استوقفني هذا المشهد المؤلم من فيلم ألماني بعنوان «الدماء والذهب» من بطولة روبرت مايسر (الجندي هاينرش) وماري هاك (إلزا) وروي مكريري (الرقيب دورفلر) إخراج بيتر ثوروارث، ومن إصدارات عام 2023. جنود الـ(أس أس) أو قوات الأمن الخاصة النّازيّة، يقتادون فتى من ذوي الاحتياجات الخاصة لشنقه وتعليقه في جرسيّة كنيسة القرية. عندما رآه أحد الجنود أول الأمر، قال مشيرا إليه: (ظننتُ أن هذا النوع من الآفات قد أبيد قبل فترة طويلة). عاد الفتى إلى المزرعة خلسة دون علم أخته والجندي الفار، وعرّض نفسه للخطر رأفة بالبقرة (ريتا) التي ستصيح من الألم عندما لا تجد من يحلبها في الصباح. علّقوا برقبته قطعة من الكرتون أو الخشب كتبوا عليها: (أنا لستُ جديرا بالحياة) وكان هذا كل ما يلزم لإصدار حكم الإعدام بحقّه. ينتفض فجأة ويدفع أحد الجنود من فوق الجرسيّة ليلقى حتفه، ويقتل الجندي الآخر بإطلاق النار عليه قبل أن يسقط هو نفسه قتيلا برصاصة من قائد الجنود.
ليست المرة الأولى التي تطرح فيها السينما هذه الفكرة؛ وهو ما شاع خلال فترة حكم الحزب النّازي، الذي كان ينادي بالقوميّة الألمانيّة وتفوّق العرق الآري. وتقوم هذه الفكرة المجنونة على تخليص الجنس الآري من كل الشوائب الجينيّة (والمقصود هنا ذوي الاحتياجات الخاصة جسديا وعقليّا) التي طرأت عليه ليستمرّ في نقائه وقوّته. التّخلّص منهم يعني قتلهم في محاولة بائسة لتنحية الجينات الفاسدة في المجتمع ليظل الرجل الآري طويلا عريض الكتفين، أشقر، بعيون زرقاء. المفارقة أن هتلر نفسه لم يكن تماما بهذه المواصفات.
قصة الفيلم
تدور أحداث الفيلم في نهاية الحرب العالميّة الثانية وبالتحديد عام 1945 في قرية (زوننبيرغ) شرق ألمانيا، حيث يظهر فصيل من قوات (أس أس) النّازيّة للبحث عن الذهب الذي علموا به من خلال أحد اليهود، ويدعى لوفنشتاين الذي حاول شراء حريته مقابل صندوق من الذهب، لكنّه مات تحت التعذيب قبل أن يخبرهم بمكانه. ويمضي الفيلم أيضا في مسار آخر وهو الجندي الفار من الجندية (هاينرش) الذي ملّ كل هذا القتل وهذا الجنون، وقرّر العودة إلى المنزل للعناية بابنته الصغيرة بعد موت الأم في إحدى الغارات، يلقون القبض عليه ويشنقونه، لكنه لا يموت لأن (إلزا) الفتاة التي تعيش في المزرعة المجاورة مع أخيها من ذوي الاحتياجات الخاصة (باولى) تنقذه في اللحظة الأخيرة. تتالى الأحداث وتتقاطع المسارات ويتضح أن رئيس البلدية والمرأة الجشعة (سونيا) التي جسّدت دورها الممثلة (يوردس تريبل) بالإضافة إلى شخصين آخرين قد أثاروا نقمة أهل القرية لطرد وقتل العائلة اليهوديّة قبيل الحرب بغية الاستيلاء على الذهب. قسيس القرية يرى كلّ شيء لكنّه لا يحرّك ساكنا للمساعدة. وتظهر في الفيلم بشكل خاص شخصيّة الرقيب (دورفلر) وهو شخص عنيف وسادي، ويبرز التحدّي والحدية بينه وبين (هاينرش) في أكثر من مشهد دموي في الفيلم. عندما ظنّتْ (سونيا) أنّها حصلت على الذهب أخيرا بعد أن مات شركاؤها والجنود الباحثين عن الذهب، تتلقّى قذيفة من آلية أمريكيّة كانت في المنطقة فترديها قتيلة، وتنثر سبائك الذهب في المكان لتصبح من نصيب الجنود الأمريكيين، وفي هذا ربّما إشارة إلى شيء أبعد يتعلّق بمكاسب ما بعد الحرب وإعادة الإعمار. ولم يخلُ الفيلم من إشارات أخرى إلى أحداث مرتبطة بنهاية الحرب، ومنها عندما حاول الرقيب (دورفلر) اغتصاب إلزا في المزرعة قال له أحد الجنود معترضا: (لسنا الجيش الأحمر). وكما هو معروف، فهناك تقارير تشير إلى مليوني امرأة وفتاة ألمانية اغتصبها الجنود السوفييت خلال عام 1945.
أمركة السينما الأوروبيّة
اللافت في الفيلم مشاهد الحركة والقتال التي بدت كأنها نسخة مما نراه في الأفلام الأمريكية، حيث البطل الذي لا ينال منه الرصاص (Bullet Proof) ولا تؤثر فيه الجروح الغائرة. هاينرش الذي ما زال يتعافى من محاولة شنقه يتعارك مع ستة جنود أقوياء ويقتل خمسة منهم بمساعدة إلزا بينما يفرّ الرقيب جريحا من المزرعة. وفي مشهد العراك الثاني يقتل اثنين من الجنود بعد أن حاصروه ثم يفلت منهم إثر غارة جوية إذ تصيبه شظيّة في فخذه إصابة خطيرة ـ لكنّه يتلقّى المساعدة من إحدى نساء القرية (إرمغارد) وتضمّد جرحه ثم ينهض لإنقاذ إلزا. وفي المشهد الثالث يتساقط الجنود الواحد تلو الآخر، كما يسقط قسيس القرية وإرمغارد ويخرج هاينرش متّكئا على إلزا من الكنيسة ليبتعدا عن الذهب ولعنته.
ولم يقتصر الأمر على الأسلوب فقط، بل تعدّاه إلى الخطاب فتبنّى الفيلم النهج الإعلامي الأمريكي في الترويج المستمر للمحرقة، وما ساد خلال سنوات الحرب من تحريض المجتمع الألماني على نبذ اليهود وطردهم من بيوتهم حتى في القرى النائية. ويتجلّى هذا في قول رئيس البلديّة في قرية (زوننبيرغ) لقائد جنود (أس أس): (أفتخر بإبلاغكم أن قريتنا خالية من اليهود منذ نوفمبر/تشرين الثاني 1938).
جدليّة العولمة والخصوصية
هل تقليد النموذج الرائج هو دائما العمل الصائب، حتّى لو كان هذا التقليد على حساب الشخصيّة والخصوصية؟ لطالما تابعنا السينما الأوروبيّة وخاصة الأفلام بالميزانيّات المحدودة التي تعتمد على قوة الفكرة، أو جدليّتها والأداء المقنع للممثلين، بعيدا عن فكرة البطل الهوليوودي الذي تسانده حزمة من البرمجيّات المتطورة وتأثيرات صوتيّة وبصريّة وحركيّة فائقة التعقيد. المحافظة على الهوية الوطنية في كل مظاهرها من أولويّات هذا العصر الذي تغوّل فيه القوي على كل من هم دونه، وأصبح الأمر أشبه بالتراتبيّة الافتراسيّة في سهول وغابات افريقيا؛ فقائمة طعام الأسد ليس لها أيّ محدّدات. كيف ستكون ردود الأفعال والانطباعات حول الفيلم جماهيريّا ونقديّا وعلى مستوى الجوائز؟ ما زال الوقت مبكرا لذلك فلم يمضِ على صدوره سوى أشهر، كما أن عملية التقييم والتّلقّي في أغلب الأحيان عملية معقّدة ويصعب التّكهّن بها. ويبقى أن نتساءل: هل هذا بداية توجّه عام لأمركة السينما الأوروبية؟ أم هي مجرد محاولة لن تؤثر في الطابع العام المعروف عن الأفلام في أوروبا؟ هذا ما سيظهر لنا في مقبل الأيام.
كاتب أردني
بعض الكلمات فقط لكن ادا سمحتم وكدالك الكاتب السينمائي شكرا لكم وله بين قوسين وليس خروجا عن الموضوع الفني السينمائي بل بداخله السينما لاتشجع على ارتكاب بعض الحماقات التي كانت في الماضي شبه البعيد بل تنتقد وكأن لسان حالها يقول ما كان لهده ان تكون هده ليست عقلانية صحيح أمور وقعت في الحربين العالمتين ظلت في داكرة السينما الواسعة من الداخل فنحن اليوم نشاهد لافلام السينمائيةمن جنسيات يكثر فيها العنف والعنف المضاد ليس معنى هد ا أنها تشجع العنف لالالا هي عاقلة وحكيمة وهناك كدالك صور اخلاقية يشاهدها الكل