موضع التبشير باسمه الفني بقدر ما أنا أعي أن تجربة فتية تمتلك خصوصيتها، خير من تجارب قديمة لم تضع لها طريقة وأسلوبا يميزها، ولكي نكون منصفين فهذا الفنان يقف على مفترق طرق مليئة بالأشواك ولكنني متيقن من أنه لن يستبدل طريقه الذي يمضي به بخطوات واثقة، من أن يجعل من مغامراته الفنية وعمليات النجاح التي يحققها هدفا واضحا له.

كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية