“القدس العربي” ترصد رحلات بحث الغزيين عن الطعام.. وتنقل روايات عن تجويع الأطفال

أشرف الهور
حجم الخط
3

غزة – “القدس العربي”:

ما إن يحن موعد الظهيرة في مناطق النزوح والإقامة في وسط وجنوب قطاع غزة، حتى تبدأ طوابير من السكان غالبيتهم من الأطفال، في الاصطفاف والتجمهر أمام “تكايا الطعام” المنتشرة بفعل حالة الجوع والفقر التي خلفتها الحرب المستمرة، بحثا عن قليل من الطعام لإسكات أمعائهم الخاوية.

طوابير الطعام

وعلى عجل يحمل الطفل أنس، أحد الأواني المنزلية البلاستيكية، ويزاحم مع حلول وقت الظهيرة أقرانه وهم بالعشرات الذين يتجمعون قرب “تكية طعام” أنشأتها لجان محلية بدعم من مؤسسات دولية في وسط مخيم النصيرات، وهو أحد الأماكن المزدحمة بالنازحين والسكان وسط قطاع غزة.

في بعض الأيام يقضي نازحون زهاء الساعتين في انتظار الطعام، وفي بعض الأيام يصلون إلى مكان الأواني الكبيرة التي يطهى فيها الطعام، ويجدوها قد فرغت بالكامل

في هذه المهمة يقضي هذا الطفل (ابن الـ 13 عاما)، في بعض الأيام زهاء الساعتين، وفي بعض الأيام يصل إلى مكان الأواني الكبيرة التي يطهى فيها الطعام، ويجدها قد فرغت بالكامل، ليعود إلى أسرته خالي الوفاض، ويقول هذا الطفل الذي التقته “القدس العربي” خلال انتظاره داخل حشد كبير، بانتظار أن ينضج طبيخ “العدس”، الذي كانت “تكية الطعام” تجهزه في 5 أوان كبيرة، إنه في اليوم الذي لا يعود به بهذا الطعام، تأكل أسرته الخبز فقط مع قليل من “الدقة”، وهي نوع من الأطعمة يصنعه الغزيون بعد تحميص القمح وطحنه بإضافة بعض البهارات.

وتحدث هذا الطفل الذي أفقدته الحرب مقعده الدراسي، عن مأساة أسرته الفقيرة، فوالده الذي كان يعمل خياطا، توقف عن العمل مع بدايات الحرب، ولم يعد هناك أي دخل مادي يصل العائلة، سوى القليل الذي لا يكفي لشراء صنف واحد من الأطعمة المتوفرة في الأسواق والمرتفعة الثمن، حيث يحصل والده بين الحين والآخر على عمل يومي مقابل مجهود بدني كبير يبذله في تفريغ شاحنات البضائع التي تصل لبعض التجار.

وفي ذلك المكان بالكاد حصل هذا الطفل على مقدار طبقين من هذا الطعام، لكنه قال إن قلة الطعام تجعلهم يتركون طعام الغداء دون أن تملأ بطونهم، وقد استذكر هذا الطفل أطعمة أخرى كان يتناولها قبل الحرب، وفقدت حاليا من الأسواق بسبب سياسات الحصار المشدد التي تفرضها سلطات الاحتلال.

جوع الأطفال

وهذه المشاهد باتت معتادة في كافة مناطق قطاع غزة التي يتواجد فيها النازحون خاصة في مناطق الوسط وغرب مدينة خان يونس، ولم يشأ رجل في بداية الستينيات أن يذكر اسمه وكان يقف أمام إحدى التكايا في منطقة “مواصي” خان يونس، واكتفى بذكر كنيته “أبو خالد”، وقال لـ “القدس العربي” إنه يخشى من أن تسوء الأوضاع بشكل أكثر، ويوضح أنه بسبب قلة الطعام، فقد كغيره من سكان غزة الكثير من أوزانهم، ويؤكد أنه لم يعد يشبه الشكل الذي كان عليه قبل عام، ويضيف بحرقة “اليوم الي بيروح بيجي يوم أصعب منه”، وقد تحدث عن مشاحنات ومشاكل تحدث بين النازحين مع بدء عمليات توزيع الطعام.

يؤكد غزيون أنهم يتناولون حاليا وجبة طعام واحدة، فيما يجري تقديم “ما يشبه الوجبة” للأطفال قبل النوم، وهي عبارة عن خبز وأي نوع من الطعام المعلب

ويشاركه في هذا الرأي النازح معين بركات، الذي أكد أنه وأسرته يتناولون حاليا وجبة طعام واحدة، فيما يجري تقديم ما “يشبه الوجبة” للأطفال قبل النوم، وهي عبارة عن خبز وأي نوع من الطعام المعلب، ويشير هذا الرجل إلى أن أطفال عائلته بكوا في كثير من الليالي جوعا، ولم يتمكنوا وقتها من النوم، ما جعل كبار العائلة التي تقيم في خيام النازحين، يؤثرون على أنفسهم، لإطعام الصغار أولا.

وسابقا أكدت تقارير دولية أن أطفال غزة معرضون للإصابة بأمراض سوء تغذية، بسبب الحصار المفروض من قبل إسرائيل، فيما جرى الإعلان عن وفاة عدد منهم.

ولا يأمل سكان قطاع غزة المحاصرون، بان تحل إجراءات جيش الاحتلال الجديدة بزعم تخفيف الحصار، بإعلانها تشغيل معبر جديد لنقل البضائع وهو “معبر كوسوفيم”، الازمة، حيث يقول إبراهيم حلاج، الذي يعمل ضمن فريق عمل متطوع في “تكايا الطعام”، إنه منذ اليوم الأول لبدء عملهم الخيري، وحتى في وقت ما كان جيش الاحتلال يدعي إدخال البضائع لغزة، لم يشهد انخفاضا لأعداد طالبي الحصول على الطعام المجاني، بل أشار إلى أن الأعداد تزداد يوميا، مع اتساع رقعة الفقر والبطالة في القطاع، ويؤكد هذا الشاب الجامعي أن توفير كميات الطعام، يجب ألا يكون مرتبطا فقط بأعداد النازحين، بل يتوجب أن يكون له علاقة بزيادة معدلات الفقر، ونقص المواد الغذائية من الأسواق وارتفاع اثمانها.

وقال لـ “القدس العربي”: “الارتفاع الجنوني الحالي للأسعار ونقص الخضروات من الأسواق، دفع بعائلات جديدة للحصول على طعامها اليومي من تكايا الطعام”، لافتا إلى أن ذلك يجبر القائمين على العمل الخيري على تقليص الكميات الموزعة، في ظل عدم حصولهم على الكميات اللازمة لإشباع جوع هذه الأعداد المتزايدة من المواطنين.

ويوضح هذا الشاب أن أزمة الأسر التي تعيلها نساء، من اللواتي فقدن أزواجهن في الحرب، تكون أشد وطأة عن باقي الأسر، ويوضح بحكم عمله في مجال الإغاثة أنهم زاروا أسرا من هذا النوع لا تملك حتى رغيف الخبز.

شح المواد الغذائية

وتفتقد أسواق قطاع غزة حاليا للعديد من الأصناف الغذائية، خاصة الخضروات واللحوم بشتى أنواعها، ويباع ما يتوفر منها بأثمان عالية جدا.

وسمحت سلطات الاحتلال بإدخال شاحنات محملة بمواد غذائية ومساعدات لأول مرة من “معبر كوسوفيم” الواقع على الحدود الشرقية لوسط قطاع غزة، في ظل تقييد حركة دخول شاحنات المساعدات من معبر كرم أبو سالم، والواقع على أقصى الحدود الشرقية لجنوب القطاع، وهو المعبر المجهز لدخول كميات كبيرة من الشاحنات، في حال كانت سلطات الاحتلال تريد إنهاء الازمة، غير أن ما ينفذ على الأرض، يشير إلى وجود سياسة ممنهجة تهدف من ورائها سلطات الاحتلال الإبقاء على أزمة المجاعة في غزة، بدرجات متفاوتة، وقد زادت مؤخرا تشديدات الحصار المفروض، والذي حالت بموجبه سلطات الاحتلال دون دخول المساعدات الكافية للسكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زياد:

    ومازلنا صامتين علي اي حال كيف سنقابل من يرحم عند السؤال الله لك الله ياغزه

  2. يقول وسيم:

    المجاعة والفقر منتشر في قطاع غزة. المأساة ولا مبرر لها. إن شاء الله ستفرج قريبا.

  3. يقول ابو محمد:

    حسبنا الله ونعم الوكيل…يمهل ولا يهمل

اشترك في قائمتنا البريدية