تُعرَّف القصة الإطار بكونها القصة الأولى التي تتضمن قصة واحدة أو عدة قصص تأتي مؤطرة بها لغايات متعددة وطرق مختلفة حسب النوع السردي، من جهة، أو القصد الذي يرمي إليه الراوي من توظيفها، من جهة أخرى. يمكننا التمييز في القرآن الكريم بين قصتين إطار لكل منهما خصوصيتها وموقعها في الخطاب والنص. أما أولاهما فهي التي أسميناها «قصة الخطاب القرآني»، ورأيناها تتضمن مختلف قصص الأنبياء والرسل، وغيرها من الأنواع السردية التي توظف في القرآن الكريم، أو ما أسميناه «خطاب القصص القرآني».
إذا كانت «قصة الخطاب القرآني» باعتبارها قصة إطارا، تقع تعاقبيا بين زمن البداية (الخلق)، والنهاية (الخلود)، وكان «خطاب القصص القرآني» يتضمن قصص الأنبياء والرسل تزامنيا، أي أنه يتصل بحياة النبي أو الرسول، وينتهي بالعقاب الذي حل بالأقوام الذين بعثوا إليهم، نجد أنفسنا أمام قصة إطار أخرى هي قصة بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. تتحدد هذه القصة نصيا بين زمن بداية: «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، وتنتهي بقوله تعالى حكاية عن النبي: «اليوم أكملت لكم دينكم»، أي أنها تتصل بقصة الرسول مع قومه ومع البشرية جمعاء لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين. وتبعا لذلك نرى أن كل قصص القرآن الكريم (قصة الخطاب القرآني، وخطاب القصص القرآني) متضمنة ضمن قصة البعثة النبوية المحمدية.
يبدو لنا ذلك بجلاء في كون هذه القصة الإطار الثانية تتحدد، من جهة أولى، من خلال ما وقع للرسول (ص)، وهو يقوم بإبلاغ الرسالة، وما عاناه في البداية من صعوبات، وما حققه مع الزمن من نجاحات في أداء الرسالة، وهو ما يمكننا إدراجه في نطاق: «عالم الشهادة». وضمن هذا العالم يتم، من جهة ثانية، سرد كل القصص التي أشرنا إليها (قصة الخطاب القرآني، وخطاب القصص القرآني) لكونها تدخل في إطار «عالم الغيب»: «تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا. فاصبر إن العاقبة للمتقين» (هود، 49).
يكمن التعامل مع قصة بعثة الرسول (ص) بصفتها قصة إطارا في أنه لولا هذه البعثة لما نزل القرآن الكريم، من جهة، ولما كان بإمكاننا معرفة ما تضمن من قصة الخطاب القرآني، أو خطاب القصص القرآني، من جهة أخرى. ويتأكد لنا ذلك من خلال معاينة العلاقة بين كل القصص المضمنة، وصلتها بالقصة الإطار. فهي مترابطة فيما بينها، وتؤدي الغاية نفسها، ولكن بطريقة مختلفة عما نجده في العهدين القديم والجديد، وفي كل الكتب، والمرويات التي تعتمدها مختلف الأمم والشعوب حول علاقتها بالله أيا كانت الصفة التي تعطى له، أو ترمز إليه، وسواء كان واحدا أو متعددا.
إن ما جعلنا نعتبر قصة البعثة النبوية قصة إطارا ثانية، مثلها في ذلك مثل القصة الإطار الأولى (قصة الخطاب القرآني) علاوة على ما وقفنا عليه نجده كامنا في أن قصة البعثة النبوية هي في آن واحد ذات بعد تزامني (حياة الرسول مع قومه)، وفي الوقت نفسه تعاقبية تمتد إلى نهاية العالم لأنه لا قصة بعد قصته لنبي سيأتي ليعلم الناس أمور دينهم، أو ليبين لهم سبيل الهدى، ويجعلهم قادرين على التصدي لأحابيل الشيطان وإغراءاته. فآية «اليوم أكملت لكم دينكم» توازيها: «من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر».
إذا كان زمن بداية «قصة الخطاب القرآني» متصلا بالخلق فإننا نعتبر قصة البعثة النبوية بمثابة «خلق جديد» للإنسان، لسبب بسيط هو أن خلق الإنسان، بصورة خاصة، ارتبط في القرآن الكريم بـ»التعليم»: «وعلم آدم الأسماء كلها» (البقرة، 31)، و»اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم» (العلق، 5). وليست البعثة النبوية، باعتبارها تبليغا للرسالة الأخيرة، سوى التعليم الإلهي الأخير للإنسان الذي بمقتضاه يحاسب يوم القيامة. ولذلك رأينا أن زمن قصة الرسول، رغم وفاته، ممتد إلى نهاية العالم، مثله في ذلك مثل نهاية زمن قصة الخطاب القرآني. وهي إلى جانب ذلك بمثابة تركيب وتذكير بقصص مختلف الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله إلى أقوامهم، لأسباب عديدة يتصل بعضها بالتوجه المباشر إلى الرسول (ص) لضرب المثل عمن سبقوه، وما عانوه، وكيف تصرفوا، أي بكلمة لتقديم تجارب سابقة مماثلة، أو للتنبيه إلى ما طرأ من انحرافات لدى من بعث الله إليهم رسلا، فغيروا في الرسالات، وابتعدوا عما أبلغه إياهم رسلهم، وخاصة أهل الكتاب، أو لضرب المثل أو للإخبار عما طرأ لأمم غابرة مما يمكن تناوله في تحليل طبيعة السرد القرآني ووظائفه، وخاصة ما اتصل منه بالرسل والأنبياء. نجد كل ذلك في مثل هذه الآيات: «ويسألونك عن ذي القرنين؟ قل سأتلو عليكم منه ذكرا» (الكهف، 83)، أو «أم حسبتَ أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا؟» (الكهف، 9)…
إننا من القصة الإطار الأولى (قصة الخطاب القرآني)، وما تتضمنه من «خطاب القصص القرآني» إلى القصة الإطار الثانية، وما تقدمه لنا من عالم شهادة الرسول (ص)، وما تتضمنه من قصص (عالم الغيب)، ننتقل من القصة والخطاب إلى النص كما نراهما من خلال القرآن الكريم. لقد جاءت القصة الإطار الثانية في علاقتها بالقصص المضمنة لتكون النص الأخير: «إن هذا لهو القَصَص الحق. وما من إله إلا الله. وإن الله لهو العزيز الحكيم» (آل عمران، 62).
ما أسماه الكاتب قصة الخطاب القرآني وخطاب القصص القرآني، وبالطريقة التي قارب بها هذا النص الإلهي لا تجدي نفعا في فهم الظاهرة القرآنية بتاتا. إنه كمن يقطع طعاما غير طازج ويقدمه للناس. النص القرآن الكريم يحتاج إلى بعد روحي في مقاربته لا تملك المناهج النقدية الحديثة إمكانيته؛ لذلك تفقد المنهجية قدرتها على فهم الموضوع، ويفتقد الموضوع إلى قارئ يفقه روحيته التي أنزل بها. ولهذا أشاد المولى تبارك وتعالى بهؤلاء حين قال: “الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد”.
السلام عليكم أخي سعيد: عندما تكون “الدراسة قيد التطور” فما تنتجه سيكون عملا غير ناضج أيضا، وإلى متى سيظل الراغب في فهم كلام الله منتظرا؟ عموما التفاسير التي “كتب لها القبول” معمدة كليا في ذلك البعد، حتى التي تبحث في المفردات والتي طبعت على هامش المصحف لا تخلو من حلاوة وطلاوة. وآليات المنهج النقدي الحديث غربية الطابع والروح، وليس بإمكانها أن تقارب النص القرآني، لسببين: أن واضعيها لا يؤمنون أصلا بقول إله فضلا عن الإيمان بالإله نفسه، وثانيا أن كتب التفسير عندنا نبعت من إيمان راسخ لدى أصحابها بصحة المنزل، وانبنت مناهجها على فكرة الإعجاز التي حاولت أن تطاول أسرارها.
تحياتي. شكرا على ملاحظتك. البعد الروحي الذي ركزت عليه لا يتأتى إلا بفهم الكلمة، والآية، والسورة، وكل النص. والدراسة قيد التطور، ولا يمكن الحكم إلا على ما ينجز. حسب تصورك لا فائدة من كتب التفسير التي شرحت المفردات، وفهرست الموضوعات، وقامت بإحصاءات، وأعربت الجمل. كلها لا علاقة لها بالبعد الروحي. ولكن بدونها لا يمكن الوضول إليه. اعتماد مناهج جديدة استكناه لخصوصية النص القرآني واستكشاف لجوانب لا يمكن الحصول عليها إلا بها إذا استعملت بطريقة ملائمة. تقديري.
شكراً أستاذ سعيد، كفيت ووفيت.
شكراً للكاتب الكريم على مجهوده القيم
من وجهة نظري السؤال الذي غاب عنك يا (د سعيد يقطين)، ما الفرق بين الحكمة والفلسفة عند تدوين أي قصة/نص/شعر/مسرح عمل أو مُنتَج إلى فريق عرض فني، لتكوين (الإيرادات) أو (خلق إقتصاد) مدينة/دولة، والفرق بين أسلوب تعامل أساسه الصراع/الحرب وبين أسلوب تعامل أساسه التنافس/التدافع داخل أي (سوق) في أي نظام للأمم المتحدة، أو خارجه على أرض الواقع في أي مكان من الكرة الأرضية؟!
لتغيير زاوية الرؤية في عنوان (القصة الإطار في القرآن الكريم) https://www.alquds.co.uk/?p=3486620
بمعنى آخر هل مفهوم Multiple Business WIVES في مختلف أرجاء العالم (ضد الحداثة)
https://youtu.be/vZxNLhk3fek?si=mi4a3CkQqwLW_10z
كما عنونته DW أعلاه🫵👆🪃
وهل تعلم أن (لغة القرآن وإسلام الشهادتين) هي الوحيدة، التي سمحت بأعلى عدد 4،
بينما في أي (كيبوتس) ثقافة/تعامل لغوي/قاموسي تعريفي آخر، لا حد أعلى أو أقل هناك، للعلم.🙉🙈🙊🤭🤣🫣🪃👆🫵
بمعنى آخر نموذج (إقتصاد الكيبوتس)، يا (د عبدالحميد صيام)، أساس المشكلة،
بمعنى آخر (گوترة) طريقة قبول عضوية (الكيان الصهيوني) أو قبول (عملك أنت) في نظام الأمم المتحدة أو جريدة القدس العربي، البريطانية من الأساس،
الخلل بسبب الشفاعة والمحسوبية أو الواسطة أي رشوة (المال السياسي)، وليس توفر شروط العضوية/العمل حتى الآن، بالنسبة إلى دولة (الكيان الصهيوني) أصلاً، حيث لا دستور، ولا تعريف لأي حدود إلى (الدولة/العضو)،
لو أردت (حل) يؤدي إلى رفع (الظلم) الذي تم (طرح تفاصيله) تحت عنوان (منسق الشؤون الإنسانية لمجلس الأمن: إسرائيل تفرض عمدا وبلا خجل ظروفا لا إنسانية على المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة) https://www.alquds.co.uk/?p=3486817
الحمدلله، تم تدوين (الأرشيف العثماني) في الدولة التي تم تقسيمها لتكوين كيانات سايكس وبيكو، ومن ثم نظام الأمم المتحدة، لمن يُريد مستمسك (قانوني)، من خلال أتمتة AI أو خدمات الدولة بشكل آلي، أو عدم تحيّز، كبداية إلى رفع (الظلم) في عام 2025،
خصوصاً بعد خطاب (دونالد ترامب V2.0) لرفع الحصار على (سوريا) ووساطته لإيقاف (الحرب) بين الهند وباكستان بخصوص (كشمير)،
اتفق كليا مع المعلق عزالدين في استحضار الجانب الروحي للنص القرآني
الجانب الروحي لا يتأتى إلا لمن يقرأ القرآن الكريم وهو مؤمن به، هناك الكثير الكثير ممن أُغرموا بالقرآن الكريم وهم غير مسلمين أصلاً.
لا أرى بان القرآن نصَا قصصيًا، مثل ألف ليلة وليلة حتى نقول باحتوائه قصصَا اطارية، أو أنه يؤطر قصصًا فنية بالمفهوم الحديث لقصة الإطار. إنه خطاب يقدم معلومات وأخبار ونواه وأوامر وإرشادات وحكايات لأهداف دينية بحتة.