القطاع الزراعي يدفع ضريبة دوامة العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان

عبد معروف
حجم الخط
0

في زمن الحرب ومواجهة الاحتلال، تصبح العلاقة بالأرض فعل مقاومة له بعد وطني، وليس عقارا تمتلكه بسند، أو استثمارا يمكن المتاجرة به إذا ما حقق ربحا ووافرا من المال.
وأكثر من يقدس الأرض هم الفلاحون، فهم يحرثونها ويحرسونها ويزرعون فيها الخير لتنبت لهم رزقا فيه كفاف الأيام، يسقونها لترتوي لترد لهم الخير أضعافا.. هكذا أصبحت علاقة الفلاح والمزارع اللبناني في جنوب لبنان بأرضه ومزروعاته.
ففي قلب السهول والحقول والمناطق الزراعية جنوب لبنان، يتجلى صمود المزارعين وتفانيهم في وجه التحديات الجسيمة التي تعصف بهم، حيث تشكل المواجهات الدائرة في المنطقة، وخاصة القصف الإسرائيلي ونزوح السكان، تحدياً لا مثيل له لاستمرارية الحياة الزراعية.
ويتعرض المزارعون في جنوب لبنان لعمليات ترهيب من قبل الجيش الإسرائيلي، وتكررت تلك العمليات الإرهابية مرارا في يارين ورامية والعديسة وعيثا الشعب وعلما الشعب وسهل الماري والمجيدية وحلتا وراشيا الفخار ومرجعيون والخيام والوزاني وسردة وغيرها من السهول والبلدات الجنوبية.
ويقول المزارع علي النعيم «تعرض القطاع الزراعي لخسائر كبيرة نتيجة المواجهات الدائرة على الحدود الجنوبية بين حزب الله وإسرائيل منذ الثامن من أكتوبر الماضي، وأدى القصف الإسرائيلي المركز الذي طاول 55 بلدة إلى إحراق مساحات شاسعة من الغابات، وإلى القضاء على آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية التي تشتمل على زراعات متنوعة، إضافة إلى نفوق أعداد كبيرة من الماشية والطيور، وتضرر خيم زراعية وتدمير كلي لمستودعات أعلاف».
يعتبر القطاع الزراعي من أهم القطاعات في لبنان، ويشكل ركنا أساسيا ومصدر دخل لحوالي70 في المئة من سكان جنوب لبنان. وسترخي الأضرار التي أصابت هذا القطاع جراء الاعتداءات الإسرائيلية العنيفة تداعياتها على الزراعة وعلى الإنتاج الحيواني والثروة الحيوانية.
وأشار النعيم لـ«القدس العربي» إلى أن القصف الإسرائيلي، لاسيما على القرى والبلدات الملاصقة للخط الأزرق الحدودي أدى إلى نزوح السكان إلى مناطق أكثر أمانا، وشهد تدميرا كاملا للمحاصيل الزراعية التي تعتبر مصدرا رئيسيا للعديد من الأسر بعد توقف المزارعين عن الذهاب إلى حقولهم وطرح محاصيلهم في الأسواق الداخلية.
ويلجأ الجيش الإسرائيلي في كل حرب يشنها على لبنان إلى استخدام أسلحة محرمة دوليا، وذكرت إحصاءات لوزارة الزراعة اللبنانية الاعتداءات الإسرائيلية بالفوسفور الأبيض على الأراضي اللبنانية والتي أدت إلى نشوب حرائق منذ الثامن من أكتوبر العام الماضي. وبينت تلك الإحصاءات أن عدد الحرائق الناتجة عن الاستهداف بالفوسفور الأبيض بلغت 700 بين حرائق صغيرة وكبيرة، وبلغت مساحة الأراضي المحروقة بالكامل أكثر من 2500 دونم، وأفادت الإحصاءات بأن مساحة الأراضي المتضررة وهي عبارة عن أراض حرجية وزراعية وصلت إلى6000 دونم، والأشجار المستهدفة هي زيتون، صنوبر وسنديان. كما بلغت نسبة الأضرار بالمناطق الحرجية التي تحتوي على أشجار السنديان والملول والغار 55 في المئة، وأشجار زراعية وحمضيات 35 في المئة، وأعشاب 10 في المئة.
ولم يتمكن المزارعون في العديد من القرى والبلدات في جنوب لبنان من قطاف موسم الصعتر من الأودية والتلال المحيطة ببلداتهم وصولا إلى نهر الليطاني بسبب القصف والغارات الإسرائيلية المتواصلة منذ 8 أشهر على الجنوب. وعمل عدد من المواطنين على قطاف الصعتر المزروع قرب بيوتهم للمونة والتقطير، ما أدى إلى ارتفاع سعر كيلو الصعتر المخلوط بالسماق والسمسم إلى 30 دولارا، أما كيلو الصعتر فقط فيباع بـ 15 دولارا.
يقول محسن جابر من يحمر: «كنا سنويا زوجتي، أولادي وأنا نجول في الأودية وصولا إلى نهر الليطاني ونتموّن صعترًا لكن بسبب العدوان الإسرائيلي لم نجازف هذه السنة نظرا لخطورة الوضع لذلك أقدمنا على شراء حاجتنا. إن عدم قطاف الصعتر أدى إلى ارتفاع سعره بشكل لم يسبق له مثيل والناس لا تخاطر في زيارة الأودية والتلال لقطاف الموسم ومعظمهم اشتروه لإعداد مونتهم الشتوية. كنا ونحن نقطف الزعتر نقطف العيزقان أيضًا، الذي يستخدمه المسلمون والمسيحيون للتبخير وتصنع منه الأدوية بع دما يصدر مع الزعتر إلى الأردن، نتمنى ان ينتهي العدوان لنعود ونزرع أرضنا بالتبغ حيث حرمنا هذه السنة من زراعتها بالتبغ وبقيت بورا بسبب الخوف من القصف الإسرائيلي الذي يستهدف كل شيء يتحرك في محيط البلدات الجنوبية ولسنا مستعدين للموت مقابل زراعة التبغ أو قطف الصعتر والعيزقان، مع الإشارة أمام هذا الوضع إلى أن الصعتر السوري غزا أسواقنا بسعره أقل من سعره عندنا. انها حال صعبة ونحن ملتصقون بالأرض ونعيش من خيراتها لكن العدوان كبل أيدينا وجعلنا نبقى في بلدتنا ولا نتركها لأن الرزق يعادل الروح ونطالب الدولة بالتعويض على الخسائر التي أصبنا بها في الزراعة جراء العدوان الإسرائيلي».
بدورها، قالت سمر الحاج حسن: «كنا نقطف 50 كيلوغرامًا من الصعتر سنويًا من السهول والأودية، وهذا العام وبسبب العدوان الإسرائيلي لم نستطع ان نقطف الصعتر من محيط ارنون ويحمر حيث القصف الإسرائيلي الذي حرمنا الصعتر والزراعة وحرمنا التجول على ضفاف نهر الليطاني الغني بالخيرات الطبيعية ومصدر رزق للعديد من الأهالي، حيث كنا نزرع البندورة والخيار، اليوم توقف كل ذلك بسبب العدوان الإسرائيلي ومخاطر مجازفتنا التجول في الحقول والبراري والأودية».
في بلدة دير سريان الحدودية يجتمع عدد من أهالي البلدة في عمل تعاوني لزراعة أراضيهم على الرغم من المسيرات الإسرائيلية التي تكاد لا تفارق سماء البلدة، ويعوّل الجميع على حصاد الموسم الذي يبدأ في تموز/يوليو المقبل.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، يبقى المزارعون متمسكين بأرضهم ومصممين على مواصلة العمل بكل إصرار، وزراعة «الشتلة المرّة» أي التبغ الذي يعكس تراثهم وصمودهم، في كل قطعة أرض يروونها بعرقهم وبعناية فائقة.
تتمنى المزارعة اللبنانية مريم إبراهيم أن «تقدّر الدولة اللبنانية العمل والكفاح الذي نقوم به، لأننا نعمل تحت القصف ونتحمل العواصف وغيرها من العوامل، شتلة التبغ رمز الصمود لأهل جنوب جنوب لبنان، هذه الشتلة مرّة ولكننا نعمل بها من أجل العيش». ويشير تقرير الأمم المتحدة «UNDP» إن التدمير الكلّي شمل الآتي: 60 خيمة زراعية، 600 متر مربع من مستودعات الأعلاف، إحراق 285 ألف متر مربع من بساتين الزيتون والموز والحمضيات بالفوسفور الأبيض، ودمار نحو 250 قفير نحل، و700 رأس ماشية. كما تبيّن أنه قضي على المحاصيل الموسمية في بعض مناطق الجنوب بسبب تزامن توقيت بدء المعركة في اكتوبر مع موسم قطاف الزيتون والخروب، ثم مع موسم قطاف العسل. وفي هذه الفترة أيضاً، انكفأ المزارعون عن تحضير أراضيهم لزراعة القمح والحبوب، ما سيؤدّي إلى خسارة الأسر التي تعتمد على الزراعة دخلها السنوي بشكل كامل. علاوة على ذلك، تأثّرت سلاسل التوريد الزراعية بالحرب بشكل واسع النطاق، ولا سيّما الإنتاج الحيواني من أبقار وماعز، ومصانع منتجات الحليب.
ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تضررت في جنوب لبنان، جراء الحرائق الناجمة عن استخدام الجيش الإسرائيلي للقذائف الفوسفورية المحرمة دولياً، كما أن القصف والغارات الجوية منعت المزارعين من قطف ثمار حقولهم، ليدفع القطاع الزراعي ضريبة دوامة العدوان الإسرائيلي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية