عالم الفنان هاشم الطويل يخضع لمؤثرات مباشرة، أملتها على وجوده كفنان المدينة (كربلاء) كمكان زاخر بكل ما من شأنه إثارة الفضول الفني وتنمية الشخصية الإبداعية، فهو فنان شديد الحرص على بقاء ذاكرته يقظة ومؤثرة في ما ينتج من أعمال فنية، فشخصية المبدع على كل الأجناس الإبداعية تتأثر بالجينات المبكرة والخالقة للوعي، كما أكدها علماء الفسلجة والاجتماع وعلم النفس والفلسفة وفلسفة الجمال، لكن بالتأكيد تنمّيها وتطورها الممارسات والأجواء البيئية، بما تمتلكه من مؤثرات من جهة، وحاصل تحصيل الجانب المعرفي الذي يتصاعد في حياة المنتج من جهة أخرى.
المؤثرات المباشرة
من هذا المنطلق لا بد من استحضار مثل هذه المؤثرات التي أكدها الفنان عبر الحوارات التي أُجريت معه في الصحافة والدوريات، فالمكان خلق لديه حساسية فنية تكاد تكون متفردة بتقديرنا، فهو يؤكد كثيراً على الجانب المعرفي الآتي عبر تأثير البيئة التي ترعرع داخل سحرها وبنيانها المقدس، بمعنى هي استجابة مستمرة لأي مؤثر تُثيره المشاهدة وتستحضره الذاكرة. وهذا راجع لكثافة المحتوى في المكان الذي تمثله تغيرات حيوات المكان، وزيادة ما يُمارسه على طول الزمن المديني، سواء في المواسم المتعددة التي خصت بها مدينة كربلاء كحاضنة زاخرة بالطقوس وأداء الشعائر الدينية، فالذاكرة تستدعي التاريخ ورموزه. كذلك ما يغنى تجربته الفنية من أجواء سريعة وعميقة الإيقاع على جملة ما يُشاهد من الطقوس والأدعية والشعائر ضمن طقس العزاء، بما في ذلك ما تحمله جدران المدينة من لافتات ذات الألوان الدالة على القوة في التضحية تعكس تلك الوقائع التاريخية عبر ما هو مدون على اللافتات بما فيها الشعر الذي قيل بحق الأولياء، مما ساعد الفنان ودفعه من خلال غريزة تمثل محتويات الجدران، حيث اجترح له جداراً خص واجهته رؤاه الفنية ومخزون ذاكرته الفاعلة وأحاسيسه المرهفة، متمثلاً وكاشفاً لصور وعلامات أغنت تجربة سطح اللوحة التشكيلية. ولعل التأثر الأكثر وقعاً هو تلك الرموز الإسلامية في أشكال العمارة كالقباب والمنائر وهندسة المدينة وشوارعها وأزقتها التي زرعت في ذاته التعلق بتلك الرموز الميثولوجية، وتطوير سردية اللوحة الفنية بكل ما حفظته الذاكرة كانتقاء أمثل للمفردات الدالّة. كل هذا دفعه إلى تطوير رؤاه للفن الإسلامي، لما يتمتع به من جمال وسحر الأداء الأخاذ، تماماً كما أخذ بذوات الكثير من الفنانين كشاكر حسن آل سعيد وجواد سليم مثلاً.
وقد تطور هذا الاهتمام إلى خلق إضافات منهجية للكثير من مناهج الدراسات الأكاديمية خارج العراق، باعتباره تدريسا في الجامعات. ومن الأمثلة الدالة على هذا هو تأسيسه لجماعة فنية في بغداد مع نخبة من(جماعة أصدقاء الفن) في الأكاديمية. الفنان لم يتبع منهج مدرسة فنية معينة، وإنما استمر يغترف من كل الاتجاهات الفنية ويعطيها من ذاته ورؤاه، التي مكنته لتأسيس هويته الفنية، خصوصاً ما قدمته له الحضارات القديمة، كالسومرية والبابلية والآشورية ولاحقاً الإسلامية.
سقنا هذا الاستهلال لا لشيء سوى لعكس شخصية الفنان وقدرته على التمثل والتحول في ممارسة فنه التشكيلي، الذي كان في معظمه استعادة لمخزونه المعرفي البصري، الذي فتح له طريق الاجتهاد، في ما أضاف نظرياً الاجتهاد وعطاء فنياً أكد تمثلات لمفردات المعرفة المكتسبة، ومنها اجتراحات لقراءات وإضافات منهجية نوعية.
الممارسات والتحولات الفنية
يعتمد الفنان في صياغة محتوى سطح لوحته على بنية فكرية اجتهد وثابر على ترسيخها في حياته الفنية، رغم تغيّر الأمكنة خاصة في المهجر وتأثيراته المباشرة وغير المباشرة، لكنه استطاع وبفعل مثابرته وروح التجاوز للمعمق أن يؤسس له عالماً سعى إلى تطويره باستمرار، فهو فنان مثقف وأكاديمي ومجتهد في معارفه، يمتلك معرفة تعمل على الإزاحة والبناء. وهو ملمح واضح في لوحاته، كذلك موقف راسخ اتجاه مستجدات الواقعي، خاصة واقعه العراقي وحساب محتوى ذاكرته كما ذكرنا. وعلى سبيل المثال ما جسدته لوحة (بغداد تحت النار) وهي لوحة استجابت لمتغيرات وقسوة الحرب إبان الأعوام (1990 ــ 1991) وما حصل في العراق من انتهاك للوجود العراقي.. لذا يمكننا التأكيد على أن لوحته تعالج فكرة أو مجموعة أفكار عبر استعمالات فنية يجدها مناسبة لمعالجة ما حدث أو يحدث، وفعالية سُبل المعالجة المستندة أصلاً على مجموعة مفاهيم شكّلت بنيته الفكرية، وحددت التزامه، شأنه شأن الفنانين الرواد، وما قدموه للواقع الثقافي العراقي سُجلت في مدونة تاريخ الفن عامة، وتاريخ الفنان أيضاً.
اللوحة عند الطويل تتشكل من طبقات مطعمة بزخرفة حروفية، تستعيد مشاهد العمارة التي اغتنت بها تجربته سواء داخل العراق أو خارجه في المهجر. فالمعرفة عنده ملكة ذاتية تستقبل الأشياء والقيّم الفنية والنقدية. فانفتاح المجال يعني انفتاح التجربة، وبالتالي انفتاح سطح القماش (جدار اللوحة) لاستقبال الرؤى الجديدة.
الفنان هاشم الطويل بقدر ما كان وفياً وملتزماً بكل ما منحته مدينته ذات الصبغة الدينية (القدسية) مقابل موقفه الوطني العام، فقد عمل على رصد اليومي ومعالجته وفق منظوره الفني، دون التفريط بالأُسلوب الذي انتهجه. من هذه المنطلقات أسس لوجوده الفني وعطائه، سمات تصب في الهدف ذاته الذي يعمل عليه، حيث عمل على خلق خطين متوازيين يصلان بين ما يراه ويتخيله، وما يتوجب تنفيذه، معتمداً كما ذكرنا على خزين الذاكرة التي تستدعي معارفه البصرية في الأمكنة الغنية برموزها. فهو بذلك يهتم بعمارة اللوحة مغذياً بياض السطح بما هو مثير ومعماري فني، متخطياً النمط أو التكرار، والإمساك بأدوات تنشيط متخيله الفني في اتجاه تنفيذ الرؤية المعرفية التي تشكل رقيباً فنياً زاخراً بالتنوعات والتخريجات والحمولات الي ترفد تشكيل اللوحة. إن عوامل الإثارة تتجسد في ما تتركه من الأثر الذي تُشير إليه البيانات الخطية واللونية على ملكة المتلقي البصري. فالفنان يهمه التجاوب لمحتوى السطح من خلال التفاعل في مرئيات اللوحات. وهو عامل خلق مضاف لسردية بصرية لا ينتهي معها الحوار والفحص، وإنما يتطور في الخلق والتجسيد. فالتلقي سمة أساسية لما ينتجه الفنان، لأنه أساساً يحاكي لغة مشتركة وحوارا دائما.
اللوحة عند الطويل تتشكل من طبقات مطعمة بزخرفة حروفية، تستعيد مشاهد العمارة التي اغتنت بها تجربته سواء داخل العراق أو خارجه في المهجر. فالمعرفة عنده ملكة ذاتية تستقبل الأشياء والقيّم الفنية والنقدية. فانفتاح المجال يعني انفتاح التجربة، وبالتالي انفتاح سطح القماش (جدار اللوحة) لاستقبال الرؤى الجديدة. هكذا تحولت عمارة اللوحة عنده. فمن طبقات الشكل المزخرف إلى طبقات الوجوه المختلفة والمطلة والمتأملة، وبعضها مأخوذ بمحاكاة مدروسة وتخاطر ذاكرة مقتربة من وجوه وهيئات قديمة لآلهة ووجوه منبثقة من حفريات المعرفة التراثية. وهي استعادة للتاريخ وتفاصيله الجاذبة. لأن الفنان والمتلقي البصري يجد فيها رموزاً حية عبر التاريخ الطويل (سومريون، بابليون، آشوريون). في بعض اللوحات تبدو الطبقات ذات خصوصية ذاتية يستدعي خلالها وجوها يعرفها ولها تأثير في تأريخه الشخصي والجمعي، مثل ضغط الرموز في الأعلى على الرموز في الأسفل، وهذا معناه التوفر على حيوية هذه الرموز ضمن التعاقب الزمني وتوالي الحضارات بكل ما تحمله من قيّم متنوعة، يجدها الفنان ذات تأثير متواصل، في حين تفصل بين الأعلى والأسفل القيمة الفنية للخط الذي يمثل رؤى إبداعية في الفن الإسلامي، كذلك ثمة تحقق فني يعتمد على جملة توظيفات مستلة أيضاً من العمارة الإسلامية كالقوس ومنحنيات القباب للأضرحة المقدسة، كذلك شكل التعامد الصاعد للمنائر والأبراج القديمة. هذا التلاقح المعرفي الصوري، دليل على غزارة المخزون التراثي الذي ينعكس بحيوية على سطح اللوحة، رغم وجود الفنان لزمن طويل في المهجر، لكن معارفه التي تقترب من الجينات المعرفية، تنبثق في اللوحة بكل حيوية ودلالة. يُضاف إلى هذا ظهور عمارة البيوت ذات الشناشيل وجمال زخرفتها وبنائها. لقد غذى الفنان سطح لوحته بما تمتلكه ذاكرته من صور مشرقة وعميقة الدلالة وتشخيص العمارة العراقية على مرّ التاريخ. فاستدعاء عمارة الشناشيل يعني التأكيد على أصالتها وعمقها المعماري الذي شهدته المدن العراقية ومنها مدينة كربلاء بأزقتها الضيقة والمتفرعة والمؤدية إلى مركز المدينة، حيث الطقوس والشعائر، وهي دليل على عمق العلاقات الأسرية والاجتماعية.
أما بخصوص توظيف اللون؛ فإن معظم لوحاته ينعكس عليها اللون الترابي ذو الصبغة التراثية، كذلك انعدام وجود اللون الصارخ الطاغي. فرؤيته تقترب من رؤية التراث بعمارته وجداره المستند إلى البساطة والقدسية، كما أن ترابية اللون دال على استقرار الذات وتواصلها مع الوجود، وسعة رؤيتها ونشاط تفكيرها. فمن الهدوء اللوني إلى انفتاح جديد. كما يبدو لنا أنه يسير وفق هذه الرؤية للتأكيد على رسوخ هويته الفنية.
كاتب عراقي
ارسم حرفا او بعض الحروف بمد ا ذ الفن في لون من الو ا نه المتميزة عن جدارة لكن ادا أدنتم لنا وكدالك الكاتب الفنان شكرا لكم وشكرا له نحن سنظل نقول اليوم وغد ا بأن التشكيل سيظل يفاجئ الممارس له وكدالك العاشق والمتتبع لنشاطه بما لم يكن في العهود التي مضت أقول بالمحير بالمدهش نعم نحن نعيش في زمان يختلف عن لا زمنة التي مضت أحداث وقضايا والبلد العظيم العراق عانى الكثير والفنان المتميز يلجأ لريشته فا يعبر عن أشياء رأتها عيونه أو شيء بداخله وبلغة لاختصار لازالت اللغة العربية في عيون التشكيل تفنن في رسم حروفها وكلماتها أليس هد ا صحيحا أم تخيلته .