الفيفا ينهش لحم عالم كرة القدم!

كشر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن أنيابه الحادة، وأشهر نياته الجشعة، بأخذ قرارات في عدد من الملفات المتعلقة بالمنتخبات الوطنية والاتحادات القارية والأندية المحلية، معربا عن رغبته في نهش أكبر قطعة لحم من عالم كرة القدم من دون أدنى اعتبار للحالتين النفسية والجسدية للاعبين والكوادر الفنية.
بداية خصص الفيفا جوائز مالية بقيمة مليار دولار لكأس العالم للاندية المقررة في الولايات المتحدة من 14 حزيران/يونيو الى 13 تموز/يوليو المقبلين بمشاركة 32 فريقا. وهو ربما يعتبره البعض أمراً ايجابيا ومشجعا للأندية، خصوصا أن المسابقة ستقام للمرة الأولى رغم اعتراضات الكثير من الاتحادات والمدربين واللاعبين ولكنها مغرية جداً للادارات ورؤساء الأندية. خصوصا أن هذا المبلغ يعتبر أعلى بكثير من قيمة الجوائز المالية المقدمة لكأس العالم الأخيرة للرجال أو السيدات.
ولم تعط الهيئة الحاكمة لكرة القدم العالمية سوى القليل من التفاصيل حول تمويل النسخة الأولى من البطولة التي ستقام كل أربع سنوات ولكنها وقّعت مع جهة بث ورعاة رئيسيين في الأسابيع الأخيرة، وهو بيت القصيد، حيث أراد الفيفا ان تكون له قطعة كبيرة من أرباح مسابقات الأندية، خصوصا أن مصدر مداخيله الرئيسي هو من مسابقة المنتخبات «كأس العالم»، في حين كأس القارات للأندية او الكونتيننتال، لم تحقق المردود الذي يتطلع اليه، أو الذي يقارب به مداخيل بطولة أندية مثل دوري أبطال أوروبا. ولهذا تم منح خدمة البث التدفقي للشركة البريطانية «دازن» الحقوق العالمية الحصرية للبطولة مقابل صفقة بلغت 1.05 مليار دولار. كما وقّع الفيفا عقود رعاية مع شركة «كوكاكولا» و«بنك أوف أميريكا» والعلامة التجارية الصينية للإلكترونيات «هايسينس» ومصانع الجعة البلجيكية «أي بي إينبيف»، وبالتالي سيضمن مداخيل من أعلى المستوى. وبالمقارنة، بلغ إجمالي الجوائز المالية لمونديال قطر 2022، 440 مليون دولار، بينما بلغت 110 ملايين دولار لكأس العالم للسيدات 2023 في نيوزيلندا وأستراليا، أي أن جوائزه لمسابقة الأندية ستكون ضعفي جوائز مسابقتي الرجال والنساء لكأس العالم.
والجوائز المالية ستكون مغرية جداً للأندية المشاركة، خصوصا لأندية اتحادات الصف الثاني مثل الأندية الآسيوية والافريقية، علماً ان الفيفا لم يكشف عن آلية توزيع الجائزة، لكن مصادر أشارت الى أن الفيفا سيضع في الاعتبار تصنيف كل ناد، والاتحاد الذي يمثله، ومن بعد ذلك الدور الذي يصل اليه في المسابقة، ففريق افريقي مثل الاهلي المصري لن يتقاضى مثل برشلونة في حال وصولهما الى نصف النهائي، وهكذا.
ورغم الاغراءات المالية تظل جوائز الاتحاد الأوروبي (يويفا) الذي استحدث نظاما جديدا لدوري الابطال هذا الموسم يضم 36 ناديا، أكثر بكثير، حيث خصص جوائز بقيمة 2.47 مليار يورو للأندية المشاركة.
ومباشرة أبدى رؤساء روابط في الدوريات الأوروبية مخاوفهم حول مستقبل الكرة المحلية في بعض البلدان، بل أيضا مستقبل المسابقات القارية، حيث تتزامن هذه المسابقة مع كأس الكونكاكاف (اتحادا امريكا الشمالية والوسطى)، خصوصا ان الفيفا أعطى الأولوية للاندية في الاحتفاظ بلاعبيها. وقد يكون تأثير تلك المكاسب الإضافية محسوسا بشكل أكبر في بطولات الدوري صاحبة حقوق البث الأقل قيمة مادية محليا، مثل النمسا والتي سيمثلها في البطولة العالمية فريق سالزبورغ هذا الصيف، فاذا حصل على جوائز بنحو 50 مليو دولار من هذه المشاركة، فان هذا سيكون تأثيره كبيرا على الدوري النمساوي.
وللتأكيد على أن الفيفا، لا يفكر الا بالمداخيل المالية، عوض راحة اللاعبين، فانه يدرس اقتراحا مفاجئا بزيادة عدد المنتخبات المشاركة في كأس العالم للرجال في نسخة 2030 إلى 64 فريقا، وهو ضعفا عدد المنتخبات المشاركة في نسخة 2022 في قطر. وستقام النسخة الأولى من البطولة بالنظام الجديد (48 منتخبا) العام المقبل في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. ورغم أنه خبر جيد للمنتخبات الصغيرة والمغمورة التي ستحظى بفرصة للتأهل للمونديال للمرة الأولى، الا انه سيعني زيادة في عدد المباريات للمنتخبات الكبيرة والنجوم الذين سيجردوا من أوقات راحتهم وتعافيهم.
وذهب الفيفا أبعد من ذلك باعلان رئيس الفيفا جاني إنفانتينو، إقامة «أول عرض من نوعه» بين الشوطين خلال نهائي كأس العالم 2026 في ضواحي نيويورك، على طريقة مباراة كرة القدم الأمريكية (سوبر بول). وكان انفانتينو تحدث في أيلول/سبتمبر 2024 في نيويورك، عندما كشف الفيفا عن الملاعب المختارة لكأس العالم للأندية التي ستقام هذا الصيف في الولايات المتحدة، عن مشهد فريد بين شوطي المباراة النهائية للمسابقة. لكن العائق الوحيد امام تحقيق هذا النوع من العروض هو ضيق الوقت بين شوطي مباراة كرة القدم الذي لا يتعدى ربع ساعة وهي فترة أقصر بكثير من مباراة السوبر بول التي استلهموا منها الفكرة.
ربما أصبحت كرة القدم سلعة، يعتبرها البعض دجاجة تبيض ذهبا، فيما صاحبها ينهش لحمها بلا رحمة، ومشجعو كرة القدم سيدفعون ضريبة عشق أنديتهم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ربيع:

    توسيع عدد الفرق المشاركة في كأس العالم إلى 64 فريقًا، حتى لو كان استثنائيًا لنسخة واحدة، قد يكون له تأثير إيجابي في بعض البلدان التي لم تحظَ بفرصة التأهل من قبل. يمكن أن يمنح هذا التوسع دفعة كبيرة لكرة القدم في تلك الدول، سواء من حيث الاستثمار في البنية التحتية الرياضية أو زيادة الاهتمام الشعبي والإعلامي باللعبة…(تتمة)

  2. يقول ربيع:

    …لكن من المحتمل أيضا أن يكون سبب زيادة عدد المنتخبات المشاركة هو رغبة الدول المضيفة الثلاث في أمريكا اللاتينية (الأرجنتين، الأوروغواي، وباراغواي) في لعب أكثر من مجرد مباراة افتتاحية في كأس العالم 2030، خاصة أنه قد يصعب عليها المطالبة بمباريات أكثر مع نظام الـ48 منتخبًا. لكن يجب الانتباه إلى أنه عندما تُنظم كأس العالم في دولة واحدة أو اثنتين، يكون هناك هوية واضحة للبطولة، حيث تُربط بالبلد المضيف ثقافيًا وجغرافيًا، مثل “كأس العالم في البرازيل 2014” أو “كأس العالم في روسيا 2018”.
    لكن مع ست دول عبر ثلاث قارات، قد يصبح تحديد هوية واضحة للبطولة أمرًا صعبًا. المشجعون قد لا يتمكنون حتى من تذكر جميع الدول المستضيفة، وربما ستُعرف البطولة فقط باسم “كأس العالم 2030” دون أي ارتباط جغرافي واضح. بل حتى الشعور بالحماس الجماهيري المحلي قد يتشتت، إذ إن كل دولة ستكون مسؤولة عن جزء صغير فقط من الحدث، مما قد يجعل البطولة تبدو وكأنها “كأس عالم بدون بلد مضيف حقيقي”.

  3. يقول حسن:

    في عالم تتفاوت فيه القدرات والفرص، تبرز الرياضة، وخاصة كرة القدم، كواحدة من الساحات القليلة التي تحقق نوعًا من العدالة الاجتماعية، حيث تمنح الأفراد فرصًا للتألق بناءً على مهاراتهم الفطرية والمكتسبة، بغض النظر عن خلفياتهم الأكاديمية أو الاجتماعية. فبينما يُنظر تقليديًا إلى الذكاء والنجاح من منظور التحصيل الدراسي، تأتي الرياضة لتوسع هذا المفهوم، مقدّرةً الذكاء البدني، والقدرة على التحمل، والمهارات التكتيكية، بل وحتى الذكاء العاطفي والتواصلي. هذه العدالة لا تقتصر فقط على الرياضيين أنفسهم، بل تمتد لتشمل المجتمعات التي تحتضن الرياضة كمصدر للفخر والهوية والفرص الاقتصادية. ومع ذلك، فإن الحفاظ على هذه العدالة يتطلب توازنًا دقيقًا من الهيئات الرياضية العالمية، التي يجب أن تطور الرياضة دون أن تميّعها أو تفقدها قيمتها التنافسية. التوسّع المفرط في عدد البطولات أو المنتخبات، إذا لم يكن مدروسًا، قد يحوّل هذه المساحة العادلة إلى ساحة مشوّهة تفقد فيها الرياضة جوهرها كاختبار للمهارة والتميز الحقيقي.

اشترك في قائمتنا البريدية