القبض على الفراغ في أعمال ناثان دوس

حجم الخط
0

ناثان دوس مثّال مصري يبحث عن ملامح تخصه، كأي فنان أو مبدع يسعى إلى استكشاف فضاءات وجوانب مختلفة ضمن إطار إبداعه أو لغته. في سعيه لتحقيق ذلك الأمر قرر ناثان دوس أن يمثّل الأفكار والهواجس والأحلام في منحوتاته. هي نية قد تكون مرهقة، خاصة إذا ما تعلق الأمر بحالة معنوية أو هاجس مُلتبس، كهذه الوساوس والأفكار التي تعصف بأذهاننا ثم تهرب منا في لمح البصر دون التمكن من القبض عليها أو التعرف على ملامحها. المتأمل في أعمال ناثان دوس التي تم عرضها أخيراً في قاعة الزمالك للفنون في القاهرة تحت عنوان «نفاذية الشكل» يمكنه التعرف على نوعية هذه الأفكار التي يستلهم منها الفنان أعماله. أعمال تحمل أسماءاً مثل: غطس، الإسقاط النجمي، حوار، مستعصي على الأدلجة، محاولة الخروج لمساحة معلومة، وغيرها من العناوين والتسميات التي حرص على إرفاقها ضمن بطاقة التعريف الصغيرة إلى جوار كل عمل.
على الرغم من التباس هذه الأفكار إلا أن دوس قرر خوض التجربة من قبيل التحدي، ومنذ أن باغتته تلك الرغبة، وهو مستغرق في تلمس الوسيلة المُثلى لتحقيقها. تحول دوس من النحت على الحجر إلى التشكيل بخامة البرونز، واستعاض عن الكتلة المصمتة بتكوينات أقرب إلى التشظي والتشابك والتحرر من أسر الجاذبية، وجه ناثان دوس بحثه في الكتلة إلى استكشاف مقومات جديدة ومختلفة للعمل النحتي، ومكنته خامة البرونز من طرح مزيد من الأفكار. هي انتقالة كبيرة على مستوى الخامة، والأدوات المستخدمة في تشكيلها، ومراحل العمل بها، فخامة البرونز تفرض عليه طبيعة مختلفة للكتلة النحتية، كما تفرض عليه انتقالاً حادًا أيضًا في الموضوعات التي يتصدى لطرحها أو معالجتها. وهو بدوره قرر التمرد على معالجاته للأحجار أو الكتلة المصمتة الثقيلة التي تمرس على التعامل معها لسنوات، سنوات كانت كفيلة بفرض حضورها على معالجاته البرونزية. أراد ناثان دوس حلولًا أخرى للكتلة، حلولًا تسمح لأجزاء العمل وأطرافه باحتضان الفراغ واستيعابه كجزء من التكوين النحتي. كما تسمح أيضًا بانعكاسات ظلية للشكل على الجدران والمساحات القريبة، وهو ما بدى واضحًا في توجهه وطريقته في عرض أعماله المنفذة بهذه الخامة. يهتم ناثان دوس بالظل كجزء من تكوين العمل، وهو أمر طبيعي في مثل هذه التكوينات التي يتخللها الفراغ ويتسرب إليها الضوء من جوانبها كافة.
جسد أنثوي يهبط مفروداً بكامل طاقته فوق مساحة من البرونز تقسمه إلى جزئين: أعلى، وأسفل الماء، وثمة رذاذ يتطاير فوق السطح، التكوين بأكمله محاصر داخل مكعب حاد الزوايا، هكذا عبر الفنان عن حالة النشوة والاستغراق في عمله «غطس». يستلهم الفنان تشكيلاته من عناصر ومفردات غير معتادة كفقاعات الماء مثلًا أو رغيف الخبز. عمل آخر تحت عنوان «الانقسام» يجسد فيه حالة ذهنية معقدة لشخص مضطرب أو متردد، يتكون الشكل من رأس مقسم إلى نصفين، يرتكز كل نصف على حامل حجري منشطر بدوره إلى نصفين. يتكرر المكعب في أحجام وصيغ مختلفة في الأعمال التي يقدمها دوس. المكعب هنا هو مساحة محددة للشكل تسمح له بحلول أكثر جرأة واتساقاً مع سعيه للقبض على الفراغ.

٭ كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية