القضية الفلسطينية ودواعي تحويلها لقضية عالمية

حجم الخط
1

الناظر المتمعن بالحالة المزرية للقضية الفلسطينية، عليه العودة الفورية إلى الوراء المفعم بكثير من الفشل والخذلان العلني والصريح، منطلقاً من الحاضر المأساوي المؤلم بكل تداعياته على الإنسان الفلسطيني خاصة والعربي عامة، فبمقدورنا بسهولة أن نتبين هذا الكم الهائل من التقهقر العملي للقضية على الصعيدين السياسي والاقتصادي معاً، إن لم يكن الاجتماعي كذلك، الذي بدوره أنهك جميع القوة المعنية من الشعب خارج وداخل فلسطين على السواء .
وما حدث أخيراً بتاريخ 23/9/2013 داخل المسجد الأقصى الشريف، عندما قام أحد المتطرفين اليهود الحاخام فوي، بإدخال مجموعة من ثمار عيد العرش التوراتي إلى داخل الحرم الشريف، وقيامه بجولته التوراتية عنوة وانتهاكه لحرمة المكان المقدس الخاص بالمسلمين وحدهم، وإخراجه هذه الثمار وتأديته لصلاة الصبح هناك علناً ونشر هذا كله على صفحات الكترونية لكبار الحاخامات، لحثهم على القيام بنفس العمل الذي قام به وتشجيعهم على تلك الفعلة غير الأخلاقية وغير الدينية.
لذلك يعد هذا التطور السلبي الأخير لمجريات غير مسبوقة من نوعها داخل حرم المسجد الأقصى، الخطورة بحد ذاتها، على مستقبل هذه البقعة المقدسة لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم، كما يؤكد الرغبة في استمرار سيناريو الاقتحامات والتدنيس المتعمد من قبل متطرفين يهود بدعم من الحركة الاسرائيلية وجيشها المحتل، هذه كلها تتزامن وتتكاتف مع سياسة التهويد المعلنة وغير المعلنة للأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات يومياً، وفي المقابل هدم منازل الفلسطينيين القديمة، واستيلاؤهم على المزارع من سكانها الأصليين في وضح النهار وتجريفهم لأشجار الزيتون المغروسة في الارض منذ آلاف السنين، وكل ذلك بالتحجج بأعذار واهية كمخالفة المباني لقوانين البناء مثلاً، أو إجبار الفلسطينيين أنفسهم على هدم بيوتهم حتى لا يدفعوا ضرائب الملكية الباهظة والمقررة من قبل السلطات الاسرائيلية، وغير ذلك الكثير من الأفعال غير المقبولة منطقياً ولا إنسانياً.
إنه الظلم الكبير الذي يحدث على مرأى ومسمع من العالم المفعم بمنظماته الإنسانية وحقوق البشر المطحونين صباح مساء. فلو كان هناك تكاتف دولي أكبر ومساندة فعلية لما يحدث على أرض فلسطين لما حدث ما حدث ولما تجرأ أحد على النيل من القضية الفلسطينية والأراضي المقدسة.
لذا فان هذا الاهمال المتعمد أو غير المتعمد للقضية الفلسطينية وما يترتب على المشكلة التي يحياها شعب بأكمله كل يوم من خطورة، مع عدم اهتمام باد وواضح من قياداته المنقسمة على نفسها والمتعثرة في إجراء أية مفاوضات سلمية فعالة وجدية مع الطرف الاسرائيلي، طرف الصراع العنيد الرافض لفكرة السلام، أو أية حلول تلغي هذا السلوك الانعزالي الضيق للقضية، والذي أخذنا إلى أبعد حدوده، وجعل الصراع مشكلة معلقة بين السماء والأرض لا حلول لها على أرض الواقع .
لذا فإن الالتزام الفكري يحتم علينا وجوب طرح سؤال مهم وجدي، يتعلق بمصير شعب كامل في طريقه إلى الانقراض أو الذوبان وهو، لماذا لا تكون القضية الفلسطينية قضية عالمية؟ قضية تتحول رسمياً تحت أية مسمى آخر إلى قضية أخرى تخص العالم من مسيحيين ومسلمين ويهود شرفاء، وحتى علمانيين يسعون إلى إقامة السلام والكف عن الحروب وإراقة الدماء؟
من المؤكد أولاً ومن الواضح جغرافياً وتاريخياً تأثير موقع فلسطين العالمي على خارطة العالم، هذه الحقيقة مثلاً عليها أن تكون نقطة انطلاق للعالمية وترسيخها على أرض الواقع ورسم ملامحها وجذورها عند المنطق العالمي السليم، فمثلاً في كتاب ‘فلسطين في خمسة قرون’ للكاتب الفلسطيني خليل عثامنة، يومئ ويشير بفكرة وجود قبائل وشعوب كانت تقيم على أرض فلسطين منذ ما قبل الألفية الثانية قبل الميلاد لسيدنا المسيح ‘عليه السلام’، وذلك قبل أن يتبلور مصطلح العرب وتوجد القبائل العربية المعروفة بوجودها الآن تاريخياً على هذه الأرض.
وهذه المعلومة تعطينا فكرة أن أرض فلسطين كانت ملك الجميع، لذا تخصيص ان أرض فلسطين كانت للفلسطينيين فقط فكرة ليست حقيقية، وتحويلها إلى قضية عالمية هي فكرة من الواجب علينا غرسها، كل ذلك هدفه تطوير وتفعيل القضية على الساحة الدولية، وجعلها قضية لا تغيب عن أعين العالم، مع مراقبة دولية ودورية حرصا على بقائها وبقاء المدافعين عنها وحمايتهم واتخاذ كل الإجراءات القانونية لكل من يعتدي على حرمة المقدسات الدينية على تنوعها، ومنع مزيد من العنف وإراقة الدماء من أجل فكرٍ أرعن عنصري غير مقدر لعواقب الأمور.
قد يقول قائل ان ما كتب الآن ما هو إلا محاولات يائسة لا تسمن ولا تغني من جوع، وكلام لا يُعمل به أبداً على أرض هذا الواقع الانحيازي الغريب. لكنني اعتبر أن هذه الرؤية المطروحة، وهي تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية عالمية قائمة لا محالة، لأنه بمجرد إشاعة الفكرة بين الأوساط المثقفة أولاً والأوساط المتعلمة ثانياً والناس الشرفاء والعاديين الحريصين على السلام ثالثاً، سيجعل من الأمر مقبولا عالمياً شيئاً فشيئاً إلى أن تسن القوانين الكافلة لها والمدافعة عنها.
هل نسينا ما قامت به دولة اسرائيل من سن القوانين ضد من يعادي الفكر السامي ويتفوه بطريقة جارحة للشعور ومؤذية لشعب يهودي عانى من محرقة النازي هتلر والتعويضات المادية التي ما زالت تجنيها من وراء هذه ذلك؟ هذا القانون من المؤكد أنه بدأ بفكرة من أناس همهم الأوحد والأكبر هو شعبهم، رافقها تحسين العلاقات بين الطوائف اليهودية والطوائف البروتستانتية في القرن العشرين، والعمل الدؤوب ليلاً ونهاراً، وكيف توج هذا بنشوء الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة ودعمها الكامل والقوي لقيام دولة اسرائيلية لأسباب دينية بحتة، فأصبحوا اسرائيليين أكثر من الاسرائيليين أنفسهم، حتى أنه في عام 1993 ولأول مرة في التاريخ تم التمثيل الدبلوماسي بين الفاتيكان وبين دولة اسرائيل، تلتها زيارة البابا يوحنا السادس إلى اسرائيل وزيارته لمدينة القدس.
إذاً الرؤية الكبرى غير مستحيلة وممكنة، فمن الملاحظ أننا نحتاج إلى سياسة فكرية عملية موحدة منسجمة مع ما يدور الآن، لأن السياسة الدولية في حل مشكلة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي أصبحت متعثرة، إن لم تكن فاشلة وغير قادرة على تحقيق هذا التكاتف والاتحاد الفعلي بين الأديان السماوية الثلاثة، والذي يريح معه ذلك الشعب الفلسطيني بجميع مذاهبه الذي يعاني يومياً من صنوف القهر والعدوان، وحتى الشعب الاسرائيلي نفسه يتمنى العيش بهدوء وسلام أكثر وأفضل مما هو عليه الآن.
والمضحك المبكي أن الدعوة إلى هذه الفكرة بجدية ومثابرة لا يتقبل على أرض الواقع بسبب الانقسام الفلسطيني الفلسطيني بين فتح وحماس، وانعدام التوحد والانسجام بين أفراد القضية الواحدة الذين هم الخطوة الأولى لولوج فكرة العالمية لقضيتهم إلى عقول الآخرين وأفئدتهم، وهذا ما فعله الزعيم الافريقي العظيم السابق نيلسون مانديلا، عندما وحد بلاده أولاً وانطلق بعدها إلى العالم وأفهمهم بخطورة العنصرية ووجودها بين السود والبيض وضرورة عيشهم كبشر في سلام واطمئنان، والتخلي أيضاً عن فكرة المؤامرة من الآخرين وإلقاء اللوم على أطراف النزاع، وتذكر الماضي الأليم بصورة مفزعة وتذكر عثراته. والنظر إلى المصلحة العامة للشعب الواحد وتحقيق مفهوم القوة النزوعية عند الفيلسوف الإسلامي أبو نصر الفارابي في كتابه ‘آراء أهل المدينة الفاضلة’، تلك القوة المبنية على الإرادة والنزوع معه إلى علم من شيء ما، وقد يكون إلى عمل شيء ما، وكل ذلك من أجل نشر وتبني فكرة ما تعم فائدتها جميع الطوائف الإنسانية ألا وهي ‘تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية عالمية ‘.
كاتبة فلسطينية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Abeer Jobran:

    مبدعة ورائعة بنت بلدي فيك وفي اللي متل تفكيرك بنكبر

اشترك في قائمتنا البريدية