غزة- “القدس العربي”:
تنظر القيادة الفلسطينية بريبة شديدة تجاه المخطط المطروح حاليا، والمعنون بـ“اليوم التالي للحرب”، والمطروح من عدة أطراف بينها إسرائيل، كونه يبعد أي دور فلسطيني حقيقي عن إدارة قطاع غزة، ويمنع التواصل السياسي ما بين الضفة الغربية والقطاع، ويعيق الجهود والتطلعات السياسية الفلسطينية لإقامة دولة مستقلة على حدود العام 1967.
وحسب المعلومات التي وصلت “القدس العربي”، فإن مناقشات عدة أجريت مؤخرا في أروقة السلطة الفلسطينية، ناقشت سبل التصدي لهذه الخطة الثلاثية التي وضعتها الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل، والتي كتبت بنودها وأجريت المشاورات حولها دون علم الجانب الفلسطيني.
الخطة لم تعرض رسميا على القيادة الفلسطينية، ولم تستشر بأي من بنودها ولا خلال النقاش الذي جرى حولها من الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل
وخلال الاجتماع الأخير للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الذي عقد في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، وترأسه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، جرى استعراض المشاكل السياسية الحالية التي تواجه الفلسطينيين، وفي مقدمتها خطة “اليوم التالي للحرب”، إضافة إلى الهجوم الإسرائيلي على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، والهادف إلى شطبها وإنهاء دورها بالكامل، حيث يخشى مسؤولون في القيادة الفلسطينية، أن يكون هناك ترابط بين الملفين، خاصة وأن إدارة القطاع حسب الخطة المقترحة لليوم التالي، تشمل تشكيل هيئة إدارة تتكفل بمتابعة الأمور في غزة، بما في ذلك الإشراف على توزيع المساعدات والإغاثة وكذلك الإعمار، دون ذكر أي دور لـ”الأونروا”.
ولذلك، فقد ركّز بيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في ختام اجتماعها على دور “الأونروا”، ورفض كل المحاولات الإسرائيلية لشطبها أو إلغاء دورها، كما أعلن عن إقرار خطة عمل لمواجهة والتصدي لإجراءات الاحتلال الهادفة للنيل من “الأونروا”.
أحد المسؤولين الفلسطينيين قال لـ”القدس العربي”، وطلب عدم ذكر اسمه، إن الخطة لم تعرض رسميا على القيادة الفلسطينية، ولم تستشر بأي من بنودها ولا خلال النقاش الذي جرى حولها من الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل، غير أن خطوطها العريضة وصلت للجانب الفلسطيني عبر أطراف أخرى.
يشير هذا المسؤول إلى أن ما يطرح، يتضمن دورا شرفيا فقط للجانب الفلسطيني في قطاع غزة، دون أي دور حقيقي في الإدارة الفعلية التي ستوكل للجنة يجري تشكيلها بموافقات الجهات الثلاث التي وضعت هذه الخطة، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة على التوجه السياسي القادم الذي يخطط من أجل تمريره على الفلسطينيين، بحيث يجري قطع التواصل السياسي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لوأد التحرك السياسي الكبير الهادف لإقامة دولة مستقلة.
ولذلك والحديث للمسؤول الفلسطيني، جرى توجيه عدة رسائل من القيادة الفلسطينية لأطراف مؤثرة في المنطقة ودور عربية محورية، وإلى جهات دولية وإلى الإدارة الأمريكية، تعلن فيها رفض الخطة.
ما يطرح بشأن الخطة يتضمن دورا شرفيا فقط للجانب الفلسطيني في قطاع غزة، دون أي دور حقيقي في الإدارة الفعلية
وحسب المعلومات المتوفرة، فإن الحديث عن هذه الخطة التي بدت جاهزة حاليا، وتحدث عنها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الاجتماع الذي عقد الثلاثاء بينهما، كان قد بدأ قبل أكثر من ستة أشهر، وجرت جوله نقاشات عدة بين الأطراف الثلاثة، والتي حاولت إشراك جهات إقليمية أخرى، دون أن تنجح في ذلك، وهو ما خلق حالة خلاف حاد بين القيادة الفلسطينية والإماراتية، وقد تجلى ذلك في المشادة التي حصلت لقاء بعض وزراء الخارجية العرب في العاصمة السعودية الرياض مع بلينكن، ما بين حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد.
ويدور الحديث أن الرفض الفلسطيني لهذه الخطة، نُقل رسميا إلى مساعد وزير الخارجية الأمريكي، خلال اجتماع عقد في رام الله مؤخرا.
وفق ما يجري تناقله حاليا، فإن الخطة الإماراتية تشمل إيكال مهمة الإشراف على إعمار غزة إلى الإمارات، بإشراف دولي، مع وجود قوات دولية وعربية، توكل لها مهمة حفظ الأمن، دون أي مشاركة لأجهزة الأمن الفلسطينية.
وتطلب الإمارات قبل أن تبدأ مرحلة إشراك السلطة الفلسطينية لاحقا في إدارة غزة، أن تجري السلطة إصلاحات في الهيكل الوظيفي، تشمل تشكيل حكومة من المستقلين بقيادة شخصية تلاقي قبولا من أطراف الخطة، ومن ثم يجري تشكيل لجنة تختص بإدارة قطاع غزة، تكون مرجعيتها في التوجيه عدة دول في مقدمتها الإمارات وأمريكا، بما يعني أن دور السلطة سيكون شكليا حتى في مسألة الإشراف على هذه اللجنة التي ستوكل لها لاحقا إدارة القطاع.
وتنص الخطة على أن يتم تشكل اللجنة الخاصة بغزة من فلسطينيين، وتكون مسؤولة عن الإدارة اليومية للقطاع، وإعادة تأهيل الاقتصاد، والخدمات الاجتماعية، والمؤسسات الحكومية، على أن يتم بشكل تدريجي لاحق إيجاد دور وحضور للسلطة الفلسطينية.
كما تشمل الخطة، قيام السلطة الفلسطينية بتوجيه طلب إلى المجتمع الدولي، لإرسال قوات أمنية إلى غزة، توكل لها مهمة حفظ الأمن بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، ليكون الأمر قد جاء بشكل رسمي وعبر النظام المعمول به دوليا.
ولا تسعى الخطة إلى إبرام اتفاق جديد مع إسرائيل، لكنها ستضمن الامتثال للترتيبات الأمنية والاقتصادية القائمة (مثل بروتوكول باريس)، على أن يتم معالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية دون الحاجة إلى إعادة التفاوض.
وتتضمن جدولا زمنيا للخطوات الأولية، يشمل إصدار مرسوم رئاسي لتشكيل حكومة جديدة للسلطة الفلسطينية وإنشاء لجنة غزة، على أن يتم تعيين رئيس وزراء جديد للإشراف على الضفة الغربية وغزة، ولتأسيس والإشراف على لجنة غزة.
جدير ذكره أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قال في ختام زيارته لدولة الاحتلال الأربعاء، إن الإدارة الأمريكية تعمل على التوصل إلى تفاهمات واضحة بخصوص الحكم والأمن في غزة، وقال: “لدينا خطط واضحة بشأن المستقبل في القطاع بعد الحرب”.
الخطة تشمل إيكال مهمة الإشراف على إعمار غزة إلى الإمارات، بإشراف دولي، مع وجود قوات دولية وعربية، توكل لها مهمة حفظ الأمن، دون أي مشاركة لأجهزة الأمن الفلسطينية
وأضاف: “حان الوقت كي تحول إسرائيل النجاح العسكري إلى إستراتيجي”، وقال أيضا: “يتعين وجود خطط ملموسة للمضي قدما في غزة بعد الحرب”.
ومن أجل قطع الطريق على هذه الخطة، والحديث للمسؤول الفلسطيني، سارعت الحكومة الفلسطينية مؤخرا لتشكيل لجنة حكومية للإشراف على مهمة إعمار وإغاثة قطاع غزة.
كما جرى بحث الخطة الإماراتية مؤخرا خلال اجتماع وفدي فتح وحماس، حيث لم تنل تلك موافقة أي من الطرفين.
كانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها حركة فتح، قالت في بيان أصدرته سابقا، مع بداية الحديث عن هذه الخطة، إن ما يجري من محاولات للحديث عن ما يسمى “اليوم التالي”، إنما تسعى لتحقيق هدفين رئيسيين أولهما فصل قطاع غزة، من أجل عدم إقامة الدولة الفلسطينية، وضرب التمثيل الفلسطيني المتمثل في منظمة التحرير.
كما حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية قبل أيام، بعد الكشف عن بنود الخطة، من مخاطر أية مخططات مطروحة قالت إنها “تستهدف تكريس الفصل بين شطري الوطن الفلسطيني لضرب فرصة تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض”.
وقالت: “الاحتلال لا يمتلك الصلاحية والأهلية لوضع (فيتو) على إدارة مؤسسات الدولة الفلسطينية للقطاع ويجب عدم السماح له بذلك، خاصة وأن القطاع جزء أصيل من أرض دولة فلسطين المحتلة”.
الخارجية الفلسطينية: “الخطة تستهدف تكريس الفصل بين شطري الوطن الفلسطيني لضرب فرصة تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض”.
وأكدت أن الشرعية الفلسطينية المعترف بها دولياً هي البوابة الوحيدة القادرة على حل الأزمة وإنقاذ شعبنا وتمكينه من تحقيق حريته واستقلاله الوطني، وطالبت الدول التي تدعي الحرص على حل الدولتين “احترام قراراتها وتوجهاتها وتنفيذها بما يجسد حل الدولتين على الأرض ويحقق الأمن والاستقرار للأطراف كافة”.
أما حركة حماس، فقد أكدت في ظل الحديث عن بحث ما يسمّى “اليوم التالي” للحرب، على أن من حق الشعب الفلسطيني اتخاذ خياراته كافة بإرادته الحرة المستقلة، وأكدت أنه “هو من يقرّر تفاصيل وأجندات اليوم التالي للحرب، والذي لن يكون إلا فلسطينيا خالصاً، وليس وفق المقاس الإسرائيلي والرغبة الأمريكية”.
وقال القيادي في الحركة أسامة حمدان: “الشعب الفلسطيني هو من سيحدد ملامح اليوم التالي للحرب وليس وفق الإملاءات الإسرائيلية أو الأمريكية”.