غزة – “القدس العربي”:
في مشهد محزن ومثقل بالهموم، يتواصل الشلال البشري بالتدفق من مناطق قطاع غزة المهددة بالنزوح القسري، إلى مناطق أخرى لم تشملها بعد أوامر الإخلاء الإسرائيلية، لكنها تقع ضمن مناطق النيران التي تستهدف بالقنابل والرصاص على مدار اليوم.
وسواء في مناطق شمال قطاع غزة، حيث هدد الاحتلال هناك السكان بالنزوح مستخدما القصف بالصواريخ وبالروبوتات المتفجرة، أو في المناطق الشرقية والوسطى لمدينة خان يونس، وأطراف وسط القطاع الشرقية، فإن واقع المأساة متشابه، آلاف العوائل اضطرت تحت وطأة القتل والمجازر إلى ترك مناطق سكنها سواء في بقايا البيوت المدمرة التي تسكنها بفعل الحرب، لعدم توفر ملجأ آخر، أو في خيام أقيمت على أنقاض الدمار، أو في مراكز إيواء في تلك المناطق المهددة، والخروج من جديد في رحلات إلى المصير المجهول.
شلال النازحين
وفي مدينة خان يونس، التي هدد الاحتلال سكان بلداتها الشرقية، والتي يقطنها الآلاف المواطنين، اضطرت تلك العوائل ولليوم الثاني على التوالي، لسلك الطريق الرئيس الذي يقسم المدينة، بعد اجتيازها شارع بلدة بني سهيلا الرئيس، وبعض الشوارع الفرعية القريبة، ومن ذلك الشارع المزدحم، تتجه تلك الأسر والتي إما تستقل مركباتها الخاصة أو شاحنات أو عربات تجرها الحيوانات، أو مشيا على الأقدام، إلى مناطق الغرب بحثا عن مأوى، وجلها عوائل عادت للإقامة إما في منازلها المتضررة من الحرب، أو في خيام على الأنقاض في بلداتها الشرقية، خلال فترة التهدئة الماضية، التي انتهت يوم الثاني من مارس، بعد أن مكثت لأشهر تتنقل في رحلات نزوح مريرة.
شلال بشري ينتقل من مناطق الهجمات الحربية آملا بالنجاة من القصف
وبدون سؤال أي من النازحين الجدد، يمكن أن تقرأ ما سيقوله من ملامح الوجوه المتعبة من مشقة الحياة، فبعضهم اضطر لحمل كبار السن على ظهره، فهو لا يملك ثمن التنقل على متن مركبة، وآخرون كثر تحملوا مشقة قطع أكثر من 10 كيلو مترات، سيرا على الأقدام تحت شمس حارقة، ويحملون على ظهورهم ورؤوسهم أمتعة سكن النزوح أو أطفالهم الرضع.
ويقول علي أبو ريدة، أحد النازحين الجدد من شرق خان يونس لـ “القدس العربي”، وهو يروي الواقع الجديد “هذه المرة الـ 12 الي بنزح فيها منذ بداية الحرب”، وهذا الرجل الذي قضى عدد من أقاربه خلال الحرب، كان يضع على ظهره بعض الأغطية، ويحمل في حضنه أحد أطفال الأسرة، فيما حمل آخرون من العائلة متاعا آخر والقليل من الطعام، أضاف “من ساعة وإحنا بنمشي، خرجت كل الحارة، ولسا مش عارفين وين بدنا نسكن”، لافتا إلى أن أقارب له سبقوه في رحلة النزوح، أخبروه بوجودهم في منطقة المواصي، وأن الوضع هناك مزدحم جدا، فيما تشهد المنطقة شحا في إمدادات المياه، واكد أنه وأسرته خرجوا فيما كان القصف الإسرائيلي قد طال محيط مكان سكنه.
الخروج بلا طعام
وفي طريق النزوح وسط مدينة خان يونس، التقت “القدس العربي” بالسيدة أم محمد أبو جامع، التي كانت تقيم في منزل متضرر كثيرا من غارات سابقة على شرقي المدينة، وقالت هذه السيدة التي سارت مع أسرتها، إلى غرب المدينة “مش عارفين شو بدو يصير فينا، ما بنسكن بمكان إلا بعد فترة بيحكو إخلاء”، وكانت تتحدث عن أوامر الإخلاء الإسرائيلية المتكررة.
وتشير إلى أن أسرتها كباقي الأسر تنزح هذه المرة، دون أن تملك أي طعام، وتضيف وهي تشير لأطفالها “الأولاد طلعوا من دون أكل”، وقد أشارت إلى أنه بسبب قلة الطعام، لا يستطيع النازحون تحمل مشقة السير في هذه الرحلة الطويلة.
ويشير عبد الرحمن الأسطل، أحد النازحين الجدد، إلى أنه كغيرة من سكان غزة يعاني منذ 19 شهرا، ويضيف “إسرائيل تواصل المجازر، وتجبرنا على النزوح”، ويضيف هذا الرجل الخريج من إحدى الجامعات، وكان يعمل موظفا في إحدى الشركات بحسرة “لماذا يصم العالم آذانه ويغمض عينيه عما نعيشه في غزة”، ويتابع “لماذا لا يعقد مؤتمر دولي عاجل، ولماذا لا يجبر العالم إسرائيل على وقف هذه المجازر وهذه المأساة التي لم يعشها شعب في دول العالم من قبل”.
وشوهدت أسر حملت على العربات التي تجرها الحيوانات جالونات وخزانات مياه، إلى جانب الأمتعة، فيما حملت أخرى معها خيامها التي كانت تقطنها في مناطق سكنها السابقة قبل النزوح الحالي، واضطرت لنزع أوتادها، على أمل أن تجد لها مكانا في منطقة النزوح الجديدة.
وبصعوبة وجد أبو إبراهيم قديح مكانا له لصنع خيمته في منطقة المواصي، بعد أن وضع قطعا من الخشب وأحاطها بقطع من البلاستيك والأقمشة، لتصبح مسكن أسرته الجديد، بعد أن تركت منزلها في المنطقة المهددة بالإخلاء القسري، فيما قال رجل من عائلة الأسطل، إنه يقيم عند أقارب له في المواصي، لحين إيجاد مكان مناسب لوضع خيمته، وقد تحدث لـ “القدس العربي” عن مرارة العيش قبل النزوح الحالي، وقال “ما بالنا اليوم بعد النزوح”، ويشير إلى أنه يقطع مسافة طويلة لتعبئة جالون المياه، فيما يواجه مشكلة أكبر في توفير الطعام لأسرته.
تفشي الأمراض
وتجدر الإشارة إلى أن منطقة مواصي خان يونس، كانت حتى الوصول إلى التهدئة السابقة التي بدأت يوم 19 يناير، وانتهت يوم الثاني من مارس، تعج بالنازحين من مدينة رفح، ومن مناطق أخرى في مدينة غزة وشمال القطاع، وقد عاد أغلب النازحين إلى مناطق سكنهم بعد السماح لهم بذلك وفق بنود التهدئة التي انهارت تماما يوم 18 مارس، بعودة إسرائيل لاستئناف الحرب، ومع صدور أوامر الإخلاء في البداية لمدينة رفح، ومن ثم لمناطق أخرى في القطاع، عاد الازدحام أكثر لمنطقة المواصي، وهي بالأصل مناطق زراعية تفتقر لكل مقومات الحياة.
وتضطر الأسر للسكن في تلك المناطق التي صعدت إسرائيل من استهدافها منذ عودة الحرب، لعدم وجود أي أماكن لهم في مراكز الإيواء التي تؤوي أعدادا أكبر من طاقتها من النازحين، وقال موظف في أحد مراكز “الأونروا” لـ “القدس العربي”، وقد طلب عدم ذكر اسمه، كونه لا يملك تفويضا بالحديث لوسائل الإعلام، إن المكان الذي يعمل فيه، يستوعب حاليا أكثر من سبعة آلاف مواطن، في حين أن طاقته لا تحتمل أكثر من ألفي مواطن، لافتا إلى أن زيادة العدد جاءت بعد استئناف الحرب وتهجير سكان مناطق جديدة، ويؤكد أن منظمته الأممية لم تعد منذ فترة طويلة قادرة على توزيع المساعدات الغذائية على النازحين، وقد أشار إلى مشكلة خطيرة جدا، تتمثل في تفشي الأمراض المعدية والجلدية بين النازحين، بسبب قلة النظافة وارتفاع درجات الحرارة.
وكأنها أهوال يوم القيامة يعيشها شعب فلسطين المحاصر في غزة العزة بالجوع والعطش والمرض والقصف المسعور المتوحش من عصابة الشرذمة الصهيو نازية الفاشية الحقيرة النتنة المدعومة بالسلاح الأمريكي والأوروبي القذر الذي يعربد تقتيلا بالفلسطينيين منذ 1948 ✌️🇵🇸☹️☝️🔥🐒🚀