“القدس العربي” تروي آلام نزوح الغزيين.. ساروا على الأقدام وحمم الطائرات مزقت أجسادهم

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة – “القدس العربي”:

تزداد الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة خطورة، مع استمرار الحصار المفروض منذ أكثر من ثلاثة أسابيع متواصلة، وذلك بعد عودة الهجمات الحربية الدامية، مما أدى إلى نفاد الكثير من المواد الغذائية من الأسواق، وقال المكتب الإعلامي الحكومي إن القطاع بات على شفا كارثة إنسانية وسط استمرار الإبادة الجماعية والصمت الدولي.

نزوح وجوع

وبأمعاء خاوية وبصيام فوق الصيام، يعيش سكان قطاع غزة أوضاعا في غاية الصعوبة، بسبب الهجمات الحربية الجديدة، وعمليات النزوح الواسعة التي فرضتها قوات الاحتلال.

وبات الحصول على قليل الطعام في هذه الأوقات صعبا للغاية، بسبب عودة جيش الاحتلال لاستئناف الحرب، وما صاحبها من عودة النزوح القسري لأعداد كبيرة من المواطنين، اضطرت إلى الخروج من منازلها كما في المناطق لغربية لمدينة رفح وبلدات عدة شمال القطاع، بدون أن تقدر على حمل ما يتوفر في منازلها من طعام قبل رحلة النزوح المريرة.

خرج أهالي حي تل السلطان على وقع استهدافات كبيرة لجيش الاحتلال أدت إلى استشهاد الكثير منهم، كما طالت الاستهدافات عربات الإسعاف التي حاولت انقادهم

وفي الطريق الوحيد الذي حدده جيش الاحتلال لسكان حي تل السلطان غرب مدينة رفح، خلال رحلة النزوح القسري إلى مناطق مواصي خان يونس، شوهد رجال ونساء مسنون وهم يسيرون بصعوبة برفقة عوائلهم، والخوف يعتلي الجميع من استهدافهم من قبل الطيران الحربي، وهو ما حدث بالفعل مع عدد منهم، دون أن يتمكنوا سوى من حمل بعض الأمتعة الخفيفة والملابس، على ظهورهم، وسط طريق صعب وموحش.

وقابلت “القدس العربي” في طريق النزوح العديد من العوائل، ولاحظت أن أرباب الأسر، اضطروا إلى تحميل أطفالهم القليل من الأمتعة، بعد أن حملوا هم والشباب الأغلبية منها، وبصعوبة سارت الطفلة يارا (9 سنوات)، برفقة شقيقها خلف عائلتهم وهي تحمل على ظهرها حقيبة المدرسة القديمة، التي وضعت بدلا من الكتب، قليلا من الملابس الشتوية، ويقول والدها لـ “القدس العربي”، إنه اضطر لوضع ثلاث قطع من معلبات البقوليات في تلك الحقيبة، وفي حقيبة طفله الآخر، فيما حمل هو وزوجته وأحد أبنائه الشبان أشياء أخرى أثقل، لكن الوالد ويكنى بأبو العبد، قال إن كل ما تمكن من حمله لا يكفي أسرته سوى ثلاثة أيام فقط، وإنه إلى جانب المعلبات حمل 15 كيلوغراما من الدقيق.

مشاهد قاسية

وليس بعيدا عن هذا المشهد، كانت رباب السيدة ذات الـ (30 عاما)، تحمل على ظهرها حقيبة، وتحمل في حضنها طفلا لا يتجاوز عمره العام ونصف، وبيدها تمسك في طفلتها ذات الأربع سنوات، حيث اضطرت الطفلة كما الأهالي للسير مشيا على الأقدام لأكثر من خمسة كيلو مترات، حتى الوصول إلى منطقة مواصي خان يونس، وتحدثت رباب بحرقة والدموع تفيض من عيونها عن الواقع الأليم وعن حالة الخوف وقالت لـ “القدس العربي”: “خوف بخوف ونزوح… والله تعبنا شو بدنا نساوي كل هذا حرام”، وكانت هذه السيدة تقيم مع أسرتها وأسرة زوجها في جزء من منزل العائلة الذي تعرض لتدمير بليغ خلال اجتياح رفح السابق، وأقامت كما باقي سكان المدينة لأشهر طويلة في منطقة المواصي من قبل.

وحاليا لا تدري هذه السيدة المصير الذي ينتظر أسرتها، ففي السابق وجدت بصعوبة بالغة خيمة نزوح، تسلمتها من منظمة إغاثة دولية، وقد أصيبت الخيمة بالاهتراء، وحاليا بعد أن خرجت أسرتها في رحلة نزوح جديدة ومريرة تقول “مش عارفين شو راح يصير فينا، ولا كيف بدنا نسكن”.

وفي منطقة مواصي خان يونس غرب المدينة، توقفت كما باقي مناطق القطاع العديد من “التكيات الخيرية” عن العمل، بسبب قلة دخول المواد الغذائية التي كان تمنحها إياها المنظمات الاغاثية الدولية، كما توقفت في خان يونس الكثير من المخابز بسبب الحصار المشدد، وهو ما سيفاقم هذا الأوضاع الإنسانية بشكل أكبر وأخطر للعوائل.

هذا وقد خرج أهالي حي تل السلطان على وقع استهدافات كبيرة لجيش الاحتلال أدت إلى استشهاد الكثير منهم، كما طالت الاستهدافات عربات الإسعاف التي حاولت انقادهم، وتداول نشطاء على مجموعات ومواقع التواصل الاجتماعي لقطة لسيدة من عائلة صيدم، استشهد زوجها وأطفالها خلال رحلة النزوح وهم يسيرون أمامها، وقالت وهي تصف المشهد المرعب “كانوا قدامي أجي (سقط) الصاروخ في نصهم، تفتتو قدامي (قطعوا)”.

وفي مشهد مؤلم آخر، وضع شاب والدته غير القادرة على تحمل أعباء المشي على دراجة هوائية حمل عليها أيضا بعض الامتعة، وقام بإمساك الدراجة والسير فيها في طريق النزوح، في وقت كانت طائرات مسيرة إسرائيلية من نوع “كود كابتر” تلقي قنابل على مناطق النزوح، مع تقدم الدبابات الإسرائيلية نحو حي تل السلطان.

وبدا الخوف ظاهرا على جميع من وصلوا إلى منطقة المواصي، وقال محمد خضر لـ “القدس العربي”، إن الوضع أخطر مما كان عليه خلال الفترة السابقة للحرب، لافتا إلى أن عملية النزوح الحالية أصعب من السابقة، حيث خرج في بداية العملية البرية ضد مدينة رفح في شهر مايو من العام الماضي، هو وجيرانه والنازحون في منطقة سكنة غرب رفح، وهم يستقلون شاحنات ومركبات وصولا إلى غرب خان يونس، فيما اضطر هذه المرة للخروج تحت القصف والتهديد والجوع، ويضيف “لسا مش عارفين شو بدو يصير معنا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية